انطلاق امتحانات نهاية العام 2024 بجامعة برج العرب التكنولوجية    محافظ المنيا: توريد 318 ألف طن قمح للصوامع منذ بداية الموسم    تصل ل1890 جنيها.. ننشر الحد الأقصى لصرف زيادة المعاشات 15% قبل العيد    «الدقهلية» تتسلم 1.2 مليون ذريعة سمك بلطي دعما من «حماية البحيرات»    "كل العيون على رفح".. حملة انستجرام تتجاوز 40 مليون مشاركة خلال ساعات    وزير خارجية النرويج: مصر دعمتنا في قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية    «حماة الوطن»: زيارة الرئيس السيسي إلى الصين تعزز العلاقات الثنائية بين البلدين    «القاهرة الإخبارية»: لابيد يجتمع مع ليبرمان لبحث خطة عمل لاستبدال حكومة نتنياهو    برشلونة يرفض رحيل هذا الرباعي في الصيف    روديجو يحسم الجدل حول رحيله عن ريال مدريد    وزير الرياضة يستقبل رئيس الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة جلوس    ملخص علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة 2024    تأجيل محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    «تعليم القاهرة» تشدد على توفير بيئة امتحانية آمنة لطلاب الثانوية العامة    مطار الأقصر الدولي يودع حجاج بيت الله الحرام في رحلاتهم الأولى لموسم 1445 ه    دراسة: الفراعنة تدخلوا جراحيا لعلاج السرطان والدليل جمجمة عمرها 4000 عام    «السرب» يتصدر إيرادات الأفلام بدور العرض.. وعالماشي في المركز الأخير    نقابة المهن السينمائية توجه رسائل للفائزين بجوائز الدولة التقديرية    تفاصيل دور جومانا مراد في «مفترق طرق» قبل العرض رقميًا    الكشف على 1622 مريضا ضمن قافلة علاجية مجانية بمركز بلقاس بالدقهلية    3 عناصر غذائية تحسن المزاج وتجنبك العصبية في الصباح.. احرص على تناولها    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    السؤال الذى لم تجب عنه الحكومة!    حماس تحمل واشنطن مسئولية المجازر المروعة برفح وتدعوها إلى وقف شراكتها في قتل الفلسطينيين    اتهام كوريا الشمالية بإرسال بالونات تحتوي على قاذورات وفضلات عبر حدودها مع كوريا الجنوبية    إسكان النواب: يجب حل مشكلات الصرف الصحي بعد مخصصاتها الضخمة بالموازنة الجديدة    مزايا تأمينية وحوافز شهرية.. جهاز تشغيل الشباب بالجيزة يعلن فرص عمل جديدة    228 طالبا ب"صيدلة الإسماعيلية الأهلية" يؤدون اختبار "مدخل إلى علم الجودة" إلكترونيا (صور)    مهدد بالإيقاف 4 سنوات.. محامي رمضان صبحي يكشف مفاجأة    دياب: نحتاج 4 مواسم لضبط مواعيد الدوري المصري مع العالم    "يرمي الكرة في ملعب ريال مدريد".. باريس يحتجز مستحقات مبابي    «المشاط» تبحث مع وزير التنمية البريطاني التعاون بمجال الزراعة والأمن الغذائي    لماذا أسلم البروفيسور آرثر أليسون؟    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    مصرع شخص إثر حادث انقلاب موتوسيكل في الشرقية    جيش مصر قادر    «تقدر في 10 أيام».. أماكن المراجعات المجانية للثانوية العامة في المنيا    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 جنود وإصابة 10 في معارك رفح    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    السبت | «متحف الحضارة» يحتفي برحلة العائلة المقدسة    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    وزير الإسكان يبحث وضع خطة عاجلة لتعظيم دور الهيئة العامة للتنمية السياحية    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    المدير التنفيذي للأهلي: الخطيب لم ينفذ البرنامج الطبي الخاصة به بسبب نهائي إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2012 .. عام الربيع العربي
نشر في الوفد يوم 31 - 12 - 2011

لم يكن أشد المتفائلين في عالمنا العربي يعتقد بإمكانية إزاحة جماهيره في شهور قليلة بأكثر النظم في العالم استبداداً وقمعا.
