في ظل تصاعد حدة الاحتجاجات على قرار الملكة إليزابيث الثانية منح الكاتب البريطاني الجنسية -هندي الأصل- سلمان رشدي مؤلف رواية "آيات شيطانية" لقب "فارس"، ظهرت العديد من الفتاوى المطالبة بإعلان المقاطعة لبريطانيا. وكانت من أبرز تلك الفتاوى ما قال به الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، حيث طالب بمقاطعة السفير البريطاني في العالم العربي، بحيث لا تتم دعوته إلى أية مناسبات، ولا يستجاب لدعواته. واعتبر بيومي تصرف الملكة إليزابيث دليلاً على أنها لا تحترم مشاعر المسلمين البريطانيين والعرب، وأن "الشيطان يسكن عقلها"، وأكد أن هناك خلطًا متعمدًا بين حرية الرأي والاستهزاء بمشاعر المسلمين. وحول موقف فقهاء وعلماء بريطانيا من فتوى المقاطعة؛ كان هناك شبه إجماع على القول بمقاطعة بريطانيا اقتصاديًّا، حيث يؤكد الدكتور صهيب حسن سكرتير مجلس الشريعة الإسلامية بلندن أن المطلوب في تلك الآونة من المسلمين هو المقاطعة الاقتصادية لبريطانيا. ويوضح أنه لا يمكن أن تقوم الدول الإسلامية - التي هي في موضع القوة - بمقاطعة الحكومة البريطانية، خاصة أن هناك جالية كبيرة تعيش في بريطانيا، بالإضافة إلى وجود مصالح تحكم العملية السياسية بين الدول، ويضيف أنه تبعًا لذلك فإن المقاطعة المطلوبة هي المقاطعة الاقتصادية، حيث إنها أجدى وأكبر أثرًا من المقاطعة السياسية والدبلوماسية التي قد تضر بالمسلمين الذين يعيشون على الأراضي البريطانية. ويلمح الدكتور صهيب إلى أن الوسام الذي أخذه سلمان رشدي من قبل الأمة الإسلامية أثقل من أي لقب آخر وهو وسام "ملعون" من منطلق قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ..."، فهذه اللعنة الذي لحقته أكبر من أي شيء حتى لو أُعطي عشرات الأوسمة. ويضيف أن الجالية الإسلامية في بريطانيا تسعى جاهدة من منطلق واجبها الشرعي تجاه الإسلام بمطالبة الحكومة البريطانية بسحب هذا الوسام من سلمان، واستطرد قائلاً: "لقد وجهت رسالة إلى الحكومة البريطانية قلت فيها: إنكم تريدون من المجتمع المسلم في بريطانيا ألا يكون له يد في الإرهاب، والآن توقظون الفتنة بجرح شعور كل المسلمين في العالم، حيث إن هذا الوسام يولد الإرهاب في الدول الأوروبية، نتيجة عدم ضبط مشاعر الغضب عند البعض". الشيخ سالم الشيخي أمين عام لجنة الفتوى في بريطانيا يرى أن مقاطعة المملكة المتحدة أمر مطلوب، لكنه يتعلق بأسباب كثيرة، وليس بقضية سلمان رشدي وحدها، ويوضح قائلاً: "إنه إذا كنا نريد المقاطعة فهناك أسباب أخرى تدعو للمقاطعة، حيث إن فقه المقاطعة مطلوب منذ فترة طويلة حين شاركت بريطانيا في حربها على العراق". ومع هذا يرى الشيخ سالم أن المقاطعة بحاجة إلى بلورة فقهية؛ لأنها ما زالت غير محددة الآليات، ويشير إلى أنه لا بد على مسلمي بريطانيا في الوقت نفسه القيام بخطوات عملية في مواجهة تكريم الملكة إليزابيث لسلمان رشدي، من خلال تشكيل مجموعة من المحامين والسير في مسار قانوني لمقاضاته. ويعتبر الشيخي أن الهجوم على سلمان رشدي يُعَدّ دعاية مجانية له، ويوضح أن هناك العشرات من المجاهيل الذين يريدون شهرة بالهجوم على الإسلام، ونعطيهم دعاية مجانية بالهجوم عليهم، مع أن الأولى هو القيام بعمل منظم حضاري لمواجهة هؤلاء الأدعياء، كاللجوء للقضاء، أو تضامن المراكز الإسلامية لإظهار اعتراضها للحكومة البريطانية على موقفها من هذا الكاتب. وعن فتوى طهران باستباحة دم سلمان رشدي أشار الشيخ سالم إلى أن