إلى أى مدى نجحت برامج صندوق النقد؟!    جالانت: رفض حماس لأي اتفاق يسمح بعودة الرهائن سيجبرنا على بدء عملية عسكرية في رفح    توقف خط نقل الكهرباء بين السويد وليتوانيا عن العمل    الأهلي يعلن تشخيص إصابة السولية    جدول ترتيب الدوري المصري قبل مباراة بيراميدز ضد فيوتشر    كلوب عن صلاح عندما تألق    محافظ الدقهلية يحيل 358 محضرا حررتها الرقابة علي الأسواق علي الأسواق للنيابة العامة    برعاية الاتحاد العربي للإعلام السياحي.. انطلاق سوق السفر العربي في دبي وحضور غير مسبوق| صور    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    ارتفاع عدد ق.تلى الفيضانات في البرازيل إلى 60 شخصا .. شاهد    أمير قطر ورئيس وزراء إسبانيا يبحثان هاتفيًا الاجتياح الإسرائيلي المرتقب لرفح    "اقفلوا الموبايل".. تنبيه عاجل من التعليم للطلاب قبل بدء امتحانات الترم الثاني    استعدادا لفصل الصيف.. السكرتير العام المساعد بأسوان يتابع مشروعات مياه الشرب والصرف    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    الدوري الإماراتي، العين يتقدم على خورفكان بهدف نظيف بالشوط الأول (فيديو وصور)    محافظ مطروح: "أهل مصر" فرصة للتعرف على الثقافات المختلفة للمحافظات الحدودية    محافظ المنيا يوجه بتنظيم حملات لتطهير الترع والمجارى المائية بالمراكز    هلال "ذو القعدة" يحدد إجازة عيد الأضحى|9 أيام رسميا من هذا الوقت    متضيعش فلوسك.. اشتري أفضل هاتف رائد من Oppo بربع سعر iPhone    وزير النقل يتابع إجراءات الأمن والسلامة للمراكب النيلية خلال احتفالات شم النسيم    "سلملي على حبيبي".. شهيرة تنعى شقيق محمود ياسين    في ذكرى ميلادها.. كيف تحدثت ماجدة الصباحي عن يسرا وإلهام شاهين؟    المخرج فراس نعنع عضوًا بلجنة تحكيم مهرجان بردية لسينما الومضة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    كيفية قضاء الصلوات الفائتة.. الأزهر للفتوى الإلكترونية يكشف عن أفضل طريقة    خطأ شائع في تحضير الفسيخ يهدد حياتك- طبيب تغذية يحذر    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    ‫ إزالة الإعلانات المخالفة في حملات بمدينتي دمياط الجديدة والعاشر من رمضان    «الكحول حلال في هذه الحالة».. أمين عام رابطة العالم الإسلامي يثير الجدل (فيديو)    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    أبرزهم «السندريلا» وفريد الأطرش .. كيف احتفل نجوم الزمن الجميل بعيد الربيع؟ (تقرير)    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    مصرع شخصين وإصابة 3 في حادث سيارة ملاكي ودراجة نارية بالوادي الجديد    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    بعد إصابته بالسرطان.. نانسي عجرم توجه رسالة ل محمد عبده    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    كتلة الحوار: استقرار الوضع الامني بسيناء شاهد على صلابة جيش مصر وتعاون قبائل سيناء فى إطار الأمن القومى الشامل    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    غدا.. إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    وفد جامعة بيتاجورسك الروسية يزور مطرانية أسيوط للاحتفال بعيد القيامة    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الهجرة النبوية".. حياة جديدة من أجل الإسلام
نشر في الشعب يوم 14 - 10 - 2015

بعد أن نجحت بيعة العقبة الثانية، وأصبح الأنصار يُمَثِّلون عددًا لا بأس به في يثرب، وَقبِلوا أن يستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحموه مما يحمون منه نساءهم وأبناءهم وأموالهم، بعد كل هذه الأمور العظيمة التي حدثت في فترة وجيزة جدًّا، جاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن له بالهجرة إلى يثرب.