ولم يكن أي من الجالسين على عروش بلادنا الممتدة من المحيط إلى الخليج يعتقد ان أن يصبح المواطن العربي رقما بل الرقم الأصعب في معادلات السلطة . فلعقود طويلة ظنت العقليات الأمنية في تلك الدول أن الطرف الخارجي هو الذي يجب ويستحق العناية في ضمان البقاء في السلطة، فلم يتغير رؤساء منطقتنا وملوكها إلا بقبضة من ملك الموت، أو بضربات عسكرية من الغرب كما هو الحال مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. لم تأتهم مصيبتهم إلا من حيث كانوا يأمنون: مواطنوهم. وأكثر المتفائلين توقعوا ولتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ثورات عنيفة للجياع يبحثون عما يقيم ذواتهم ويدمرون ما تصل إليه أيديهم. لكن أن تكون ثورة سلمية تقودها الطبقة الوسطى العريضة بمثقفيها ونخبها وطلابها وموظفوها وعمالها، فهذا لم يكن قط في الحسبان، لكنه حدث بالفعل. وجاءت المفاجأة من واحدة من أكثر البلدان العربية تعليما ولسبب وحيد هو الكرامة. انطلقت شرارة الربيع العربي بصفعة على وجه شاب عربي عادي هو محمد البوعزيزي من شرطية تونسية تمثل السلطة في أدنى مستوياتها، لينفجر الغضب ويشعل النار في نفسه، لتكون جهنم على الحكام العرب، لتنطلق مظاهرات الغضب رافضة تعسف السلطة واستبدادها ومطالبة بالديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وهذه الثورات التي لم تتوان عن أن تطيح برئيس بعد الآخر، بداية من الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي بن والمصري المخلوع حسني مبارك والليبي المقتول معمر القذافي واليمني المتنحي علي عبد الله صالح، ولكن ربما تكون هذه الثورات نجحت في هدم النظم القائمة خلال عام 2011، لكنها لا تزال تواجه اختبارا عسيرا ينتظرها وهي تتحول إلى بناء ديمقراطيتها وإقامة مؤسساتها في 2012، الأمر الذي إذا نجحت فيه فستكون نموذجا لغيرها من دول المنطقة التي لم تهب عليها نسمات الديمقراطية بعد. وعموما رحل عام الثورات ليتركنا في حيرة السؤال .. ماذا يحمل لنا العام الجديد؟
اليمن الثائر.. رغم المبادرة الخليجية الحرب الأهلية تدق الطبول
الثورة أسقطت الرئيس صالح في اليمن
تحدث «صمويل هنتنجتون» صاحب كتاب صراع الحضارات فى نهاية القرن الماضي، عن «ما يسمى موجات المد الديمقراطى فى العالم، منطلقاً فى طرحه وتصوره من قاعدة تناقص أهمية الحدود السياسية والجغرافية فى عالم اليوم، فما قد يحدث فى مدينة صغيرة بدولة من دول العالم الثالث يؤثر فى مناطق بعيدة من العالم». وتنسحب هذه الرؤية على حالات تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين، وإحتمالية انتشارها لدول أخرى، تأثراً بجاذبية فكرة المد الثورى. فقد أثبتت الصحوة الثورية التى تجتاح المنطقة، أن الأمة العربية من المحيط إلى الخليج كالجسد الواحد إذا اكتنف إحدى دولها ثورة، تداعت لها باقى الأقطار بالانتفاضة والاحتجاج، فالأنظمة العربية الحاكمة كانت أشبه بقطع الدموينو ما أن يسقط واحداً منها فيعرج على نظيره حتى تسوى جميعا بركام الأرض، فرياح الربيع العربى أتت صرصرة عاتية، إقتلعت أعتى الديكتاتوريات العربية من جذورها بداية من تونس مرورا بمصر وصولاً إلى ليبيا، ولكنها هدأت على أعتاب سوريا بالقتل والتضليل، واليمن بالقمع والمرواغة.
المتابع للمشهد اليمنى خاصةً بعد توقيع المبادرة الخليجية يجده ضبابياً يعتريه الغموض، فبعد طرح المبادرة الخليجية المنقوصة وتوقيع صالح وأطراف المعارضة عليها، ثار سخط المعتصمين القابعين فى ساحات التغيير، واعتبروها مجحفة وظالمة ومفرطة فى دماء الشهداء، ووصفوا المعارضة بأنها خائنة ولا تعبر عنهم ولا تتبنى مطالبهم المنادية برحيل صالح ونظامه عن الحكم ومحاكمته على قتل الثوار اليمنيين. فهذه المبادرة تضمنت فى أهم بنودها، تنحى صالح عن السلطة مع منحه حصانة من الملاحقة القضائية هو وعائلته، ناهيك عن إتاحة المجال لعائلته بالمشاركة فى سياسة الدولة، والأخطر من ذلك أن أقرباءه لايزالون يقودون الجيش والأجهزة الامنية. هذا فى الوقت الذى أصبح فيه نائب الرئيس اليمنى «منصور هادي» حسب الاتفاق هو الرئيس الفعلي الذي دعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة في 28 من فبراير 2012 وأعلن تشكيل لجنة عسكرية تشرف على انسحاب الجيش من المدن، وإيجاد حل لما سماه «الصراع اليمني المسلح»، وإعادة تشكيل القوات المسلحة. ولكن حقيقة الأمر أن مستقبل اليمن أصبح مرهونا بهذه المبادرة، التى لم تخرج عن كونها صفقة مشبوهة بين حزب «صالح» الحاكم ومجموعة من أحزاب المعارضة التى تسمى ب«اللقاء المشترك»، وتنطوى على العديد من نقاط الضعف. فقد وضح جلياً استبعاد الاتفاق للمتظاهرين الموجودين في الشوارع والميادين، والمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون الآن على معظم شمال اليمن، إضافة إلى الحراك الجنوبي الذي يطالب بالانفصال وتشكيل دولة جديدة، إلى جانب تمسك قبيلة صالح برفضها لأي جهود تقضي بتقليم أظافرها. وهو ما يبعث مؤشرات على أن الاتفاقية الخليجية زادت من