قللت مصادر سياسية من أهمية التعديلات الدستورية التي قال الرئيس حسني مبارك إنه سيجريها قبل نهاية العام الحالي، مشيرة إلى أن هذه التعديلات المرتقبة ستكون شكلية ولن تمس هيمنة النظام الكاملة على الساحة السياسية ولن تقترب من الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية. ورجحت المصادر أن تدور التعديلات المعتزم إدخالها على الدستور حول المواد التي تتحدث عن الإرث الاشتراكي، رغم أن الرئيس مبارك ينفي أن تشمل التعديلات أي مساس بنسبة العمال والفلاحين في عضوية المجلس. وأشارت المصادر إلى أن التعديلات قد تستحدث نصوصًا تمهد لإقصاء السوق والتحول إلى الليبرالية الاقتصادية الأمر الذي يعني إلغاء المدعي الاشتراكي . وتكهنت المصادر بإمكانية إدخال تعديلات على المادة الثانية في الدستور التي تنص على أن مصر دولة إسلامية وان الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، في إطار سعي النظام لإرضاء الغرب ومجاملة الأقباط الذين طالبوا بإلغاء هذه المادة في السنوات الأخيرة. أكدت مصادر مطلعة أن التعديلات الدستورية التي طلبها الرئيس مبارك من مستشاريه تستهدف في المقام الأول تعديل نظام الانتخاب ليكون بالقائمة النسبية ولقصر الترشيح لانتخاب مجلس الشعب على الأحزاب فقط بهدف تفويت الفرصة على جماعة الإخوان من خوض الانتخابات القادمة. وأكدت المصادر أيضًا أن حل مجلس الشعب أصبح مؤكدًا رغم نفي الرئيس مبارك لذلك أكثر من مرة، وأن حله سيتم فور التعديلات الدستورية المقترحة والتي من المنتظر عرضها على مجلس الشعب أواخر العام الحالي. ونبهت المصادر إلى أن التعديلات المرتقبة ستشمل المواد 41 و42 و73 من الدستور التي تحدثت عن الحريات العامة ومكافحة الإرهاب، من خلال اختصار للتفاصيل الموجودة بهذه المواد في الدستور حاليًا، كما ستطول التعديلات جميع المواد الخاصة بالأحزاب السياسية في مصر لإعطاء هذه الأحزاب مزيدًا من الحريات كي تستطيع مواجهة النفوذ المتنامي لجماعة "الإخوان المسلمين" في الشارع السياسي. واستبعدت المصادر إدخال أي تعديلات جوهرية على المادة 76 من الدستور، باستثناء تعديلات طفيفة بخصوص القيود المفروضة على الأحزاب حول خوضها انتخابات الرئاسة، نافية إمكانية تقديم أي تنازلات للمستقلين لقطع الطريق على جماعة "الإخوان المسلمين" ومنعها من تقديم مرشح قوي لانتخابات الرئاسة، كما أن النظام لن يدخل أي تعديلات كذلك على المواد 74 و77 والخاصة بسلطات الرئيس وتحديد مدة ولاية الرئيس للسلطة. كذلك، قللت المصادر من أهمية إدخال أي تعديلات على المواد الخاصة بالسلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية والتي تصل إلى 65 سلطة مطلقة، وإن رجحت المصادر أن يتم تقاسم بعض السلطات بين الرئيس ومجلس الوزراء والشعب. من جانبه، توقع السفير عبد الله الأشعل المحلل السياسي والدبلوماسي السابق أن تقتصر التعديلات على الديباجة فقط ولن يتجاوز ذلك على تغييرات جوهرية في الدستور فالاقتراب من المادة 76 شبة مستحيل كون هذه المادة هي البوابة الذهبية للتوريث ولا يمكن المساس بها كما أن تعديلات ستتم على هذه المادة ستخدم الخيار الاستراتيجي للنظام. ويعتقد الأشعل أن المواد الخاصة بالطابع الاشتراكي للدولة ودور القطاع العام في الدستور هي التي ستطولها التغيير في المرحلة القادمة، متوقعاً أن يدخل النظام تعديلاً على المادة الثانية من الدستور والخاصة بهوية الدولة