ضرورة الهجرة
وكان "الإذن" بهجرة المؤمنين -غير رسول الله صلى الله عليه وسلم- قد جاء من الله قُبيل بيعة العقبة الثانية، أمَّا الآن فصارت الهجرة "لِزامًا" على كلِّ المستطيعين من المسلمين وبسرعة؛ يشمل هذا الضعفاء والأقوياء، والفقراء والأغنياء، والرجال والنساء، والأحرار والعبيد، فالمشروع الكبير -مشروع بناء الدولة الإسلامية- يحتاج إلى كل طاقات المسلمين، ولا يُسمح لمسلم أو مسلمة بالقعود عن المشاركة في بناء هذا الصرح العظيم؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كثيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 97-100].
ولم تكن الهجرة أمرًا سهلاً ميسورًا؛ فالهجرة كانت تعني ترك الديار، والأموال، والأعمال، والذكريات، وكانت تعني الذهاب إلى حياة جديدة يعلم الجميع أنها ستكون شاقَّة؛ بل كانت تعني الذهاب إلى المجهول؛ فالدولة الناشئة قد تتعرَّض لحرب هائلة شاملة، يشترك فيها كل المشركين في جزيرة العرب؛ بل قد تُشارك فيها جنود الأرض كلها، وهي الحرب التي صوَّرها الصحابي الجليل العباس بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه على أنها الحرب للأحمر والأسود من الناس.
هذه هي الهجرة.. ليست هروبًا ولا فِرارًا؛ بل كانت استعدادًا ليوم عظيم، أو لأيام عظيمة؛ لذلك عظَّم الله جدًّا من أجر المهاجرين؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج: 58، 59].
أول من قدم المدينة من الصحابة
صدر الأمر النبوي لجميع المسلمين القادرين على الهجرة أن يهاجروا؛ لكن لم يبدأ هو صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلا بعد أن هاجر الجميع إلى المدينة، فلم يكن من همِّه صلى الله عليه وسلم أن ينجو بنفسه أولاً، أو أن يُؤَمِّنَ حاله، أو أن يُحافظ على أمواله، إنما كان كلُّ همِّه صلى الله عليه وسلم أن يطمئنَّ على حال المسلمين المهاجرين، فكان يتصرَّف كالرُّبَّان الذي لا يترك سفينته إلا بعد اطمئنانه على أمن كل الركاب؛ فالقيادة ليست نوعًا من الترف أو الرفاهية، إنما هي مسئولية وتضحية وأمانة.
قال الْبَرَاء رضي الله عنه وهو يصف تتابع قدوم المهاجرين: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَبِلاَلٌ رضي الله عنهما .
وفي رواية قَالَ رضي الله عنه: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرسول الله صلى الله عليه وسلم، حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ .
الاهتمام بمسألة النية
ونستطيع أن نلاحظ ملامح مهمَّة لهجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وكان أبرز هذه الملامح الاهتمام بمسألة النِّيَّة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" .
ومع أن الهجرة للزواج ليست محرَّمة، ومع أن الهجرة لإصابة الدنيا الحلال ليست محرَّمة كذلك؛ لكنها ليست كالهجرة لبناء أُمَّة إسلامية، فهيهات أن يكون الذي ترك كل ما يملك ابتغاء مرضات الله وسعيًا لإنشاء أُمَّة إسلامية، ورغبةً في تطبيق شرع الله تعالى في الأرض، كالذي عاش لحياته فقط، وإن كانت حياتُه حلالاً!
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئًا فَهُوَ لَهُ". ثم قَالَ: "هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ، وَكَانَ يُسَمَّى مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ".
وليس هناك سند صحيح يُؤَكِّد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد هذه القصة تحديدًا عندما تحدَّث عن هجرة رجل إلى امرأة ينكحها، ولا نعرف كذلك على وجه التحديد مَنْ هو الصحابي الذي فعل ذلك؛ لكن المعنى صار واضحًا؛ لأن قصة مهاجر أم قيس ثابتة وإن لم نعرف صاحبها، فبدا بجلاء أن النِّيَّة تُغَيِّر من ثواب العمل وقبوله، وليس المهاجر لله ورسوله صلى الله عليه وسلم كالمهاجر لأي شيء آخر.
