وكيل الرياضة بالدقهلية تعقد اجتماعا موسعا مع مديري الإدارات الداخلية والفرعية    «المركزي»: البنوك إجازة يومي الأحد والاثنين بمناسبة عيد العمال وشم النسيم    فى مواجهة التحديات    موعد صرف معاشات مايو 2024 بالزيادة الجديدة.. والاستعلام عن معاش تكافل وكرامة بالرقم القومي    السردية الفلسطينية!!    السفارة الروسية: الدبابات الأمريكية والغربية تتحول «كومة خردة» على أيدي مقاتلينا    رحيل كلوب.. الإدارة الجديدة.. والبحث عن تحدٍ مختلف    أنشيلوتي: ماضينا أمام البايرن جيد وقيمة ريال مدريد معروفة لدى الجميع    بسبب أولمبياد باريس.. مصر تشارك بمنتخب الناشئين في بطولة إفريقيا للسباحة للكبار    أمن المنافذ يضبط 19 قضية متنوعة و1948 مخالفة مرورية    حفل زفاف أسطورى    عبقرية شعب.. لماذا أصبح شم النسيم اليوم التالى لعيد القيامة؟    تعرف على أفضل الأدعية والأعمال المستحبة خلال شهر شوال    جامعة قناة السويس تُطلق قافلة طبية لحي الجناين بمحافظة السويس    أحلى فطائر تقدميها لأطفالك.. البريوش الطري محشي بالشكولاتة    الهند.. مخاوف من انهيار جليدي جراء هطول أمطار غزيرة    العرض العالمي الأول ل فيلم 1420 في مسابقة مهرجان أفلام السعودية    إيرادات الأحد.. فيلم شقو يتصدر شباك التذاكر ب807 آلاف جنيه.. وفاصل من اللحظات اللذيذة ثانيا    وكيل تعليم بني سويف يناقش الاستعداد لعقد امتحانات النقل والشهادة الإعدادية    الشيخ خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله    مصري بالكويت يعيد حقيبة بها مليون ونصف جنيه لصاحبها: «أمانة في رقبتي»    حجازي: نسعى للتوسع في «الرسمية الدولية» والتعليم الفني    ردود أفعال واسعة بعد فوزه بالبوكر العربية.. باسم خندقجي: حين تكسر الكتابة قيود الأسر    فرقة ثقافة المحمودية تقدم عرض بنت القمر بمسرح النادي الاجتماعي    بالتعاون مع المدارس.. ملتقى لتوظيف الخريجين ب تربية بنها في القليوبية (صور)    رئيس «هيئة ضمان جودة التعليم»: ثقافة الجودة ليست موجودة ونحتاج آلية لتحديث المناهج    انطلاق القافلة «السَّابعة» لبيت الزكاة والصدقات لإغاثة غزة تحت رعاية شيخ الأزهر    الاقتصاد العالمى.. و«شيخوخة» ألمانيا واليابان    إصابة شخص في تصادم سيارتين بطريق الفيوم    الإصابة قد تظهر بعد سنوات.. طبيب يكشف علاقة كورونا بالقاتل الثاني على مستوى العالم (فيديو)    بعد انفجار عبوة بطفل.. حكومة غزة: نحو 10% من القذائف والقنابل التي ألقتها إسرائيل على القطاع لم تنفجر    تأجيل نظر قضية محاكمة 35 متهما بقضية حادث انقلاب قطار طوخ بالقليوبية    زكاة القمح.. اعرف حكمها ومقدار النصاب فيها    تأجيل محاكمة مضيفة طيران تونسية قتلت ابنتها بالتجمع    لتطوير المترو.. «الوزير» يبحث إنشاء مصنعين في برج العرب    تردد قنوات الاطفال 2024.. "توم وجيري وكراميش وطيور الجنة وميكي"    وزيرة الصحة يبحث مع نظيرته القطرية الجهود المشتركة لدعم الأشقاء الفلسطنيين    تنظيم ندوة عن أحكام قانون العمل ب مطاحن الأصدقاء في أبنوب    النشرة الدينية .. أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة .. "خريجي الأزهر" و"مؤسسة أبو العينين" تكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    إيران: وفد كوري شمالي يزور طهران لحضور معرض تجاري    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    وزير التجارة : خطة لزيادة صادرات قطاع الرخام والجرانيت إلى مليار دولار سنوياً    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    رئيس جهاز حدائق العاصمة يتفقد وحدات "سكن لكل المصريين" ومشروعات المرافق    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    مصطفى مدبولي: مصر قدمت أكثر من 85% من المساعدات لقطاع غزة    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    تراجع أسعار الذهب عالميا وسط تبدد أمال خفض الفائدة    شبانة: لهذه الأسباب.. الزمالك يحتاج للتتويج بالكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزهر ما بين الفتنة الطائفية و"صكوك الغفران" الممسوسة علمانيا (22)
نشر في الشعب يوم 27 - 01 - 2007


بقلم:/ أ.د. يحيي هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
[email protected]


وهل يمكن مقاومة الاختراق الشيعي بغير إعادة بناء الأزهر قويا شامخا مستقلا محليا وعالميا
وإذا كان الأزهر حصن " السنة " تاريخيا في مواجهة " الشيعة " - وإنه لكذلك - فهل يدرى المخربون للأزهر من العلمانيين وأذيالهم وأشباههم من الأغبياء والوصوليين والمنتفعين والمستوزين لحساب من يعملون ؟؟!!

وهل يمكن أن نصدق أن من يسهم اليوم في تحطيم الأزهر أنه ضد اختراق الشيعة لمصر؟
وكيف لنا أن نصدق أن مشعلي أوار الفتنة الذين صحوا أخيرا على خطر الشيعة - وقد كان ومايزال خطرا تاريخيا - أنهم يفعلون ذلك انتصارا للسنة ؟؟ بينما حصن السنة بين أيديهم وهو الأزهر وهو من وقت طويل يتعرض بأيديهم للتدمير من ثلاثة اتجاهات : 1- من خلال جعله بوقا للسلطة العلمانية يتحرك أو يصمت بوحي منها ، ، و2- من خلال افتعال المعركة بينه وبين جماعات السنة الموالية له موضوعيا كالإخوان وما أشبه ، و3- من خلال تصفيته إجرائيا عن طريق القوانين وأن نصدق أن مشعلي أاالتنظيمات وتحطيم استقلاله وسلب أوقافه التاريخية

وهل يدري الغيورون على السنة أن جهادهم من أجلها إنما يتماهى في جوهره في جهادهم من أجل الإسلام وتحت رايته الصافية دون الانتكاس إلى الراية الطائفية ، أو اقتعال صياغات جدلية من نحو الوسطية والأزهرية والوهابية والسلفية والمصروية والتحريفية إلخ وهو – اي الإسلام - قريب بين أيديهم في أروقة البنية الأزهرية بدلا من إثارة الفتنة الطائفية في الوقت الخطأ
ولقد تم التسارع في تطوير الأزهر علمانيا من بعد في قانون تطوير الأزهر الذي أصدر عام 1961 في عرض مفاجئ في منتصف الليل في جلسة أخيرة من دورة أخيرة لمجلس الأمة ، في عهد شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت ، ثم مرة أخرى بالقانون الصادر عام 1998 في عهد شيخ الأزهر الشيخ محمد سيد طنطاوي .وفي أثناء ذلك كانت الأصوات العلمانية تتصاعد بين فينة وأخرى للإجهاز على ثنائية التعليم ، أو رباعيته في رأي الدكتور حامد عمار ، في رسالته إلى أحمد بهاء الدين .[1]، والمقصود التخلص من التعليم الديني بالأزهر .