تعقيد المشكلة اليمنية لا انتشال اليمن الثائر من أزمته. أما بالنسبة للثوار اليمنيين في ساحة التحرير فقد رفضوا الاتفاق جملة وتفصيلا. واعتبروا المعارضة ألعوبة بيد صالح، حجتهم القوية فى ذلك أن صالح لايزال باليمن في منصب رئيس الحزب الحاكم، لاسيما بعد عودته من السعودية فى رحلته العلاجية عقب الهجوم على الذى تعرض له القصر الجمهورى وكاد أن يودى بحياته. كما أن أبناء عائلته لا يزالون في مناصب عسكرية وأمنية في الدولة ومن الممكن أن يرشح ابنه نفسه للرئاسة خلال الانتخابات المستقبلية. وحزبه الحاكم لايزال ممسكاً بقوة على الحكومة الجديدة. كما أن نائب الرئيس سيكون رئيسا لمدة عامين. والسؤال المطروح الآن ما مصير المحتجين، الذين تعهدوا بمواصلة التظاهر في الشوارع وإصرارهم على مطالبهم؟. يوما بعد آخر تتسع فجوة عدم الثقة بين المتظاهرين والنظام فى ظل قيام قوات صالح بقتل الكثيرين واختطاف واعتقال آخرين من الثوار برغم هذه المبادرة، وهو ما يزيد عزيمة شباب الثورة على مواصلة اعتصاماتهم واحتجاجاتهم. ناهيك عن أعتبار ثورتهم لم تأخذ قسطا من الاهتمامات الإقليمية والدولية مثلما حدث فى ثورات تونس ومصر وليبيا. إلا أن هناك توقعات و سيناريوهات بدأت تلوح فى الأفق حول مستقبل اليمن بعد رحيل على عبدالله صالح. أحد أهم هذه التوقعات هو بروز فكرة الخلافة الاسلامية من خلال ترديد عدد من الشباب المحتجين هتافات ضد الرئيس صالح فى (صنعاء وعدن والمكلا والحديدة وتعز وصعدة وعمران)، مضمونها يشير إلى تطلعات تطبيق نموذج للخلافة الإسلامية، مستشهدين فى ذلك بكلمات الشيخ عبدالمجيد الزندانى الذى قال: «إن ما يحدث فى العالم العربى من ثورات هى مقدمة لإقامة الخلافة الإسلامية فى عام 2020». إذن بدا جلياً الآن غموض المشهد اليمنى وقتامته كما ذكرنا، مع استمرار الغضب الشعبى والاحتجاجات الممزوجة بدوافع وطنية، وثأرات قبلية مغطاة برماد الأحداث. فلم يعد هناك أمام اليمنيين إلا أمرين، إما الإنزلاق إلى أتون حرب أهلية وبالتالى شبح التقسيم يلوح فى أفق البلاد، أو إعلان ترتيبات تضمن انتقالاً آمناً وسلمياً للسلطة وارضاء شباب الثورة الذى حافظ ولا يزال على سلميتها فى مواجهة قمع أجهزة الرئيس صالح.
أبرز الدول المرشحة للثورة
الجزائر تستبق بانتخابات مبكرة.. والفساد يعجل بها في الكويت
غضب الكويتيين من الفساد دفعهم إلي اقتحام مجلس الأمة
كالنار في الهشيم امتد الربيع العربي من تونس إلى مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا في وجه أنظمة مستبدة حكمت البلاد مدداً طويلة، حكماً فردياً دون أن تحقق المطالب الشعبية المنشودة، بل زادت البلدان تخلفاً وبطالة وفقراً وتبعية وتجزئة وتفرقاً، ما جعل لحظة المواجهة والثورة أمراً حتمياً، فبدأت لحظة التغيير بصفعة على وجه محمد بوعزيزي كانت الشرارة الأولى التي تحولت إلى لهبٍ يكبر وينتشر ويتسع ويمتد من تونس إلى ميدان التحرير في القاهرة إلى ساحة التحرير في بني غازي إلى ساحات التغيير في اليمن، وصولاً للساحات الواسعة في سوريا.
ترى هل هناك من دول في عالمنا العربي مرشحة للفحة من هذا الربيع؟ من بين الدول المرشحة لذلك الجزائر. فبالرغم من قيام صانع القرار الجزائري، تفاديا لرياح الربيع العربي، بتقديم حزمة من الإصلاحات تمثلت في قوانين الأحزاب والانتخابات والجمعيات والإعلام، إلا أنها لم تلب مطلب التغيير الجوهري الذي أصبح ملحا في ظل تعفن العملية السياسية وقتل روح المبادرة، إلى جانب توقف عجلة التنمية المستدامة واندثار آليات الحكم الراشد. يقول المراقبون: إن الجزائر ومنذ أحداث 5 يناير 2011 وهي تعيش اضطرابات ميزتها حالة من التململ والاستياء العام لدى قطاعات واسعة من المجتمع، نتيجة الشعور بالظلم الاجتماعي والحرمان الاقتصادي؛ زاد في حدته انسداد في أفق العمل السياسي والإعلامي. واعتبر هؤلاء المراقبون أن مسارعة السلطات الجزائرية بتقديم حلول استعجالية وصفت بالمسكنات، لأنها لم ترق لمعالجة أصل المشكلات، تم اللجوء إليها من أجل إطفاء نار متقدة، ساهمت في إذكائها سياسات فاشلة ومحبطة لكثير من الجزائريين، ومن ثم فإنها قد لا تسعف النظام الحاكم أمام شرارة بسيطة للثورة تحملها رياح المزاج العام في المنطقة من أجل تغيير جذري، وربما يكون التعجيل بموعد الانتخابات بمثابة محاولة استباقية لتنفيس غضب الجزائريين. ويقول أستاذ القانون الدستوري الدكتور فوزي أوصديق بن الهاشمي لوكالة «يونايتد برس انترناشونال»: «إن الجزائر ليست مؤمّنة بما يلزم ضد ما يحدث على أطرافها وفي عالمها العربي، والتأمين الوحيد هو مزيد من الانفتاح والديمقراطية وسيادة القانون وتعزيز حقوق الإنسان، وكل ذلك لا يبنى بالأماني والادعاء بقدر ما يؤسس بالأفعال والممارسة». وقال الأمين العام لحركة النهضة الجزائرية المعارضة فاتح ربيعي: إن قوانين الإصلاحات التي قدمها بوتفليقة أظهرت مع الأسف أن اللعبة مغلقة، محذرا من أن الجزائر أمام مفترق طرق، فإما أن يتم استدراك ما فات أو تكون البلاد معرضة لخيارات أخرى.
