تصاعد الجدل حول المادة الثانية من الدستور المصرية التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى للتشريع في مصر، وذلك في خضم مطالب القوى الوطنية بتعديل الدستور والتي تمحورت حول المواد 76 و77 و88 الخاصة بشروط التقدم للترشح وتحديد فترات ولاية رئيس الجمهورية قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2011. وكانت هذه القضية محور ندوة عقدتها كلية الحقوق بجامعة القاهرة بالتعاون مع لجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة الاثنين (8-3)، تحت عنوان "الدستور ومستقبل مصر السياسي"، حيث حظيت المادة الثانية من الدستور بالجانب الأكبر في المناقشات، حيث هيمنت المطالب بالإبقاء عليها والتوسع في استخدامها على مداخلات المشاركين.
وأكد الدكتور عبد العزيز سمك أستاذ الشريعة الإسلامية أن مصر كلها وافقت بنسبة مائة في المائة على نص هذه المادة، وأنها لا تمثل ضررا بمستقبل مصر السياسي ولا يمثل وجودها في الدستور عيبا، مشيرا إلى أن الشريعة الإسلامية ليست قاصرة على ما نص عليه الكتاب والسنة ولكنها تمتد إلى ما أخذ و استنبط من القرآن والسنة.
من جهته، يرى الدكتور فؤاد رياض أستاذ القانون أن استغلال المادة الثانية من الدستور تسببت في مقتل ستة أقباط وشرطي مسلم في نجع حمادي في يناير الماضي، وإنه اقترح أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية بمثابة المبادئ العليا فوق الدستور والذي يمكن على أساسها الحكم بدستوريته أو عدم الدستورية ما كما هو الحال في تطبيقات القانون الدولي.
وأيد الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري فكرة أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية بمثابة المبادئ العامة، باعتبارها فكرة قائمة منذ زمن طويل جدا حتى فيما يخص القانون المدني ويمكن الحكم على نص بالدستورية أو عدم الدستورية طبقا لهذه المبادئ العامة.
وأوضح أن هناك فرقا بين الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية من حيث النص عليها في الدستور، خاصة وأن الشريعة الإسلامية سبقت غيرها من الشرائع الأخرى في تحديد أنواع من الحريات لم يكن معترفا بها قبل الإسلام.
وأضاف أن النص الذي عدله الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1980 على أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس في التشريع كان يهدف إلى جمهرة الشعب بينما ظلت المادة مجرد شعارات دون تطبيقها على أرض الواقع.
وحول النظام السياسي المصري، قال بدوي إنه ليس له شكل محدد فلا هو نظام رئاسي ولا هو برلماني ولا هو ديمقراطي كلية حتى عند الحكم بعدم دستورية قانون فمن المستحيل على حد قوله أن يكون الحكم محايدا، نظرا لأن أعضاء المحكمة الدستورية العليا معنيون جميعا من قبل السلطة التنفيذية.
وأشار إلى أن التعديلات التي أجريت على الدستور لم تكن هي التعديلات ذاتها التي كانت قد أعدتها اللجنة التي تم تكليفها لتقديم الاقتراحات بذلك حيث جاءت متعارضة تماما لم أقرته اللجنة والتي كان يتم التغيير أعضائها بين يوم وليلة، حيث كان الدكتور عمر حافظ شريف مقررا في اللجنة الأولى للتعديلات الدستورية ثم تمت تنحيته واستبداله بالدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب.
من ناحيته، أكد الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستوري أن السمو الموضوع للقاعدة الدستورية لا يحميه القضاء الدستوري إذا لم يتوفر لدى الحاكم والمحكوم إيمان عام بسيادة القانون، لافتا إلى أن سلطة القرار الجمهوري تم استغلالها أسوأ استغلال، في حين كان الملك فؤاد والملك فاروق يحاولان في العهد الملكي استغلالها لولا أن تصدى لهما البرلمان وكان يمثل المعارضة في حينها حزب "الوفد"، وإن كانت في فترة من الفترات اللاحقة قد تصدت لها المحكمة الدستورية العليا.
بدوره، تساءل الدكتور محمد نور فرحات أستاذ فلسفة القانون عن مدى دور الفقه في تأصيل فكرة أن تكون المواد الدستورية محكومة بمبادئ عامة لا يمكن المساس بها وإهدارها، مشيرا إلى ان الإسهام الوحيد في هذا الصدد كان للفقيه القانوني عبد الرازق السنهوري والذي حدد في عام 1952 فيما كتبه بمجلة مجلس الدولة الأوجه التي يمكن أن تنحرف فيها السلطة التشريعية كالاعتداء على الحقوق الخاصة.