ولابد هنا من إشارات سريعة إلى ما حصل أخيرا للتربية الإسلامية في المدارس العلمانية تحت نفس العنوان ، وما حصل من قبل من علمنة لجامعة الزيتونة بتونس ، وانتشار الجامعات الأمريكية في مختلف البلاد الإسلامية وهي معارك يربط بينها وبين ما يحدث للأزهر من حيث إنها تأتي من مصدر واحد هو العلمانية المنتشرة في الجسد العربي كأنه مرض الإيدز .
يقول المنصر جورج بيترز ( إنه لحقيقة تاريخية أن مئات المدارس القروية وعديد من الكليات قد فتحت الأبواب إلى عالم جديد لآلاف الناس ، ومكنتهم من قراءة الإنجيل ، والأدب النصراني ، وهذه الكليات التي كانت وما زالت مراكز لتأثير عظيم في الشرق الأوسط والأدنى هي كلية روبرت باستانبول ، والجامعة الأمريكية في بيروت ، والجامعة الأمريكية في القاهرة ) [2]، وقد تبع ذلك انتشار هذه الجامعات بكثافة شديدة في السنوات العشرة الأخيرة في مدن الخليج العربي
*****
وتقدم الأستاذة الدكتورة بنت الشاطئ النظرة التاريخية في دراستها القيمة المنشورة بجريدة الأهرام بتاريخ 421993 تحت عنوان " جيل الشتات الفكري والثقافي " : النهضة التعليمية في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر ..
ثم تقول ( وأقترب من مناخنا الفكري المعاصر فأراه قد استبدل الهيمنة الأمريكية على فكرنا وثقافتنا وتعليمنا بالغزو الفكري الأوربي المستعمر ، بعد أن أدى دوره في إعداد جيل الشتات المتنافر ، يتصدر منه لمراكز التوجيه الفكري ومنابر التنوير الثقافي - للمرحلة ما بين قيام دولة بني إسرائيل وهزيمة الخامس من يونيو 1967 – من برئوا من عقدة مقت آبائنا لفكر الفرنجة ورفضهم العنيد لأخلاقها وسلوكها ، ليبشروا فينا بتنوير عصري يتنكر لشخصية أمته ويزدري بداوة عربيتنا ، وتخلف شرقيتنا ، وبؤس تقاليدنا ، ويزهو بالانتماء إلى ثقافة الفرنجة ، والولاء لعالم جديد. )
ثم تتابع إعداد هذا الجيل من منتصف القرن التاسع عشر ( في حضانة الاستعمار الأوربي ، المسخر لتحقيق مآرب الصهيونية ، .. وكانت الأجيال من أبناء الأمة في المشرق والمغرب قبل ذلك يتعلمون في المدرسة الإسلامية على منهج واحد : كتابهم الأول القرآن ، يستفتحون به وعي إنسانيتهم الناطقة ، ويمنحهم من نوره أول زاد من المعرفة والسلوك ، وبعد حفظه يتعلمون مبادئ العربية والإسلام في كتب موحدة ، ثم يتجهون بعد هذه المرحلة الأساس إلى ماهم ميسرون له من تخصص فروع العلم وميادين العمل ، وكان اتصال الشرق الإسلامي بثقافة الغرب ومدنيته عن طريق بعثات من هؤلاء الطلاب الذين أتموا دراستهم في المدرسة الإسلامية الموحدة ، ورسخت جذورهم في بيئتهم الشرقية بما يحصنهم من التشويه والمسخ ) .

ثم تتحدث عن بداية النهضة في مصر بالذات فتقول : ( طلاب البعثات العلمية الأولى على عهد محمد علي في النصف الأول من القرن الماضي كانوا جميعا ممن تخرجوا في الأزهر الشريف ، وعادوا من أوربا جنودا في كتائب اليقظة ، لا مبشرين بالانسلاخ الفكري من قوميتنا والولاء للفرنجة ، ومنهم كان النظار والأساتذة بالمدارس العليا للألسن والطبوالصيدلة ، والهندسة ، والعلوم العسكرية ، والبحرية والزراعة والمساحة وسائر المدارس التي عمرت بها ديار مصر في الوجه البحري والصعيد ، وفي عهده أنشئت مطبعة بولاق ، وطبعت بها مترجمات العلوم )
ثم تبين كيف كان الأمر العالي الصادر بتشكيل المجلس العالي للتعليم في عهد محمد علي 1834 م يدخل في عضويته اثنان من علماء الأزهر يرشحهما شيخ الأزهر ، ثم تقول ( وانتصف القرن الماضي [ التاسع عشر ] وليس في مصر غير مدارسها القومية ، ومدرسة واحدة لأبناء الطائفة الأرمنية تابعة للبطريركية الأرثوذكسية وأربع مدارس لتعليم ذراري الجاليات الأوربية بالقاهرة والإسكندرية) .
ثم تابعت ما طرأ على الموقع التعليمي ابتداء من أيام سعيد باشا ( 1854) م بتأثير الإرساليات الأمريكية والإيطالية ، وأنشئت مدارس ملية منها " مدرسة تلمود " للطائفة الإسرائيلية بحارة اليهود بالقاهرة سنة 1861 م .
وفي عهد الخديوي إسماعيل ( 1863-1879) أنشئت اثنتا عشرة مدرسة أهلية في مقابل ثلاث وأربعين مدرسة أجنبية للبنين والبنات مفتوحة للمسلمين ، وفتحت أول مدرسة أجنبية بأسيوط للإرسالية الأمريكية ، ثم انتشرت في أنحاء القطر ، وفتحت أمام خريجيها الوظائف .
وفي السنة الثانية من حكم الخديوي توفيق ( 1879-1892 ) صدر أمره العالي بتشكيل (المجلس العالي بنظارة المعارف ) باشتراك عشرة من السادة الأجانب ، وفتحت في عهده تسع وثمانون مدرسة للإرساليات التبشيرية ، والبعثات العلمانية ، مقابل إحدى وثلاثين مدرسة أهلية ، وسجل الإحصاء لسنة 1884 أن نسبة التلاميذ المصريين في المدارس الأجنبية 52% ، ثم أدخل على المدارس الوطنية تعديلات :
ففي التعليم الابتدائي قضي بحذف حصص القرآن الكريم المقررة على السنتين الثالثة والرابعة ، وأن تكون دراسة مادة " الأشياء " باللغة الأجنبية ، وفي الجغرافيا : حصة بالعربية وحصةبالأجنبية . وفي المدارس الثانوية تقرر أن تعلم العلوم الجاري تدريسها بالعربية بلغات أجنبية ، ويناط تدريس اللغات الأجنبية بمدرس فرنسي أو إنجليزي !
أما عن الجامعة فتقول الدكتورة بنت الشاطئ ( .... حط الاستعمار بأشد وطأته على جامعتنا الحديثة ، فكانت للأجانب على عهدي بها – والكلام للدكتورة بنت الشاطئ – أكثر كراسي الأستاذية في كلية الحقوق التي يتخرج فيها رجال القضاء والسياسة والتشريع ، وكلية الآداب التي تدرس شخصية الأمة في لغتها وآدابها وتاريخها وفلسفتها وتراثها وآثارها ، وما تلقت وما تتلقى من روافد فكرية وثقافية شرقية وغربية قديمة وحدبثة .)
ثم تقول : ( وظاهرت هذا الغزو لحصوننا الفكرية مؤسسات ثقافية أجنبية كمؤسسة فرانكلين بأجهزة أعلامها المدربة وعصريتها الخلابة وخزائن مالها الغنية السخية ) .