الفتوى التي أثارها الخميني من قبل باستباحة دم سلمان رشدي عام 1988 عقب كتابه آيات شيطانية تسببت في أزمة زائدة أكثر من حل المشكلة، وعليه فلن يكون هناك فائدة من استباحة دماء سلمان رشدي مرة أخرى. ويضيف أنه كان الأولى لطهران بدلاً من تجديد فتواها بقتل سلمان رشدي أن تطالب بمناظرته حتى تظهر ادعاءاته الباطلة، خاصة أن القتل يؤدي إلى نتيجة سلبية للإسلام والمسلمين، كما أن قضايا الردة لا يمكن أن تطبق في بلد لا يُبنى على الإسلام، بالإضافة لأن منطق الغرب هو رفض القتل في مقابل الفكر، ومخالفة هذا الأسلوب يؤدي إلى تشويه الإسلام من جديد. الدكتور صلاح سلطان عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث يؤيد كذلك مسألة المقاطعة الاقتصادية لبريطانيا على منحها وسام لسلمان رشدي منتهك حرمة القرآن الكريم والإسلام، ويؤكد أن الغرب لن يتوقف عن غيه حتى يجد غضبة عملية، فتكون المقاطعة هي الحد الأدنى من العمل السلبي دون اعتداء على سفارات أو شخصيات مهما كانت جنايتهم. وشدد على أن موقف ملكة بريطانيا دليل على أن الغرب لا يزال مُصِرًّا على النيل من ثوابت الأمة الإسلامية، وفي سبيل ذلك أصيب بحماقة بالغة، حيث لم يَعُد يفرق بين ما يغضب الإسلاميين، وما يغضب المسلمين، موضحًا أن ما يغضب الإسلاميين قضايا مثل فلسطين والعراق واستلاب الثروات واحتكار الاستثمارات وتغيير الثقافات، لكن التعرض للقرآن الكريم وأنبياء الله والملائكة أو لأي ثابت من ثوابت الإسلام يثير المسلمين جميعًا. ويؤكد الدكتور صلاح أن واجب النخبة وقادة الأمة الإسلامية إعلان الغضب الشديد، ويقول: "لو صُوّرت زوجات الأمراء والعلماء كما صورت أمهات المؤمنين في آيات شيطانية وكانت هناك بقية من غيرة أو حمية أو دين لأدركت أن غضبًا شديدًا وموقفًا عمليًّا سوف يحدث". وشدد على أنه لا بد من تكاتف النخب داخل أوروبا وخارجها لإيقاف كل ألوان الحوار مع الغرب حتى يستصدر قرارات تحترم فيها الثوابت في كل الأديان، وعلى رأسها الدين الإسلامي، كما يجب اتخاذ قرار بالاستغناء عن كل أو بعض السلع البريطانية وأن تكون هناك شبكة إلكترونية بين التجار المسلمين تحقق التواصل في ذلك الأمر، محذرًا من أن ردود الأفعال العشوائية على البريطانيين وأمثالهم يمكن أن تتحول إلى نار حارقة لا يستطيع أحد أن يوقفها.
على الجانب الآخر يرى الدكتور حسين حلاوة الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أنه لا بد من إهمال الحديث عن سلمان رشدي، ولا يكون له ذكر، ويبرر ذلك بقوله: "إنه حينما نكثر الحديث عنه فنحن نعطيه شأنًا ومكانة، ومن خبرتي في مثل هذه المجالات أن إهماله هو أفضل شيء؛ لأنه بعد أن ألَّف كتابه الأول، وتم إهماله كتب كتابًا آخر أكثر سوءًا من الأول، وإعطاؤه الوسام يحيي شيئًا مما يتمناه". ويضيف أن إعطاء سلمان رشدي الوسام لا يساوي شيئًا ولا يذكر، خاصة أن الذين تكلموا قبله ضد الإسلام أهملهم التاريخ، ولم يقف عندهم أحد، معربًا عن أن موقف الحكومة البريطانية تجاه الإسلام والمسلمين دائمًا غير عادل، وهو واضح في القضايا الإسلامية، فلا ينبغي أن نثور من أجل سلمان، وهناك من القضايا ما ينبغي أن نلتفت إليها. ويؤكد الدكتور حسين حلاوة رفضه لفكرة المقاطعة على اعتبار أن هناك من الشعب البريطاني من يؤيد القضايا العربية والإسلامية، ويخشى من قضية المقاطعة أن يكون الخاسر فيها الشعب البريطاني، وبذلك يخسر المسلمون أصواتًا مؤيدة لنا داخل الشعب البريطاني.