لا يسكن جميع فقراء العالم بيوت الصفيح , لكن الصفيح بات رمزاً لمعاناتهم وسوء ظروفهم المعيشية وعنواناً يشير لمعاناتهم وعذاباتهم المتسبب فيها عدوّان: العدو الأول هم مليارديرات العالم الجشعون القابضون على صناعات وتجارة العالم الكبرى بما فيها التجارة في البغاء والمخدرات والسلاح المحرمة دوليا وإنسانيا . والمليارديرات هم الصانعون لرؤساء الغرب ولأصحاب المراكز الرفيعة فيه على المستوين الاقتصادي والسياسي . والعدو الثاني هي الطبيعة التي تفرض شروطها المناخية وتفاعلاتها التلقائية على جميع أبناء آدم فينجح أصحاب المال والنفوذ في استيعابها والسيطرة عليها ويتحول المعدمون والفقراء لانعدام الإمكانيات والوسائل لضحايا لها . أنتج نهج الاستبداد العالمي أنظمة رأسمالية استبدادية احتكارية تتستر بالرداء الديمقراطي , نشاهدها في الغرب عموما وفي دول صناعية آسيوية تدور في فلكه وتأخذ بنهجه الرأسمالي المتوحش . كما أنتج هذا النهج أنظمة العالم الثالث الاستبدادية التسلطية التي ليس لديها ما تستر فيه عوراتها لأنها تفتقر حتى للديمقراطية الشكلية المزيفة.
ثارت "مدن الصفيح" في فرنسا عام 1789 وفي روسيا عام 1917 وفي إيران المسلمة عام 1979 فأسقطت طغاة مستبدين وغيرت مجرى التاريخ , وفي العام 2011, أي بعد انقضاء ثلاثون عاما على آخر الثورات العالمية ثارت "مدن الصفيح" في العالم العربي فأسقطت رؤوس الأنظمة الاستبدادية في ثلاثة من دوله , ولا يبدو أن ثورتها سوف تهدأ حتى تسقط بقية الرؤوس المستبدة . والإطاحة بالرؤوس الكبيرة ليست إلا مرحلة أولى سوف يتلوها عملية بناء الدول المدنية العادلة والمالكة لقرارها الوطني المستقل .
في مصر وتونس وفي دول عربية عديدة أخرى , استبدل الفقراء والمهمشون الثائرون الإقامة في بيوت الصفيح والعشوائيات بالإقامة في شوارع وميادين مدنهم وبلداتهم وبخيام شبه ثابتة نصبوها فيها .
وفي أميركا شاهدنا ثورة على الرأسمالية المتوحشة احتل من خلالها الفقراء الغاضبون والمنسيون شارع المال الأول في أميركا , شارع وول ستريت في نيويورك , ونصبوا خياما فيه وما لبثت حركتهم الثورية أن انتقلت لمئات المدن الأميركية والأوروبية رافعين شعارا عالميا بامتياز , وعلت أصواتهم لتنادي وتقول: "يا فقراء العالم اتحدوا" , ويمثل هذا الشعار تعبيرا ثوريا بالغ القوة والتأثير وأراه جامعا لجميع الشعارات والأهداف التي يتبناها جميع فقراء ومعدمي العالم وعلى رأسهم فقراء العرب .
فتحت حادثة 11 سبتمبر المأساوية الباب على مصراعيه , لإنتاج أشكال جديدة من قوانين الطوارئ في دول الغرب ولابتداع مفاهيم العولمة والخصخصة , وأتاحت الحادثة الفرصة لمصاصي دماء الشعوب من مليارديرات العالم بإشغال ستة مليارات من سكان الأرض في ما أسموه "الحرب على الإرهاب", لكي يتفرغ هؤلاء الحيتان للسيطرة المطلقة على الاقتصاد العالمي من أجل مسخه وتحويله لاقتصاد استهلاكي لا مكان فيه لأية قيم أخلاقية وإنسانية , أي أنهم نجحوا بإرساء القيم المادية الصرفة القائمة على الاحتكار والربح الفاحش والاستهلاك النهم من أجل أن يحولوا مئات الملايين من البشر إلى كائنات حية مستهلكة وفاقدة للرؤية , تسير خلف وسائل الإعلام العملاقة المملوكة لأباطرة المال , وبهذه الطريقة يتاح فقط للمحظوظ من سكان العالم أن يأكل ويشرب ويلهو كما يشاء .
لم تعد شعوبنا المظلومة والمقهورة تناضل وحدها في الميدان الكوني , فها هي كافة الشعوب الشرقية والغربية تنزل في ميادينها مطالبة بالإنصاف وبالتحرر من قبضة كبار رأسماليي العالم المستكبرين .
العالم يتغير ونحن فقراء العرب المظلومون , وما أنا إلا أحدهم , لنا أن ندّعي أن مقولة: "الشعب يريد" , التي أطلقتها مع بداية هذا العام حناجر الملايين منا , لها الفضل الأول في هذا التحول الثوري التحرري الذي انطلقت صيحاته لتدوي في الجهات الأربع من كوكب الأرض.