وفي نهاية القرن العشرين وقبل نداءات أولى حروب القرن الواحد والعشرين كتب الأستاذ محمد عبد الرحمن طبل من رجال التعليم والتربية في مصر بمقاله بجريدة الشعب 721989 بعنوان ( عاجل جدا إلى السيد وزير التعليم ) يذكر ما حدث من تعديل استهدف حذف المادة الإسلامية والعربية في كل من كتاب القراءة للصف الأول ، ولم يقتصر الأمر على ما حذف من الكتاب ولكنه امتد لحذف جزء مما بقي فيه بما تقرر بنشرة الإدارة المركزية للتعليم الأساسي بعنوان ( موضوعات لا يمتحن فيها التلاميذ من كتب القراءة بالحلقة الابتدائية ) وكلها آيات قرآنية إلخ ما جاء بالمقال من قائمة تفصيلية.

وكتب الأستاذ عبد المنعم سليم جبارة بجريدة الشعب بتاريخ 1711989 يقول : ( يتردد على ساحتنا التربوية المصرية إجراءات لتنقية كتب اللغة العربية من الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ... وإذا كانت قد اتخذت إجراءات لإقصاء الملامح الإسلامية عن كتب التاريخ بحجة أن ذلك كانت تتطلبه المرحلة ، فقد صاحب ذلك خطوات وإجراءات على ساحة التربية والتعليم في بلاد عربية أخرى رفع فيها مسئولو التربية والتعليم شعارات التحديث والتغيير ، ورموا الآخرين بتهم الجهل والتخلف ، وأعلنوا أن البعد الإسلامي قد غلب على الأبعاد الأخرى في المناهج والكتب ، مما يعوق التطوير ويوجب التعديل والتغيير ... )

وقد استقدموا لذلك نفرا من اليونسكو، ليفتوهم بأن الإسلام قد طغى هوية وروحا على العلوم والمناهج ، وأن الأمر كي يستقيم يجب أن يعاد به إلى مكان يكون فيه بغير تأثير . فحذفت آيات سورة النساء عن النشوز، من كتب التربية الإسلامية ، و حذف ما ورد عن السواك بزعم أنه يثيرالاشمئزاز ويجافي التحديث والأسلوب العصري في التعامل والسلوك ...
وقد لفت الأنظار وشد الانتباه ما قيل في افتتاح مدرسة أجهور الابتدائية في محافظة القليوبية ضمن خطة أمريكية لتحويل وافتتاح مئات المدارس الابتدائية من قِبل وزير التعليم ومن قِبل السفير الأمريكي وأحد مديري الوكالات الأمريكية المتخصصة ، وقد حضرا الاحتفال مع السيد الوزير .. لفت الأنظار ما قيل عن التطوير والتحديث والمساعدة الأمريكية ، والجهود الأمريكية في التحديث والتطوير على الساحة التربوية ...
وإذا سلمنا أن ارتفاع شعارات التطوير والتغيير ، على أكثر من ساحة تربوية عربية في وقت واحد لا غرابة فيه ، ولا يثير التساؤل بحكم المشاكل المتراكمة والقضايا المتعددة فإنه لا يمكن أن ننفي عقولنا ونسلم بأن خطوات هنا وهناك تستهدف طمس الهوية واقتلاع جذور الأصالة هي خطوات عفوية ولا رابطة بينها )


ونرجع إلى المناهج في مصر حيث يقول الأستاذ عبد المنعم سليم جبارة : ( إن خطوات الوزير والمساعدات الأمريكية في مجال التطوير والتحديث تعيد إلى الأذهان العديد من التساؤلات التي ترددت في أواخر السبعينات !! حول مؤتمر قيل إنه تم انعقاده في واشنطن ضم ممثلين عن وزارات التربية في أمريكا والكيان اليهودي الغاصب وبعض دول المنطقة بهدف وضع خطة تربوية موحدة ، والالتقاء على مناهج موحدة للتعليم في المنطقة )

ويتحدث الأستاذ فهمي هويدي في مقاله المنشور بجريدة الخليج في 6 إبريل 1993 بعنوان" فتنة في الأرض وفساد كبير " عما سماه كارثة تعليمية كبرى أُعلن عنها منذ ثلاثة أسابيع – من تاريخ المقال المشار إليه – ولم يكن لها صدى من أي نوع من جانب أي مسئول في وزارة التربية والتعليم لا بالتكذيب ولا بالتصويب ولا بالتحقيق .
ولقد نشر الأهرام دراسة عن تطوير مناهج التعليم ، أعدتها – كما يقول الأستاذ فهمي هويدي – الزميلة مايسة عبد الرحمن ، وجاءت نتائجها التي تبعث على الدهشة والتساؤل . كان النشر على مدى خمسة أيام متوالية في الفترة من 18 – 24 مارس الماضي ( عام 1993 ) : ومما نشر: أنه قد اشترك في عملية التطوير 29 أستاذا ومستشارا أمريكيا ، بمركز تطوير التعليم في واشنطن .
حيث تقلصت مناهج التاريخ الإسلامي حتى أصبح ما يدرسه الطالب طوال سنوات تعليمه من الابتدائي حتى تخرجه من الجامعة هو 40 صفحة مقررة على الصف الثاني الإعدادي .
قبل التطوير كان الطالب يدرس التاريخ الإسلامي في مراحل التعليم الثلاث : ...