شمول الهجرة
ومن الملامح المهمَّة كذلك في أمر هذه الهجرة الكاملة لكل المسلمين أنها لم تكن بهذا الشمول إلا بعد أن أُغلقت أبواب الدعوة تمامًا في مكة؛ فقد رأينا انغلاق هذه الأبواب تقريبًا منذ ثلاث سنوات؛ أي بعد موت أبي طالب وخديجة، ومنذ ذلك التاريخ والرسول صلى الله عليه وسلم يُخَطِّط للهجرة، وكان من الممكن أن يكون مكان الهجرة مختلفًا عن يثرب لو آمن وفد بني شيبان أو بني حنيفة أو بني عامر أو غيرهم؛ ولكن الله تعالى أراد أن تكون الهجرة إلى هذا المكان؛ لكن المهم هنا في هذه النقطة ملاحظة أن الهجرة لم تكن نوعًا من الكسل عن الدعوة في مكة، فلو كانت السبل للدعوة مفتوحة -ولو بصعوبة- لكان الأولى البقاء لأداء الواجب تجاه أهل البلد؛ ولكن هذا التوقُّف الكامل عن الدعوة كان هو السبب في البحث عن بديل عملي لنشر الدين.
الفرق بين الهجرة إلى المدينة والهجرة إلى الحبشة
ويمكن لنا أن نلاحظ فرقًا مهمًّا بين الهجرة إلى يثرب والهجرة إلى الحبشة؛ فالهجرة هنا كانت لجميع المسلمين على خلاف هجرة الحبشة، التي كانت لبعض الأفراد دون الآخرين، والسبب أن طبيعة المكان وظروفه تختلف من الحبشة إلى يثرب؛ فالمسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا يُريدون حفظ أنفسهم في مكان آمن حتى لا يُستأصل الإسلام بالكلية إذا تعرَّض المسلمون في مكة للإبادة، ولم يكن الغرض هو إقامة حكومة إسلامية في الحبشة؛ بل كان المسلمون مجرَّد لاجئين إلى ملك عادل، أمَّا الهجرة هنا فكان الغرض منها إقامة دولة إسلامية تكون يثرب هي المركز الرئيسي لها.
ولماذا تصلح يثرب لإقامة الدولة الإسلامية ولا تصلح الحبشة؟ إن هذا ليس راجعًا إلى عامل البعد عن مكة، أو اختلاف اللغة، أو اختلاف التقاليد فقط، وإن كانت هذه عوامل مهمَّة؛ ولكن الاختلاف الرئيسي-في نظري- هو أن الاعتماد في الحبشة كان على رجل واحد هو النجاشي الملك الذي لا يُظلم عنده أَحَدٌ، فإذا مات هذا الرجل أو خُلِع فإن المسلمين سيُصبحون في خطر عظيم، وقد كاد يحدث ذلك؛ وذلك عندما دارت حرب أهلية كاد النجاشي يفقد فيها ملكه، فما كان منه إلَّا أن يسَّر سبيل الهروب للمسلمين المهاجرين عنده؛ فقد كان لا يملك لهم شيئًا أكثر من ذلك. كان هذا هو الوضع في الحبشة، أمَّا في يثرب فالهجرة لم تكن تعتمد على رجل معين؛ بل تعتمد على شعب يثرب وجيشها، والجوُّ العام هناك صار محبًّا للإسلام، أو على الأقل أصبح قابلاً للفكرة الإسلامية؛ ومن ثَمَّ كانت الهجرة إلى هناك هجرة جماعية كاملة.
أن الهجرة لم تكن عشوائية
كما نلحظ -أيضًا- في هذه الهجرة الجديدة أنها لم تكن عشوائية؛ بل كانت -بأمر القيادة النبوية- إلى مكان محدَّد، وهذا الذي أدَّى إلى نجاح الفكرة، وقيام الأُمَّة، أمَّا أن يُهاجر فلان إلى مكان كذا، ويُهاجر آخر إلى مكان غيره، ويتفرَّق المسلمون، فهذا وإن كان يكتب نجاة مؤقَّتة للأفراد فإنه لا يُقيم دولة، وعلى المسلمين الفارِّين بدينهم من ظلم ما أن يفقهوا هذا الأمر جيدًا؛ فالهجرة النبوية إلى يثرب كانت هجرة منظَّمة مرتبة، أُعِدَّ لها بصبر وبحكمة، وبسياسة وفقه، والعشوائية ليست من أساليب التغيير في الإسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.