لا بد من الإقرار , ان عام 2011 كان عاما مختلفا داهمت أحداثه عالمنا العربي وأيضا لا بد من الإقرار أن أمتنا شهدت مع بداياته انطلاق عملية تغيير طال انتظارها , أصابت العائلات والشرائح العربية الحاكمة المتربعة فوق العروش والنفوس وفوق براميل النفط وأكوام الدولارات والذهب المنهوبة من الشعوب. اعتاد هؤلاء المعتلون لعروشهم والمتعالون على "الناس اللي تحت" النظر من خلف نوافذ قصورهم العالية على الملايين من ساكني مدن الطين والصفيح, بازدراء واستخفاف شديدين , من غير ان يدركوا ان احتكاك الصفيح بالصفيح قد يطلق شرارة لا تحمد عقباها. فمن معاناة المهمشين والمعدمين في تونس انطلقت الشرارة الأولى لتحدث نارا في الهشيم العربي شديد الجفاف وسريع الإشتعال , سرعان من احترق بها قسما من الأنظمة الحاكمة منذ عقود التي كانت مطمئنة لسلامتها ولأبدية وجودها , وسريان النار في هشيمنا العربي ما زال مستمرا.
رافق اندلاع هذه النيران الحارقة للأنظمة الفاسدة فرحة غامرة استحوذت على عقول مستضعفي الأمة وذهول ودهشة ألمت بمستكبريها وبأعدائها الخارجيين الذين سرعان ما أسسوا تحالفا فيما بينهم يهدف في المقام الأول إلى إجهاض أو حرف مسار هذا النهوض المفاجئ وإطفاء نيرانه , وفي الحد الأدنى احتوائه لتقليل الخسائر ما أمكن.
نعيش اليوم وعلى مستوى عالمنا العربي الإسلامي هذا الصراع القائم بين قوى التغيير الثورية الناشطة والقوى المحلية والخارجية المحبَطة المتربصة بالتغيير , وفي خضم هذا الصراع تتنوع الإجتهادات والآراء بين صفوف المواطنين المسلمين والعرب , فمن قائل ان ما نشاهده من تغيير ليس سوى صناعة أميركية منسجمة مع فكرة الفوضى الخلاقة غير المباركة التي تحدثت بها إدارة جورج بوش الإبن المنصرفة , ومن قائل أن أمتنا تعيش نهضة مباركة تنهي استبداد الأنظمة الحاكمة وتنهي التبعية للغرب لتصنع عزتها ونهضتها واستقلالها الكامل , وهذه المبادئ الثلاثة لا بد أن تقود لتحرير الإنسان العربي والمسلم وتحرير ما سلب من ترابه, وتقود لزراعة اليقين في النفوس المحفز لتحرير كامل التراب الفلسطيني المقدس.
إني لأعجب من القائلين , الذين من بينهم مثقفين كثر, بأن ما تشهده منطقتنا من تغييرات جوهرية ومن نجاح حققته شعوبنا بالإطاحة بأربع دكتاتوريات , والحبل على الجرار, ليس سوى صناعة أميركية لخدمة مصالح أميركا وإسرائيل , ولا أدري إن كان هذا يعود لقصر في نظرهم أو لانعدام ثقتهم بأنفسهم وبقدرات الشعوب التي ينتمون إليها أو لهذه الأسباب مجتمعة...!
تطلق الجمهورية الإسلامية الإيرانية (البادئه بثورات المنطقة)على صحوة شعوبنا تسمية "الصحوة الإسلامية" لانها تنظر لمنظقتنا كإقليم واحد تجمعه الجغرافيا والتاريخ وتضم مساحته الشاسعة مسلمين متعددي الأعراق من بينهم أغلبية عربية . وأرى.. ان هذه النظرة الإيرانية نظرة استيراتيجية لا بد لشعوبنا من أخذها بعين الإعتبار لإعطائها الأهمية التي تستحقها لأن العالم يسير نحو التكتلات الكبرى ونحو التعددية القطبية ونحو انهاء سيطرة مجلس الامن بتركيبته الحالية على القرارات الدولية , هذه التركيبة الظالمة التي تجاوزها الزمن بعد أن مضى على تشكيلها حوالي سبعة عقود , أفرز العالم خلالها قوى فتية وجديدة تسعى لأخذ مكان لها في قمة العالم , التي ما زال يسيطر عليها خمسة كبار ما عاد كلهم كبارا.
أما أميركا والغرب فإنهم يفضلون تسمية الثورات العربية القائمة بالربيع العربي تيمنا بما اسموه ربيعا إثر الإنتفاضات التي قامت بها شعوب اوروبا الشرقية ضد حكامها المستبدين وذلك أثناء وبعد سقوط الإتحاد السوفييتي في نهاية القرن الماضي , وقد اسفرت حركتها الإنتفاضية (بمعظمها) عن انظمة جديدة موالية لأميركا والغرب وشتان بين انتفاضات المسلمين والعرب وانتفاضات الشرق اوروبيين , لأن الإنتفاضتان تلتقيان في موضع يتمثل في الثورة ضد استبداد الحكام , لكنهما تفترقان في مواضع أخرى شديدة الأهمية . الشرق اوروبيون في النهاية امتداد جغرافي وتاريخي وديني للغرب , أما نحن فشعوبنا تشترك بجغرافيا مختلفة ولها تاريخ مختلف ودين مختلف , هم يتوقون للغرب ونحن نعاني من سيطرته علينا , هم غير مبتلين بعدو غادر وغاصب متربص بالأمة مثل "إسرائيل" ونحن مبتلون بهذا العدو الإسرائيلي (المدعوم من الغرب) كعود في عيوننا وشوكة في حلوقنا وغصة في قلوبنا . نحن لا نريد من أميركا والغرب ان يسموا ثوراتنا ربيعا . نحن أصحابها وتسميتها تعود لنا وقد اسميناها ثورات أو صحوات عربية وإسلامية , لأنها عربية وإسلامية بامتياز.