وبصفة عامة فإن دراسة التاريخ الإسلامي أصبحت تقتصر على سنة واحدة ، في مرحلة واحدة هي الإعدادية ، بينما يدرس التاريخ الفرعوني في مراحل التعليم الثلاث ، فضلا عن ذلك فإن معظم معلومات المنهج الوحيد الذي يدرسه الطالب متضمنا شيئا عن التاريخ الإسلامي أصبحت بعد التطوير مستمدة مما كتبه المستشرقون [ والعلمانيون ] حيث حذف من حادث الهجرة ما كان يشير إلى العناية الإلهية ، وذكر بدلا منها صفحة لراوية أو مؤلف مجهول يقرر فيها أن كل ما نسب إلى الهجرة من معجزات غير صحيح ، وحيث يقرر أن انتشار الإسلام كان بسبب انتصار الرسول في غزواته !!
وحذف من الكتاب المعارك التي خاضها الرسول ضد اليهود ، وحذف من الكتاب أخبار الأنبياء ماعدا الثلاثة : موسى وعيسى ومحمد – عليهم الصلاة والسلام - وذكر الكتاب أن أخناتون هو أول من نادى بالتوحيد ، وألغى تماما أن أول مخلوق بشري على الأرض كان عارفا بوحدانية الله ، وكذلك الأنبياء بين عصر آدم وعصر أخناتون : كنوح وإدريس عليهما السلام . وفي الوقت ذاته ذكر الكتاب أن الإنسان الأول من أصل مشترك مع القرد .

وفي كتاب التربية الوطنية المقرر على الصف الثاني الثانوي يتحدث الكتاب عن أثر الحضارةالأوربية في المجتمع المصري الحديث في ضعف المساحة التي يشير فيها إلى أثر الحضارة الإسلامية على الغرب ، وحذف الكتاب الصفحات التي أشارت - فيما قبل التطوير - إلى عوامل ركود العالم العربي : في التجزئة السياسية ، والغزو الصليبي ، والمغولي ، وتحول طرق التجارة من الشرق إلى الغرب ، ودور الاستعمار ، واقتصر البحث على عوامل اليقظة التي ركزت على اتصال العالم العربي بالفكر الأوربي ، ثم على ظهور الحركات الإصلاحية الداخلية.

وفي كتب المعلومات والأنشطة البيئية للفصل الأول الابتدائي : تتضمن الرسوم الإيضاحية والصور إيحاءات تنفر من نموذج الحياة الشرقية ، يظهر ذلك في درس " منزل جدي " بأثاثاته القديمة ، وبالمقابل صورة لغرفة استقبال عصرية أقرب إلى فندق بحيث ينجذب إليها طفل السادسة تلقائيا ، وهكذا صورة ثانية لمدرس يرتدي طربوشا ، وبالمقابل مدرسة رشيقة حاسرة الرأس تدلت خصلات شعرها الناعم على جبهتها ، و ترتدي زيا مكشوف الذراعين ، وصورة ثالثة لمدرسة غطت شعرها بخمار أسود وطمست الثياب معالم جسدها واختفىذراعاها ولم يظهر لها كف ، والمهم بعد ذلك أنه بكتاب المنهج يطلب من الطفل أن يحدد موضع الشبه والاختلاف بين الصور الثلاث وأن يجيب في النهاية على السؤال : أيهما تفضل ؟ ولماذا ؟

وفي كتاب الثانية الابتدائية يدور محور الدرس الأول حول " بيئتنا بين الماضي والحاضر " وتحت العنوان صورتان : إحداهما لحي سكني يظهر فيه بيت متوسط الارتفاع على الطراز الإسلامي ، وفي ركن الصورة ظهر مسجد وفي الشارع سار اثنان يرتديان الجلاليب ، وفي الصورة الثانية التي نصبت إلى جوارها مباشرة ، ظهرت العمارات العالية وبأسفلها المحلات التجارية وشارع نظيف ، يحاذيه رصيف ويغطيه الأسفلت ، بينما تتخلله خطوط تنظم عبور المشاة ثم يطرح السؤال : ما التغييرات التي تلاحظها بين الصورتين ، وكيف استفادت الأسرة من هذه التغييرات ؟ وهو سؤال يدفع الطفل بالطبع إلى اختيار الصورة الثانية ، وعلى ذلك النمط تمضي الكتب التي تسهم في تشكيل وعي الطفل في السنوات الأولى من التحاقه بسلم التعليم إذ يشوَّه ذلك الوعي ويسممه بحيث يبدو نافرا من بيئته ونموذجه الحضاري ومتعلقا ومبهورا بالنموذج الأوربي .

ويعلق الأستاذ فهمي هويدي على هذه التطويرات التي حصلت منذ عشرسنوات في مصر في بند تجفيف المنابع في البرنامج التربوي في مصر من ناحيتين :
من الناحية التربوية وما تؤدي إليه من تغذية التطرف - عكس ما يقصد إليه في تجفيف المنابع حيث يقول : ( إن التعليم الذي ينتج لنا شبابا ضائعا عديم الانتماء يقدم للتطرف والإرهاب هدية لم يحلم بها يوما ما ، حيث لا يخطر في بال عاقل أن تكون المؤسسة التعليمية هي المصدر الرئيسي للإرهاب ، بتلك الكميات المعتبرة وبالمجان )
ولأنه لا يخطر ذلك على بال عاقل فإن الهدف الخفي يطل علينا برأسه وهو ما يعبر عنه الأستاذ فهمي هويدي في تعليقه الأول : ( عندما يطالع المرء هذه الخريطة في مجملها فإنه يلاحظ من ناحية ذلك الجهد الحثيث المبذول لطمس هوية الطفل ، وتجريح علاقته ببيئته ومجتمعه ، ثم يلاحظ من ناحية ثانية جهدا آخر موازيا لتهوين علاقته عندما يكبر بالإسلام معرفيا وحضاريا).
ألا إنه البرنامج التربوي وأثره في طمس الشخصية الحضارية .