أيضا يبدو أن نسائم الربيع العربي تبدأ في هبوبها على الكويت عندما أرغمت ضغوط الشارع الحكومة على الاستقالة من دون أن تشكك في شرعية الأمير والعائلة الحاكمة. وقدم رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد استقالة حكومته، فاعتبرت أولى ثمار الحملة التي أطلقها الشبان في ساحة الإرادة ضد الفساد. لكن هل يمكن أن يكون لهذه النسائم تأثير جذري على النظام السياسي في الكويت. يرى البعض أن ذلك قادم لا محالة، مشيرين إلى أن استمرار الفساد في البلاد قد يدفع إلى مزيد من الاحتجاجات التي قد تضطر إلى تعديلات جذرية في النظام السياسي للدولة، حتى وإن لم يتم تغيير النظام الملكي. ويؤكد هؤلاء أن اقتحام مجلس الأمة يمثل ناقوس خطر ومؤشر على احتمال تصاعد درجة الاحتجاجات وربما شكلها.
الأردن.. المغرب.. البحرين.. عمان.. السودان
الناجون من المد الثوري
مظاهرات الأردنيين لم تنجح في إحداث تغيير جذري في البلاد
اجتاح الربيع العربي كثيرا من دول منطقتنا العربية بسبب الفساد والاستبداد وتراجع مستويات المعيشة فيها. لكن بدا أن بعض الدول نجت بالفعل من خماسين هذا الربيع. نجت بعض هذه الدول لذكاء حكامها في التعامل مع الاحتجاجات كما هو الحال مع الأردن والمغرب. لقد كانت نجاة الأردن من تأثيرات الربيع العربي محل استغراب خاصة أنها شهدت حراكا سياسيا لافتا أوائل العام الماضي. يقول ضباط استخبارات بريطانيون إن القيادة السياسية للأردن، تستطيع أن تقف في مكان يحجب مسار العاصفة الهوجاء، وتستطيع أن تتخذ القرارات الصعبة، بل والمستحيلة في أوقات الرخاء السياسي، وهو ما يجعلها بعيدة عن السيناريوهات التي حصلت وستحصل في دول عربية لاحقا، إذ يمكن القول – والكلام للضباط البريطانيين- إن الأردن قد نجا بشكل مؤقت من أي تداعيات سياسية خطرة.
أيضا من الدول التي نجت من الرياح العاصفة لهذا الربيع هي المغرب. ويعزي المتابعون ذلك إلى ذكاء القصر في الرباط، مما أجل هذا الربيع ولي إلى حين. التقط القصر إشارة الشارع وجاء خطاب 9 مارس الذي أعلن فيه العاهل المغربي عن إجراء تعديل دستور. وبالرغم من أن خطاب الملك الذي تلقته بعض الهيئات السياسية بارتياح لم ينل رضا حركة 20 فبراير ومن يساندها مثل الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة والنهج الديمقراطي وكذا جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة فاستمرت الاحتجاجات قبل وبعد الاستفتاء على الدستور يوم الأول من يوليو الماضي. لكن الأهم أن الإصلاحات الدستورية فتحت بطبيعة الحال الباب إلى نقاش حول إجراء انتخابات برلمانية قبل الأوان علما بأن الانتخابات كانت مفترضة عام 2012 فكان لابد من حل البرلمان وحل الحكومة لأن النظام كان ذكيا وأراد أن يطلق ما يكفي من الإشارات لتهدئة الشارع ولحصر الاحتجاجات في مطالب لا علاقة لها بطبيعة النظام بل بطريقة الإدارة العامة. فيما نجت دول أخرى لعدم رغبة دول الجوار أو القوى الكبرى في وصول آثار الربيع إليها مثل البحرين وسلطنة عمان. نجحت سلطنة عمان في تجاوز الربيع العربي، حينما نزل آلاف العمانيين إلى شوارع مدينة صحار الصناعية الشمالية في فبراير الماضي؛ للمطالبة بزيادة الأجور، وتوفير المزيد من فرص العمل، ومنع مسئولي الحكومة من الكسب غير المشروع. وكان حجم الاحتجاجات وسقف المطالب أقل كثيرا من دول عربية أخرى نجحت فيها انتفاضات شعبية في الإطاحة برؤساء ظلوا في الحكم سنوات طويلة. لكن تدخل دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الكويت والإمارات بتقديم الدعم المالي الهائل تم إجهاض هذه النسمة من ذلك الربيع التي مرت على أراضي سلطنة عمان.