الإسلامية مجاملة لواشنطن وإرضاء للأقباط واعتبر الأشعل أن قرار هذه التعديلات في هذا التوقيت يضر بحالة الأمن والاستقرار في مصر حيث سيطلق أيدي رجال الأعمال والرأسماليين الجدد على شعب مصر الفقير قد تسبب حالة انفلات أمني مطالبا بالتريث في إقرار هذه التعديلات حيث أن هناك عديدًا من المميزات التي يضمنها الدستور الحالي لا تحتاج لأي تعديل. ويؤيد الدكتور محمد السيد سعيد الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام الطرح السابق بالتأكيد على أن التعديلات لن تمس جوهر النظام وسلطاته المطلقة وستقتصر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ودور القطاع العام والتخطيط المركزي ولن يكون لها أي تأثير على الاحتقان السياسي التي تعاني منها البلاد. وأوضح السعيد أن هذه التعديلات ستخدم مساعي توريث السلطة لنجل الرئيس ولن تشهد مزيدًا من التشدد تجاه "الإخوان المسلمين" وتخفيف القيود على الأحزاب السياسية الضعيفة التي لا تستطيع تقديم بديل للنظام. ولم يستبعد أن يحاول النظام تجميل صورته بمنح مجلس الوزراء بعض سلطات الرئيس مثل إعلان حالة الطوارئ دون أن يتنازل الرئيس عن سلطاته المطلقة. من جهته، يري الدكتور عبد الحليم قنديل المحلل السياسي والمتحدث الرسمي لحركة "كفاية" أنه لا إصلاح أو تعديل دستوري حقيقي في ظل وجود النظام الحالي، مشيرًا إلى أن هذا النظام يخالف للدستور فكيف يعدل بنوده، مؤكدًا أن الرئيس عندما يتحدث عن تعديل دستوري فهذا التعديل ينتهي إلى تفصيل الدستور لتقنين وضع سياسي معين. ويضيف قنديل أنه إذا كان مبارك قام بتفصيل المادة 76 من الدستور على مقاسه فإن إعادة تعديلها أو تعديل أي مواد أخري في المرحلة المقبلة سيكون بالتأكيد على مقاس نجله جمال وخدمة ملف توريث السلطة على حد قوله مشددًا على أن فكرة تعديل الدستور في عصر هذا النظام هي فكرة غير مجدية بالمرة وأن التعديل الوحيد الذي ينقذ البلد من الأزمة التي تعيشها هي رحيل الرئيس مبارك نفسه عن الحكم بحسب تعبيره . ويري قنديل أن مبارك سيلجأ هو وأسرته إلى إعادة تعديل المادة 76 من الدستور لإيجاد دوبلير يلعب دور مرشح في انتخابات رئاسية شكلية لتنصيب نجله رئيسًا للجمهورية لتقنين عملية نقل السلطة إليه. ويقلل الدكتور ضياء رشوان الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية من أهمية هذه التصريحات والتعديلات المقترحة حيث أنها لن تكون تعديلات جوهرية في الدستور بحيث تسمح بانفراجه سياسية أو تخفيف حالة الاحتقان السياسي الموجودة على الساحة المسيطرة على الحزب الحاكم عليها، مشيرًا إلى أن غالبية هذه التعديلات ستشمل مواد إجرائية فقط في الدستور وأن كلامًا يدور حول اختصار تفاصيل المواد 41 ، 42 ، 73 من الدستور الخاصة بالحريات العامة، وهو أمر من شأنه التضييق على هذه الحريات مضيفا أن هذه التعديلات ربما تشمل أيضا تعديل المادة 76 من الدستور لتخفيف القيود المفروضة على ترشيح الأحزاب السياسية لمرشحين في الانتخابات الرئاسة مع الإبقاء على القيود المفروضة على ترشيح المستقلين لحرمان جماعة الإخوان المسلمين من هذا الترشيح لتمرير عملية نقل السلطة إلى نجل الرئيس بسهولة ويسر. ونبه رشوان إلى أن هذه التعديلات لن تكون نهاية هذا التعديلات لن تكون نهاية هذا العام كما زعم الرئيس لأن عرضها سيكون في نوفمبر القادم بداية الفصل التشريعي ولن يوافق عليها المجلس قبل نهاية يناير من العام القادم.