*****
وفي دراسة أخرى يعرضها الأستاذ محمد يونس بجريدة الأهرام 27121991 لما تم حذفه من التربية الإسلامية نجد التلخيص الآتي :
( إذا ألقينا نظرة سريعة على ما تم حذفه بخاصة ما يتعلق بالقيم الدينية والثقافة الإسلامية في المناهج الدراسية نجد أن المسألة خطيرة ، فلم يقتصر الأمر على مادة واحدة وإنما شمل العديد من المواد ، كما أن الحذف تراوح ما بين عبارات ونصوص وموضوعات وكتب كاملة .
فمن بين الكتب التي حذفت كما يقول الباحث الإسلامي جواد محمد عواد : مادة تاريخ مصر الإسلامية ، من المرحلة الابتدائية .
أما الموضوعات التي حذفت بالمرحلة الابتدائية والتي تتضمن قيما دينية فمن بينها على سبيل المثال " فاعل خير " بالصف الثاني ، و " الكعبة المشرفة " و" العفو عند المقدرة " بالصف الثالث ، و " الأزهار وقدرة الله " بالصف الثالث" ونساء مبشرات بالجنة " و " على عرفات " بالصف الخامس ، الابتدائي .
وهناك نصوص دينية حذفت من بعض موضوعات المطالعة بالمرحلة الابتدائية مثل حديث " خيركم من علم القرآن وعلمه " في أحد الموضوعات بالصف الأول بالصف الأول وحديث : " تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب " و" بركة الطعام الوضوء قبله وبعده " من موضوع النظافة من الإيمان بالصف الثالث .
في كتب التربية الإسلامية نجد هذا الحذف الذي يصل إلى حد التشويه – كما يقول الباحث الإسلامي جودة محمد عواد – ففي الكتاب المقرر على الصف الأول الثانوي نجد على سبيل المثال : تم حذف الشخصيات الإسلامية : عائشة رضي الله عنها ، وأبو حنيفة ومحمد عبده ، وحذف حكم الشرع في وجوب حجاب المرأة ، وتم وضع " الخمر والمخدرات " تحت عنوان " الممنوعات " بعد أن كانت تحت عنوان" المحرمات " .. ، كما تم حذف الآيات القرآنية التي تتحدث عن طغيان فرعون وفساده . اه

يعلق الأستاذ عبد المنعم سليم جبارة على الموقف فيقول : ( إن تطويرا يجافي الهوية منهجا ووجهة ، ويصم الآذان في وجه الرأي الآخر بخبرته وتجربته شاهرا سيفي القرار والسلطان ناعتا الآخرين بشتى النعوت مبتهجا بتصفيق المحيطين ليؤكد على أن التعليم غارق ، إنها المحنة على الساحة المصرية والعربية . )
نعم ولكنها فوق ذلك : المحنة أمام سؤال رسول الله إيانا : ماذا فعلتم من بعدي ، كيف تركتم لغير المسلمين أن يعبثوا بدينكم في مناهج التعليم ؟؟

تقول الدكتورة بنت الشاطئ : (هكذا هيمن النفوذ الأجنبي على أجهزة التعليم الرسمية ، والمؤسسات الثقافية الكبرى ، وفتحت ثغور وطننا للإرساليات التبشيرية والبعثات العلمانية من كل جنس وملة ، تتلقى أفواجا من أبناء الأمة ، في مرحلة التنشئة والتوجيه لتخرجهم غرباء في وطنهم لسانا وفكرا ووجدانا ومزاجا قد برئوا تماما من عقدة مقت الفرنجة ، وأبدلوا بها عقدة الشعور بالنقص من قوميتهم ، وعز على هؤلاء أن يلتقوا فيما بينهم ، إذ توزعتهم مدارس الليسيه واليسوعيين ، والإنجيلية والأمريكانية والفرير وسان جورج ، والتلمود وفيكتوريا ومدارس البنات الإنجيلية الأمريكية والقلب المقدس وأم الإله ، والراهبات الفرنسيسكان وأم الرسل . فضلا عن أن يلتقوا بإخوة لهم وأقارب وجيران تلاميذ المدرسة الإسلامية ومعاهدها الدينية المحصنين بمناعة ضد بضاعة الفرنجة .

ومنذ عهد الخديوي توفيق أزيحت المدرسة الإسلامية عن موضعها الأول في التربية والتثقيف والتوجيه ، وبدا القصد إلى ترسيخ الطبقة الثقافية ، ليقود الحياة الفكرية والاجتماعية والوجدانية للأمة أخلاط المتخرجين في مدارس الفرنجة ، ودونهم طبقة المتخرجين في المدارس المصرية التي عدلت مناهجها في عهد الخديوي توفيق ، ومن دونهم طبقة أبناء المدرسة الإسلامية أشبه بمنبوذين على هامش الحياة الحديثة . ) .

إنها العلمانية المتحالفة مع الحلف الصليبي في عقيدته في استئصال الإسلام من جذوره باعتباره العدو التاريخي الذي لا تجدي معه المساومة ولا المقاربة
أنظر ما يقوله توني بلير رئيس الوزراء البريطاني وهو يبرئ ذمته وهو يغادر السلطة حيث : (حذر من صراع يدوم جيلا مع التشدد الإسلامي {!!} وقال إن القوات البريطانية يجب أن تكون مستعدة لخوض حروب إلى جانب حفظ السلام. ودافع عن التدخل البريطاني في أفغانستان والعراق.
وقال إن الغرب يواجه في التشدد الإسلامي خصما مشابها للشيوعية الثورية في مرحلتها الأولى الأكثر تشددا، وأضاف أن التراجع أمام هذا التهديد سيكون كارثة لأنه سيعزز الإرهاب العالمي كما سيكون غير ذي جدوى لان من شأنه أن يؤجل المواجهة فحسب.) !!

إنه العدو الصليبي الذي أخبرنا الله تعالى أنه لن يرضى حنى نتبع ملته .... متحالفا مع العلمانية المحلية