أما البحرين، والتي شهدت مظاهرات ضخمة وكبيرة تطالب بملكية دستورية، نجت أيضا من الربيع العربي، لأسباب كثيرة منها المحلي والداخلي. إن غلبة الصبغة الطائفية على المتظاهرين وطبيعة المطالب قلل من حجم التعاطف معها داخليا. حيث برز شيعة البحرين وهم يناضلون ضد نظام الحكم الملكي للسنة هناك، دون غيرهم، مما أعطى انطباعا بأنها ثورة مذهبية تغذيها غيران الشيعية التي ينظر إليها على أنها طامعة في الخليج. كما أن إصرار دول مجلس التعاون الخليجي على قمع أي بادرة لأي تغيير في هذه المنطقة، دفع قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية إلى التدخل وقمع هذه المظاهرات بدعوة من المنامة. كما أن خشية القوى الغربية من قيام نظام شيعي موال لإيران، دفعها إلى غض الطرف عما يحدث بحق المتظاهرين من انتهاكات، خاصة أن تدخل الغرب في العراق سمح لها بالتحول إلى نظام أكثر موالاة لطهران، وهو ما لا ترغب فيه الدول الكبرى أبدا. بينما نجت دول ثالثة من تأثيرات هذا الربيع السياسي بفضل طبيعة العوامل الداخلية والخارجية التي لعبت لصالحها مثل السودان. وربما تضافرت الأوضاع السياسية داخل هذا البلد كحصانة له من هذا الربيع. فبعد سنوات طويلة من الاقتتال مع أكثر من فريق داخل البلاد في الجنوب وفي دارفور وغيرها، وبالرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لم يعد الشعب يريد أن يسمع بكلمة اقتتال أو نزاع، بعدما أضنته سنين الحرب الأهلية الطويلة مع الجنوب وأدّت في نهاية المطاف إلى انسلاخ ثلث البلاد وولادة كيان جديد لا يبدو أن المستقبل معه سيكون ودياً. وثاني العوامل مرتبط بواقع المعارضة في السودان، فالمعارضة مصابة منذ سنوات بحالة من الوهن، وبعض أقطابها تلاحقهم تهمة الانتماء إلى «معارضة تقليدية للنظام» تبقى قدرتها على تحريك الشارع شبه معدومة في ظل هذه الظروف الراهنة، وتتطلب حدثاً استثنائياً يكون قادراً على توحيد مختلف أطياف الشعب خلفه، ولا سيما بعدما تمكن النظام، بفعل سياساته على مر السنين التي تلت انقلاب 1989، من ضرب الهيئات النقابية والطلابية التي كانت لها الكلمة الفصل في العديد من الأحداث في السودان على مرّ تاريخه. أيضا التبدلات الحاصلة في المنطقة العربية ونجاحات الحركات الإسلامية في الانتخابات المتوالية في الدول التي شهدت نجاح حركاتها الاحتجاجية، وبالتالي فإن المد الإسلامي إن كان في نظر بعض الأنظمة العربية يشكل عوامل خوف لها، فهو عامل اطمئنان لنظام الإنقاذ الإسلامي الهوى. أيضا تخلصت الخرطوم من خصميها، اللذين كانا قادرين على زعزعة استقرار البلاد مبارك والقذافي. يضاف إلى ذلك كله أن القوى الكبرى لا ترغب في وصول الربيع إلى الخرطوم. فبعد انفصال جنوب السودان عن السودان في بداية هذا السنة، أعلن برنستون ليمان مبعوث الرئيس باراك أوباما إلى السودان، أن الحكومة الأمريكية حريصة على تحسين علاقتها مع الخرطوم، وإنها تفضل إصلاحات ديمقراطية دستورية في السودان، وليس إسقاط النظام، ولا حتى تغييره. وعن احتمال انتقال ربيع العرب إلى السودان، قال ليمان: «بصراحة، ليس هذا جزءا من أجندتنا».
ليبيا.. سيناريوهات مخيفة وخريطة سياسية معقدة
سيدة ليبية تحتفل بإسقاط نظام «القذافي»
يطل عام 2012 على ليبيا الجديدة ولا تزال ساحتها السياسية يتجاذبها الغموض والالتباس فى تحديد مسارات خريطتها السياسية عقب سقوط الرئيس الراحل معمر القذافى منذ شهور، ومن الواضح ان تغيير الخريطة السياسية الليبية سيمر بعدة منحنيات أخطرها اندلاع العنف القبلى مما يحولها لساحة حرب أهلية وسط مخاوف من تقسيم ليبيا وهو ما ذهب اليه الكثير من المحللين.
وهذا الاحتمال ربما مستبعد فى الوقت الراهن وغير مرحب به لدى جميع الليبين تقريبا إلا انه في حال تردي الأوضاع قد يكون المخرج من تلك الازمة إما بالتقسيم أو بخيار ربما يعد اخف ضررا وهو اتخاذ نظام اتحادي له عاصمة واقاليم ومحافظات لا مركزية وادارات محلية.
ويبدو ان هذا الاحتمال قد يعتمد على التقسيم السابق لليبيا اثناء حكم العثمانيين حيث كانت تنقسم الى ثلاثة أقاليم هي: برق (الشرق)-طرابلس (الغرب)-فزان (الجنوب).ومن خلال تعداد سكان ليبيا عام 2006,كان 5,657,692 نسمة ويمكن توزيعها على النحو التالي:
- المنطقة الشرقية 28.52%
- منطقة جبل نفوسة 7%
- منطقة فزان 7.81%
- المنطقة الغربية بما فيها مصراتة 55.22%
وسيواجه تطبيق هذا الاحتمال سواء بالتقسيم أو الفيدرالية عدة عقبات ومشكلات تتمثل في التفاوت الكبير لأعداد السكان من إقليم الى آخر, وصعوبة تحديد حدود تلك الأقاليم نتيجة للزيادة السكانية وللتوسع الإسكاني الامر الذي ربما غير الديمغرافية لها حيث ليس هناك حدود ثابة وواضحة بينها, بالاضافة الى الصراعات التي قد تنشأ حول مصادر المياه والبترول بينها كما حصل في العراق حول مدينة كركوك النفطية.