نعم ولولا علمانية الثورة عام 1952 ما انحرف بيدهم مشروع تطوير الأزهر بقانون 1961
الذي ذهب في اتجاه معاكس تماما لما كان الأزهر بحاجة إليه من تطوير ، ومن ثم دخل في نفق البنية العلمانية الأساسية لاستكمال ما يراد اليوم في مناخ الضغوط الأمريكية ، ثم بالتعديل الأخير الذي صدر في صيف عام 1998 ، وهو النفق الذي أدى وما يزال يؤدي إلى تسطيح الدراسات الأزهرية التقليدية ومن ثم أدى وما يزال يؤدي إلى تفريخ مظاهر الانحراف ، لا كما قد كان واردا في اعتبار البعض ، عند تأييد هذا التعديل . وذلك لأن الأزهر بتعمقه التقليدي في الدراسة الإسلامية وعلى مستوى المرحلة الابتدائية والثانوية نفسها يربي عقلية التسامح والتفتح الذهني وقبول الرأي الآخر في الدراسات القرآنية والحديثية والفقهية والعقدية واللغوية أيضا ، ذلك التسامح والتفتح الذهني الذي عبرت عنه الجملة المشهورة عن الدراسة في الأزهر ( المسألة فيها قولان ) والذي صنع ما كنا نشهد به جميعا من كون الأزهر عامل طرد للاتجاهات المنحرفة أو المتشنجة في داخله وخارجه ، أما الاختصارات والحذف الذي توالى على مناهج الأزهر منذ صدور القانون وحتى الخطوة الأخيرة في تعديله والذي ينصب بالضرورة على حذف التوسع في عرض الرأي والرأي المخالف ، والاقتصار في المناهج الإعدادية والثانوية على رأي واحد ، أو مذهب واحد ، أو حزمة ملفقة من الآراء ، أو كتاب واحد موحد غالبا ما يكون هو كتاب الشيخ طنطاوي !! فإنه يسهم في محو قابلية التعدد في ذهن الطالب بالثانوي وهو يتشكل في مرحلة المراهقة
إن إلغاء دراسة الخلافات بتوسع في هذه المرحلة - وخصوصا إذا لم يواصل الطالب دراسته الإسلامية بعد ذلك بانقطاعه عن الدراسة الجامعية أو بانتسابه للكليات الحديثة - أدى إلى إلغاء هذه الخلافات في الدراسة الموضوعية العلمية الهادئة المتسامحة ولكنه أدى إلى إحيائها متشنجة متوترة في مضطرب الحياة . , أو بانتسابه إلى الكليات أإنه أدى فيما أدى إليه من تسطيح الدراسة في الأزهر إلى خلق فراغ يمرح فيه من يزعم أنه أكثر تخصصا في الدراسات الإسلامية سواء من الجماعات الإسلامية الأهلية ، أو من المذاهب المنحرفة من حيث تحتكر لنفسها الانتماء إلى الإسلام ، وهو ما أدى أخيرا إلى انتشار ظاهرة فوضى الفتوى التي تعالج أخيرا أيضا بمشروع سوف نتناوله بالتعليق أدناه .
ولقد سبق لي أن ذكرت في ورقة عمل ألقيتها في مؤتمر الشرطة لمقاومة التطرف في عام 1987 بحضور الوزير الأسبق المرحوم اللواء زكي بدر أن مقاومة التطرف إنما تكون بدعم الأزهر ومدرسته الناجحة تاريخيا في هذا الاتجاه ، ولكننا نقول هنا إن تدعيم الأزهر لا يكون بتسطيح الدراسة فيه ، الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج فادحة الخطر ليست في مصلحة أحد .
ولقد تورط الأزهر وفقا للرؤية العلمانية .. في مشكلة ازدواج المنهج في الدراسة الثانوية بالأزهر والتي كانت نتيجة لازمة من لوازم قانون التطوير لعام 1961 والتي سوف تستمر بصورة مشوهة في التعديلات اللاحقة والتي من شأنها إذا استمرت أن تؤدي إلى أحد ثلاثة أمور أوكلها وهي : تسطيح الدراسة في المنهجين معا ، أوحل المشكلة على حساب الدراسة الأزهرية الأصيلة ، أو جعل الأزهر منطقة طرد من الناحية التعليمية وفي جميع الأحوال فهو مؤد إلى أغراض العلمانية في إغلاق الأزهر في نهاية الطريق .
نشير هنا إلى بعض ملامحها في علاقة الداعية بالمجتمع الذي يعيش بين ظهرانيه ، في تعامله مع أوضاع مثيرة للخوف أو للضجر ، أو للقرف ، وهي جميعا تضع الداعية في ظروف نفسية بالغة القسوة .
ويكفي أن أشير هنا إلى العلاقة شديدة الخطر تلك التي تقوم بين الداعية وبين التقارير التي يكتبها موظفو الأمن ، على أساس من سوء الغرض أوسوء الفهم ، أو من سوء التفاهم ، أو إلى العلاقة الضيقة أو المضيَّقة – على أقل تقدير - بين الداعية وبين أهم جهاز يمكن للداعية أن يعتمد عليه في دعوته ، وهو جهاز الإعلام ، بأشكاله وصوره المختلفة ، أو إلى تلك العلاقة المبنية على سوء الظن المتبادل بين الداعية والرأي العام ، والتي ساهمت العلمانية المعاصرة في صياغتها مساهمة كبرى عن طريق الأفلام والمسلسلات وما أشبه .
ولا يخفى ما لهذه الدائرة من أثر حاسم في فشل الداعية وتنفيره من عمل : ما أقل جدواه بمقياس الدنيا ، وما أفدح ثمنه بمقياس الدنيا كذلك ، وبخاصة أن الداعية الذي نتحدث عنه ليس من مرتبة الشهداء أو الأولياء أو الصديقين ، وإنما هو من أوساط الناس الذين تؤثر فيهم هذه العوامل تأثيرا كبيرا ، وذلك بحكم الضرورة ، وطبقا لاتساع العدد المراد إعداده منهم بعشرات الآلاف
إلى أن جاء ت الموجة الأمريكية الأخيرة في تصفيتة في سياق تصفية منابع التطرف ومنها حسب تقديرهم مناهج التعليم الوهابية بالسعودية ومناهج التعليم الأزهري بمصر ، الأمر الذي يلخصه ما ذكره تقرير لوكالة "قدس برس" الأحد 12-6-2005 من أن النائب "علي لبن" الخبير في شئون التعليم انتقد في بيان عاجل قدمه لمجلس الشعب ضد وزير المالية، الإجراءات التي اتبعتها الوزارة " لهدم الأزهر"، والتي كان من بينها امتناع الوزارة عن تسليم الأزهر عائدات أوقافه، التي تبلغ مساحتها نحو 395 ألف فدان من أراضي الوقف الخيري، إضافة إلى نصف مليون فدان من أراضي الوقف الأهلي.
وقال النائب: إن إجراءات وزير المالية يوسف بطرس غالي تسببت في تعطيل إصلاح وتجديد 134 معهداً أزهريًّا صدر بحقها قرار إزالة، متهماً إياه ب"التخطيط لهدم مؤسسة الأزهر الشريف لخدمة المخطط الصهيوني - الأمريكي".
وقد أثار اتهام "لبن" لوزارة المالية جدلا واسعاً داخل البرلمان المصري، خاصة أن نواب البرلمان المنتمين لجماعة "الإخوان المسلمين" سبق لهم اتهام الحكومة بتنفيذ مخطط لوقف بناء معاهد أزهرية جديدة، وتحويل بعضها إلى وزارة التعليم.
وكان أعضاء بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر قد اتهموا ما وصفوه ب"تيار علماني" باستهداف التعليم الأزهري، ومحاولةِ تقليصِ عدد المعاهد الأزهرية.
وكان الأزهر قد رفض قرار مجلس المحافظين الذي صدر في مايو 2004 الخاص بعدم الترخيص ببناء أي معاهد أزهرية جديدة، ورفض تحويل المعاهد الأزهرية الخاصة إلى حكومية أو قيام الأزهر بالإشراف عليها.( المصدر موقع إسلام أن لاين بتاريخ 1262005)

ولقد كان التطوير خطيرا في تمهيده للعلمانية باستبدال ما أصبح يسمى مجمع البحوث الإسلامية بهيئة كبار العلماء
ونحن ننفي أن يكون مجلس مجمع البحوث بتكوينه القانوني حسب قانون تطوير الأزهر هو جهة الاختصاص في الفتوى في المسائل الفقهية الدقيقة التي يتعرض لها ، إذ أنه روعي في تشكيله الكامل - الذي من المفترض أن يضم أربعين عضوا - نطاق واسع من البحوث الإسلامية حسب عنوان المجمع ‍‍، يغطي التاريخ والجغرافيا والقانون العام ، والأدب واللغة ، والدعوة والعقيدة والفلسفة والتفسير والحديث ، والمناصب بحكم ما هي مناصب ، ويكاد المتخصصون في الفقه فيه على مستوى الأستاذية يعدون على أصابع اليد الواحدة ، وليس منهم حاليا – بالتأكيد مادمنا نعترف بالتخصص العالي ونلتزم به قانونا - شيخ الأزهر ، أو رئيس الجامعة .
وإذن فشرط التخصص في الفقه الشرعي مفقود من الناحية الموضوعية تماما ، ، ولا يفلح في دفع هذه التهمة الارتكان شكليا إلى قانون تطوير الأزهر عام 1961 الذي ينص على اختصاص المجمع ، إذ ينبغي أن نعلم أن قيام مجلس المجمع بأمانته في هذه القضية وأمثالها لا يتحقق موضوعيا إلا بأن تنزل الأغلبية في مجلس لمجمع - باختلاف ثقافاتها التي أشرنا إليها - في المسألة الفقهية لرأي لجنة البحوث الفقهية فيه والتي عادة ما تكون أقلية من الناحية العددية ، ولكنها صاحبة الكلمة الفقهية ، احتراما للتخصص ، وقد درج مجلس المجمع في عهده الزاهر سابقا على ذلك، وأذكر وقد كنت مديرا للسكرتارية الفنية له ومديرا لمكتب شيخ الأزهر في الأعوام 1967-1977 أن كان مجلس المجمع يكف يده تدينا عن إصدار القرار في المسائل الفقهية كلما وجد معارضة لها من اللجنة الفقهية أو ينزل عند رأيها فيها ، وهي اللجنة التي كان يمثلها في ذلك الوقت المشايخ العظام : فرج السنهوري ، وعلي الخفيف ، ومحمد أبو زهرة ومحمد علي السايس وحسنين مخلوف في عهد شيخ المشايخ عبد الحليم محمود ، وبهذا يحق لنا أن نقرر بكل ثقة أن شرط أخذ رأي أصحاب التخصص في الفقه مفقود تماما في الوضع الراهن للمجمع ، وسوف يقرر التاريخ ذلك مهما تمسحنا في مادة من مواد القانون .