وتستدعى الحالة الليبية ما حدث فى العراق وهما حالتان متطابقتان الى حد كبير. وشهد البلدان عمليات انتقالية عنيفة للتخلص من النظام الديكتاتوري في السنوات الأخيرة، وحتى الفيديو المروع الذي يُظهر مقتل معمر القذافي والذي انتشر على الإنترنت يقابله الفيديو الذي صور اللحظات الأخيرة من حياة صدام حسين في ديسمبر 2006، الا أن إعدام صدام جاء بحكم أصدرته المحكمة بغض النظر عن ظروف وجودها تحت الاحتلال، أما نهاية القذافي فحدثث على يد عصابة من الثوار الغاضبين، وعلى غرار ما حدث من اضطرابات انتشرت في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، ربما يتكرر نفس السيناريو العراقى في ليبيا وبالاضافة الى عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس رئيس هيئة أركان الثوار الليبيين على أيدى شركاء فى المجلس الانتقالى الليبى!!
ووسط ذلك تعلو الأصوات من وقت لآخر تطالب بعودة ليبيا دولة ملكية دستورية بل هناك من طالب بعودة الأمير محمد حسن السنوسي وريث الاسرة الملكية السابقة وتسليمه الحكم على اعتبار ان السنوسيين رمز للوحدة ويبدو ان الدليل على ولاء أغلب الليبيين للاسرة السنوسية وبالاخص في المنطقة الشرقية انهم قاموا برفع علم الاستقلال علم المملكة السابقة.
وتدفع الانقسامات داخل المجلس الانتقالى الحاكم الآن بالسيناريو الاسوأ وهو التنافس الدموى والقبلى على السلطة التى لم تتشكل بعد. لقد ظهرت الخلافات وبدت تتصاعد حول مسمى الدولة الجديدة هل هى الجمهورية الليبية العربية ام الجمهورية الليبية فقط وهذا يستدعى حالة الصراع حول هوية الدولة.
وعلى جانب آخر ووسط التناحر القبلى فانه تطفو على الساحة الليبية مطالب عرقية امازيغية بدت تلوح فى الافق ويسعى هذا الفصيل الى الحشد الاقليمى والدولى للحصول على اعتراف بقوميتهم وثقافتهم مما يخشى المطالبة بحق تقرير مصيرهم فى النهاية. وسيفتح ذلك الباب امام تدخل خارجى وللاسف سيكون مبررا وسيكون حلا» شرعيا» لاستمرار بقاء الناتو على الأراضى الليبية الغنية بالنفط وستدخل الولايات المتحدة وبقوة على الخط والعائدة من الوحل العراقى لحالة عربية ثانية وستكون ليبيا ورقة انتخابية رابحة ربما تنقذ مستقبل الرئيس الأمريكى باراك أوباما. ووسط تلك الأجواء ومع وجود القوات الدولية لحلف الاطلنطى الذى سيمدد وجود بحجة بسط الاستقرار وتأهيل الليبيين ومساعدتهم فى إقامة الدولة الجديدة تظل ليبيا بثرواتها مطمعا دوليا وكعكة يتقاسمها الحلفاء وستغرى الثروات الغرب بقيادة الولايات المتحدة الجميع من خلال دعم ليبيا فى مرحلتها الانتقالية وهذا ما ظهر جليا من الإفراج عن ملايين الدولارات التى كانت مجمدة ايام النظام السابق ولن يتبقى للعرب فى معركة الإعمار إلا «الفتات». ففى ظل انشغال مصر بمرحلتها الانتقالية بمشاكلها المعقدة مع وضع الخليج المضطرب سياسيا تاثرا بالثورات العربية يبقى المناخ مفتوحا ومهيأ أمام القوى الأخرى.
وهذا ما يفسر تداخل القوى والأطراف الدولية فى رسم خريطة ليبيا المستقبلية بحثا عن» الثمن» لمساعدة الليبيين فى التخلص من نظام العقيد وبالتالى عين الولايات المتحدة والغرب على النفط الليبى خاصة فى ظل انتهاء الاحتلال الأمريكى من العراق مؤخرا. ويبقى أما م الليبيين تحدان كبيران لا ثالث لهما تحقيق الوفاق الوطنى وتكوين سلطة منتخبة ديمقراطيا وبشكل يمثل جميع الوان الطيف السياسى ويؤسس لوحدة وطنية حقيقية،ومواجهة الأطماع الدولية فى ثروات بلادهم وإلاتحولت الثورة لخريف مدمر تمتد آثاره لمصر ولشمال المغرب العربى ايضا.