ولقد أسهم الشيخ الحالي عندما كان مفتيا – غير فقيه - ثم عندما صار شيخا للأزهر في دور بارز من دوري الفقه السلطاني تلك كانت دورة الإباحة – عندما قام بترويج الفوائد الربوية بزعم أنها استثمار ، ثم جاء من بعده مفتون زعموا أنهم لا يراجعون فتاوى سابقة صدرت في الشأن نفسه ، كذلك عندما أهمل رسالته في بنو إسرائيل في القرآن الكريم بعد أن تولى المشيخة ليروج للسلام معها ، ثم روج لما قرر أنه من حق الحكومة الفرنسية أن تمنع الحجاب من فوق رءوس المسلمات في فرنسا ، إلخ
ومن هذه الدورة أن ( وافق الأزهرمؤخرا على وثيقة أمريكية تضمن حرية التنصير في العالم الإسلامي ... وتتضمن الوثيقة 17 بندا أ يدها شيخ الأزهر .. ووقع عليها الشيخ فوزي الزفزاف ) .
ثم جاءت أخيرا دورة التحريم التي تجلت في تحريم النقاب ، ثم في تحريم الوباء الإخواني ، ثم في تحريم الخروج على ما يسمى "الفكر الأزهري " وأخيرا وليس آخرا في تحريم الفتوى من غير الجهة التي يعتمدها المفتي أو المجمع
وفي جميع ذلك نراه ممسوسا بالعلمانية كشرط أساسي
وأليست مسة تلك التي ظهرت على يد السيد وزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق ضد المتنقبات دون كلمة – ولو حانية - ضد المتبرجات ؟ : حيث عبر عن رفضه ( تعيين أي سيدة مُنقبة في وظيفة مُرشدة دينية. وتعهد بنقل أي منقبة تم تعيينها في هذه الوظيفة الي وظيفة أخري بعيدة عن الارشاد الديني وتوجيه الرأي العام
وحيث أوضح السيد لوزير في المؤتمر الصحفي الموسع، للإعلان عن انعقاد مؤتمر المجلس الأعلي للشئون الإسلامية في 27 مارس القادم، أن نقاب المرأة عادة وليس عبادة. وأن المرشدة الدينية يجب أن تكون مثالا لوسطية الإسلام، وأن ارتداءها النقاب ينشر عادة اجتماعية لم يفرضها الإسلام، لذلك لن تسمح الوزارة بعمل أي مرشدة دينية ترتدي النقاب. وأعلن في رده علي أسئلة الصحفيين أن المرشدة الدينية التي حضرت الدورة التدريبية الحالية للأئمة الجدد، سيتم نقلها الي وظيفة اخري بعيدا عن الارشاد الديني.) ) المصدر جريدة 'الأسبوع ": وجريدة الوفد صادق حشيش بتاريخ 1512007
وتجاهل السيد الوزير أن الشريعة الإسلامية لا تقبل العادة الجائزة فحسب ولكن تفتح لها الباب لتكون عبادة ايضا إذا كانت النية فيها خالصة لوجه الله وإلا فما رأيه في لبس الكرافتة الإفرنجية ، والبنطلون المحزق ، والطربوش مجهول النسب ؟!
أليست مسة خفية تلك التي ظهرت في تصريح السيد الوزير ؟ !
أليست مسة هي التي تنقل الوزير من موقع الهجوم على التبرج إلى موقع الهجوم على المتنقبات؟
ومن ناحية أخرى نجد فضيلة المفتي يتقدم بمشروع قانون - كما جاء بأخبار اليوم 1512007 – للقضاء على فوض الفتوى
وهي كلمة حق يراد بها باطل ووافقه مجمع البحوث الإسلامية حيث أصدر مؤخرا قرارا يقضي بأن تكون دار الإفتاء هي المؤسسة الوحيدة التي يحق لها إصدار الفتاوى في مصر، كما لا يحق لأحد أن يعلق على فتاواها إلا مجمع البحوث نفسه إذا لزم الأمر، ولا يسمح بالإفتاء لأي جهة أو فرد بشكل مباشر.
كلمة حق نظريا ، من حيث " يحرم " ممارسة الفتوى على كل من لم يتأهل لها علميا بأن يحصل على شهادة عليا متخصصة في الشريعة و بشرط أن يكون فاهما للواقع ولتطبيق الحكم عليه .
ويراد بها باطل عمليا , من حيث المناخ السائد علميا وثقافيا وتظيميا
يراد بها باطل من حيث اشترط أن يحصل بعد توافر هذه الشروط على إذن رسمي لأول مرة في تاريخ الإسلام ، وياللكارثة ، ففي عصور الظلام !!! تنطلق الفتوى من مصادرها المؤهلة من المساجد بغير مصفاة سلطوية ، وفي عصر التنوير والديموقراطية ها نحن نستصنع لها المخانق والقيود!! إما من دار الفتوى أو من مجمع البحوث الإسلامية حصرا وكل منهما يحتاج إلى ختم التاج السلطاني
وقد تناسى فضيلة المفتى ومن وافقه استحالة تطبيق هذه الشروط كلها أوبعضها عمليا على شيخ الأزهر أو المفتي نفسه وعلى أكثر أعضاء المجمع ، وهي الجهة الموكول إليها إصدار هذا التصريح وفقا لمشروعه .
يراد بها باطل من حيث تناسى فضيلته أن الأئمة الأربعة لم يحصل أحد منهم على مثل هذا التصريح من أية جهة رسمية في زمنهم ، وكانت شرعيتهم طوال أرعة عشر قرنا راجعة إلى وصف العلم والورع فيهم ثم إلى قبول الجمهور الإسلامي لهم على مدار التاريخ بسبب ذلك ،وإلى تطهرهم من مثل هذه التصاريح والشروط وتعاليهم على مصادرها ومجافاتهم لشبهاتها .
، وهو مشروع يتم في الواقع لضمان صدور الفتوى مطابقة لوحي التيارات العلمانية الرسمية المفحوصة علمانيا وشروطها في : الربا والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والحجاب والنقاب ، والفن ، والشرقنة والأمركة والأسرلة إلخ
وهو في هذا ينسج على منوال الشرط المانع في حصول الأحزاب الجديدة على إجازة من الحزب الخصم !!
وكأن التيارات العلمانية الظاهرة أو المستترة – في مجال الفتوى - تسعى اليوم إلى الحصول على حق إصدار " صكوك غفران علمانية " وإن يكن بطريقة معكوسة وهي لهذا - ومع الأسف !! - صكوك منزوعة الدسم إذ تصدر ممن لا يتصف بالقداسة فضلا عن أن يدعيها !
وكأني بهم يقذفون بالفتوى – عمليا - إلى الكهوف السرية ثم إلى مدونات الإنترنت ثم إلى اضطرابات الشارع ثم إلى أقبية السجون ، ، ثم إلى خضم الفوضى الحقيقية إسهاما في إدخال الأزهر بجملته إلى " الفوضى الأمريكية الخلاقة " بمنطقتنا المنكوبة !
نقول وما نمل التكرار : إنها المؤامرة ؛العلمانية بصورها المختلفة : العلمانية الشعبية الغبية المترهلة المستسلمة الكسولة ...والعلمانية الاستشراقية االمستوردة ضمن شهادات أجنبية ....والعلمانية الذاهلة المطلة علينا من نافذة في دين " بولس " الذي ألغى الناموس.. والعلمانية التصوفية اللاواعية الغارقة في روحانية عجماء ..والعلمانية اللاواعية عند بعض كبار الدعاة والمفتين الطامعين أو المقموعين ..
هي العلمانية تقوم بدورها الخبيث بالتغطية العصرية للمؤامرة على الإسلام!!
إنها العلمانية المتآمرة مع طلائع العدو لتتستر عليه ، كتآمر الذيل مع مؤخرة الجذع !!
وما كان من الطبيعي أن يقابل المسلمون هذا الموقف –- بمثل هذه السلبية المخزية واللامبالاة المهينة والانسحابية الانتحارية لولا مسة أصابتهم من علمانية زرعت في أعماقهم مبدأ استبعاد الدين من السياسة ،أصابت بدنسها جميع الأطراف وإن بدرجات متفاوتة .
وإذا كان الكاتب الطبيب خالد منتصر قد نفث نفثته السمية في أذن رئيس الجامعة كي يخلصه من وباء " الإخوان " ، ووصمة " الاختطاف " و" آلام الاختراق " عندما همس : ( .. في أذن الطيب : انظر إلى المناهج التي تدرسونها في الأزهر وستعرف جيدا من أين يأتي الاختراق ) اه !!صوت الأمة يتاريخ 25122006
فقد كانت همسته تلك جزءا متواضعا من مؤامرة علمانية كبرى تدور في الظلام منذ أجيال رغم تمسح مصدرها - العلمانية - بالديموقراطية كلماعن لهم ذلك ، وإن أمرهم في هذه المؤامرة إنما يتم رغم إرادة الأغلبية الشعبية المسلمة اللاهية أو الملهية – مع الأسف - في البحث عن لقمة العيش وهو يتم رغم كل كل دعاوى الديموقراطية الزائفة ليتم لهم القضاء على الأزهر باعتباره هدفهم الثاني بعد سقوط الدولة الإسلامية وهو هدف تتكفل به مناهج مستجدة بوحي من الاستشراق ، و تلاميذه هاهم بين ظهرانينا وفي مكاتبنا في وضع الاستعداد وأصابعهم على الزناد
وباسم العلمانية الديموقراطية يتم إغلاق الأزهر ..
وباسم إدارة الفتوي يتم خنق الفتوى
ثم لتنصب لتراثه محرقة
ولتنثرعلى قبره الرماد ،
في حفل تجري طقوسه الديموقراطية على وفق محارق العصور الوسطى ومحاكم التفتيش وصيحات أمراء الطوائف !!
فهل يمكن أن ننكر أن من يسهم اليوم في تحطيم الأزهر أنه يصطف مع خصومه في معسكر الطائفية أو السياسة أو الثقافة ؟
أو هل يمكن أن نصدق أنه ضد اختراق الشيعة لمصر؟


------------------------------------------------------------------------
[1] الأهرام 111989
[2] في بحثه بعنوان ( نظرة شاملة عن إرساليات التنصير العاملة وسط المسلمين ) الذي ألقاه بمؤتمر تنصير المسلمين الذي عقد في مدينة جلين آيري بولاية كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978 ، والمنشور ضمن الترجمة الكاملة لأعمال هذا المؤتمر ، ونشرته دار MARC للنشر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.