سوريا.. سياسة القتل..عرض مستمر
أزمة تتفاقم..قتلي يتساقطون.. ثوار لا يكلون ولا يملون، ونظام قمعى لايتردد فى توجيه فوهات مدافعه الى صدور من قالوا «لا» من أجل الحرية. والمشهد السورى الآن أقرب الى المأساوية والقتامة منه الى الانفراج. ففى محاولة يائسة وبائسة لوقف عمليات القتل والقمع التى أصبحت ممارسة يومية لرجال الأمن والجيش وشبيحة الرئيس السوري بشار الأسد ضد المتظاهرين السلميين، ذهبت لجنة عربية لمراقبة الأوضاع على ارض الواقع ومحاولة كتابة تقارير حول حقيقة ما يحدث، ولكن على ما يبدو أن البعثة العربية الموفدة من الجامعة العربية إلى سوريا، لم ترق الى مستوى المسئولية مما أدى الى توجيه المعارضة السورية انتقادات حادة لها وهو ما عبر عنه المرصد السوري لحقوق الإنسان بإبداء تخوفه من تحول لجنة المراقبين العرب التي تزور سوريا إلى لجنة شهود زور لما يجري في سوريا. ويطالب رئيس البعثة العربية بمنح فريقه مزيدا من الوقت ، فى الوقت الذى أورد ناشطون معلومات بقيام قوات الأمن بقتل 28 شخصا في عدد من المدن السورية. وعلى ما يبدو ان مسلسل القتل اليومى مازال حصريا وفى عرض مستمر فقد أظهرت صور بثها الناشطون على مواقع الثورة السورية على الإنترنت خروج أهالي مدينة حماة في مظاهرة مسائية نصرة لأهالي حمص. وقال المتظاهرون إنهم عازمون على العودة إلى التظاهر في ساحة العاصي وسط حماة رغم فرض عناصر الأمن طوقا أمنيا حول الساحة، وإطلاقهم النار على كل من يحاول الوصول إليها. على صعيد آخر دبت حالة من الانقسام الحاد بين روسيا والدول الغربية الأعضاء بمجلس الأمن حول مشروع قرار مقترح بشأن الأزمة السورية. واتسع الخلاف بين الجانبين على خلفية اقتراح إدراج عناصر جديدة على مشروع القرار للمرة الأولى تتضمن فرض عقوبات وذلك لتعكس تشدد موقف دمشق وتدهور الوضع في البلاد. ولكن مشروع القرار الذى أدخلت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والبرتغال والولايات المتحدة تعديلات عليه، فرض حظرا على تصدير السلاح وحظرا جوياً على السفر من سوريا واليها وحظر المعاملات التجارية الحكومية مع البلاد باستثناء السلع الاستراتيجية التي تؤثر على الشعب السوري وهو ما اعترضت عليه روسيا الحليف الابرز لدمشق.الامر الذى دفع السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي الى تبنى مشروع «تشكيل لجنة تحقيق دولية سريعا» حتى تحقق بشكل فوري في التقارير المتعلقة بانتهاك القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في سوريا من جانب جميع الأطراف التي يطالبها بالتعاون بشكل كامل مع تلك اللجنة. ومن جانبها تخشى قيادة المجلس الوطني السوري من التصريحات الحذرة والمتحفظة لرئيس بعثة المراقبين العرب، الفريق أول محمد أحمد الدابي الضابط السوداني المتقاعد والذى بدا بالنسبة لهم مثيرا للجدل، بسبب ورود اسمه سابقاً في لوائح الاتهام لدى المحكمة الجنائية الدولية. وهو ما دفع رئيس المجلس الوطني برهان غليون للدعوة إلى اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي والهيئة العامة للمجلس لتقييم أداء بعثة المراقبين العرب والتصريحات الصادرة عن رئيسها، لاسيما عندما وصف حال «حمص المنكوبة» بأنها «ليست سيئة». واتهمت مراجعة مسئولة في المجلس الوطني جامعة الدول العربية بالانحياز للنظام السوري، وتورد هذه القيادات مثالاً أنهم لم يستشاروا في اختيار البعثة ورئيسها وأنهم علموا بتركيبة وفد المرافقين من وسائل الإعلام، وبالتالى يكون الامر مبررا عندما يصل الأمر بمعارضين قياديين سوريين إلى حد اتهام الجامعة العربية واللجنة العربية الخاصة بمساعدة النظام في امتصاص الغضب الدولي. لان ذلك من وجهة نظرهم أثر سلباً على دور أكثر حزماً لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن، وكذلك أدت إلى إبطاء الدور التركي الى حد كبير. وبدائل وتهديدات أخرى لوحت بها المعارضة السورية كشفها بعض قادة المجلس بوجود بدائل فعالة إذا ما استمر الموقف العربي على ما هو عليه الآن، قد تصل حد مقاطعة شعبية كاملة للمراقبين، والطلب من الجامعة إما العودة الى المبادرة والعقوبات العربية، أو إنهاء دورها برفع الملف الى مجلس الأمن الدولي. إذن الملاذ الاخير الآن امام ثوار سوريا هو الضغط فى سبيل إحالة الملف السورى الى مجلس الامن رغم مساعي الجامعة العربية لنزع فتيل الازمة.
تونس.. انتقال مثالي للسلطة في «أم الربيع العربي»
محمد بوعزيزي الذي أشعل ثورة الياسمين بإحراقه لنفسه في تونس
تونس هي شعلة البدء في ثورات الربيع العربي، واستطاعت مؤخرا أن تتجاوز مرحلة الثورة على النظام القديم الذي كان يقوده الهارب زين العابدين بن علي، وتمكنت من البدء في المرحلة الانتقالية بعد أن تولى المنصف المرزوقي منصب الرئيس بعد أن كان في المنفى ومن ثم استلم حمادي الجبالي مهامه في منصب رئيس الوزراء. وتمثل تونس الآن المثال الأفضل لصعود الإسلاميين إلى السلطة هناك، حيث من المنتظر أن تكون الحالة المثالية المعبرة عن نضج الإسلام السياسي فالتيار الإسلامي هناك لم ينفرد بالسلطة بالرغم من نجاح تيار النهضة الإسلامي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة هناك ولم تغرهم السلطة فتفكيرهم أقرب إلى الليبرالية. ويقول العديد من المحللين أن مستقبل تونس بعد بدء المرحلة الانتقالية سيكون كبيراً وستشهد تلك الدولة العديد من النجاحات المتتالية، ولكن لن تكون في القريب العاجل فعلى الأقل سيمر عام 2012 بعتباره المرحلة الانتقالية الحقيقية لمستقبل تونس الأفضل. ومع العلم أن تصفية النظام السابق لم تكتمل ولكن هي قادرة أن تتعامل مع البقية الباقية منه في ظل تماسك واحتواء التيار الإسلامي لكل التيارات الأخرى في النظام الجديد. والتحدي الصعب المطروح اليوم على الحكومة التونسية الجديدة هو التوفيق بين مطلب التجديد الجذري بالقطيعة مع نمط السلطة الذي ثار الشعب التونسي عليه والحفاظ على تركة ومكاسب الدولة الحديثة التي بناها زعيم الاستقلال الحبيب بورقيبة على دعائم ثلاثة هي:النظام التربوي الرصين الانتقائي، وتحرير المرأة، وتهيئة البنية التحتية لجلب الاستثمار الخارجي في إطار اقتصاد ليبرالي مفتوح على أوروبا. وتعيش تونس الآن أزمة اقتصادية صعبة موروثة عن العهد السابق والمتفاقمة من جراء تراجع الحركة السياحية وتأثيرات الأزمة المالية العالمية، يبدو أن الأوراق المتاحة لحكام تونس الجدد محدودة فإن تونس لا يمكن أن تعول على موارد مادية استثنائية، وليس لديها إلا ثروتها البشرية وكفاءاتها العالية التي على حركة «النهضة» أن تعرف كيف تكسب ثقتها وتستميلها في إنجاز مشروعها الطموح الذي يتمحور حول السياسات الاجتماعية العاجلة مثل تشغيل وتنمية المناطق المحرومة والمهمشة وتوفير الخدمات الضرورية لعموم السكان بأسعار معقولة. أما المناخ الاجتماعي فهو شديد الاحتقان وقابل للانفجار في أي لحظة، كما أن علاقة الائتلاف الحكومي الجديد بالمركزية النقابية يشوبها التحفظ. ومن ثم فإن الخشية قائمة من تصادم الشرعية المؤسسية المستمدة من المنافسة الانتخابية وشرعية الحركة الاحتجاجية المستمدة من زخم الثورة، بحيث تصبح حركة النهضة وحلفاؤها في مواجهة مفتوحة مع الشارع المتلهف للتغيير السريع والحلول العاجلة.
ومن المتوقع أن تحقق الحكومة التونسية الجديدة نجاحا خلال الفترة القادمة بالرغم من التشكيك في قدرتها حيث إن أغلب عناصر الحكومة التونسية الجديدة غريبة على مراكز القرار والسلطة، وأبرز رموزها خرجت من سجون بن علي أو من المنافي الأوروبية، بدءاً من رئيس الحكومة «حمادي الجبالي» ووزير الداخلية «علي العريض» ووزير التعليم العالي «المنصف بن سالم» الذين قضوا قرابة عقدين كاملين في غياهب المعتقلات. وعلى مستوى المرأة فمن تحليل خطاب القادة الجدد في تونس فإن أحوال المرأة ستكون جيدة وتستمتع بقدر كبير من الحرية، وذلك على الرغم من أن العديد من التيارات هناك تقول إن منظومة المرأة سوف تنهار بسبب سيطرة الإسلاميين على الحكم. وقال المرزوقي في خطاب له إن النظام الجديد مطالب بحماية المنتقبات والمحجبات والسافرات، أما زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي فقد أكد أن قانون الأحوال الشخصية الذي يمنع تعدد الزوجات يعتبر شكلا من اشكال الاجتهاد في الإسلام. ولابد للحكومة الجديدة من بلورة استراتيجية شاملة ومتسقة، واعتماد خطاب ذي صدقية، ووضع أهداف محددة وجدول زمني لبلوغها. ولمواجهة التحديات الكبرى في البلاد، يجب أن تولي هذه الاستراتيجية اهتماماً خاصاً لأربع ركائز أساسية: أولاً، إيجاد فرص عمل لائق من طريق حفز قطاع خاصاً قوياً وتنافسياً. ثانياً، يتعين على صناع القرار توجيه الموارد نحو قطاعات مختارة تتميز بقيمة مضافة مرتفعة ومعرفة مكثفة. ثالثاً، على المسئولين عن المالية العامة إزالة التشوهات وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال التقاسم العادل للعبء الضريبي والإنفاق الاجتماعي الأكثر فاعلية. رابعاً، صناع القرار في حاجة إلى بلورة استراتيجية شاملة للتنمية المناطقية تؤمن لمحافظات البلاد والمجالس المحلية أطراً لسياسة عملية، وموارد بشرية ومالية كافية للتعامل مع المسئوليات المخولة لهم من قبل الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.