أدى تجنب الحزب الوطني الحاكم الإعلان عن تعديلات دستورية محددة في مؤتمره السنوي الأخير، إلى إطلاق العديد من القوى السياسية المعارضة لعدد من المبادرات لمواجهة حالة "الانسداد السياسي" التي تمر بها البلاد. ومن بين هذه المبادرات إعداد دستور بديل للدستور الحالي والدعوة لإعلان تحالف جديد يشمل كافة القوى الوطنية الفاعلة بحيث يعلن نفسه حزبا من طرف واحد دون انتظار موافقة السلطات.
وتواترت هذه المبادرات عقب الخطاب الذي ألقاه الرئيس حسني مبارك في ختام المؤتمر الرابع للحزب الوطني الخميس 21-9-2006، وخلا من الإشارة للتعديلات الدستورية التي أعلن الحزب عن عزمه على إجرائها في 2007 في وقت كانت فيه القوى السياسية الأخرى قد شكلت لجانا لبلورة رؤيتها بشأن تعديل الدستور بناء على طلب الحزب الوطني نفسه.
واعتبر مراقبون أن تجاهل الرئيس ذكر النصوص التي سيتقدم بها لتعديل الدستور، وتركيزه بدلا من ذلك على تطوير الأداء الاقتصادي عن طريق التوسع في بيع أصول شركات القطاع العام، يؤشر على أن التعديلات ستكون "شكلية وهزلية" ولن تخدم الإصلاح السياسي الذي تطالب به المعارضة.
وقالت مصادر سياسية عليمة بأن مؤشرات دالة تتضح في خطاب الرئيس مبارك الأخير من بينها أنه: "لن يتخلى عن السلطات المطلقة التي يخولها له الدستور الحالي" وتحديدا في المادة 77 منه، رغم إعلانه بشكل عام أن التعديلات المرتقبة سيتعلق بعضها بصلاحيات رئيس الجمهورية. وألمحت شخصيات حزبية إلى أن "مبارك يعتبر الإصلاحات الدستورية من الأسرار الحربية ويريد أن يفجرها في الوقت الذي يناسبه كما فعل العام الماضي"، عند إعلانه عن رغبته في تعديل المادة 76 من الدستور بما يسمح نظريا لأكثر من مرشح بالتقدم لانتخابات رئاسة الجمهورية. وتضمنت شروط الترشح ما اعتبرته المعارضة "قيودا تعجيزية" تحجم المنافسة لمرشح الحزب الحاكم.
وقال أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب "الوسط" بأن "ترحيل المشاكل السياسية وتقديم الإصلاح الاقتصادي كبديل أفضل للمواطنين يؤشر على أن التعديلات الدستورية ستكون نحو الاتجاه السلبي مثلما حدث عند تعديل المادة 76 من الدستور".
أما د.محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين فأشار إلى أن تركيز الرئيس على الجانب الاقتصادي في كلمته الختامية لمؤتمر الوطني "جاء متناغما مع ما أحدثه الحزب الحاكم من انسداد سياسي في البلاد أدى إلى تخلف علمي وتقني وإخفاقات في التعامل مع المشكلات الحياتية اليومية للمواطن".
ويرى عبد الله الأشعل الخبير السياسي أن عدم الإعلان عن تعديل المادة 76 وبعض المواد الأخرى بما يخفف القيود على الترشح للرئاسة يشير إلى أن فكرة التوريث مازالت قائمة رغم نفي الرئيس ونجله جمال لذلك".
وفسر الدكتور أحمد ثابت أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عدم الإعلان عن التعديلات الدستورية في مؤتمر الحزب الحاكم بأن ذلك يعني أنها ستكون "تعديلات شكلية وهزلية تتعلق بحق الوزراء في تعيين بعض معاونيهم فقط وستقدم على أنها تعديلات لتوسيع صلاحيات الحكومة على حساب الرئيس، كما أنها لن تسمح لنواب البرلمان بحق تعديل الميزانية أو إقالة الحكومة دون الرجوع للرئيس ذاته".
وبموازاة سياسة الغموض الحكومية بشأن التعديلات الدستورية فقد حمل خطاب مبارك توجها نحو تسريع عملية الخصخصة مجددا.
وقال مبارك في خطابه: "لدينا ثروة ضخمة مملوكة للشعب، حان الوقت لإعادة توظيفها لصالحه، وتوجيه حصيلتها للاحتياجات الاجتماعية لفقرائه وفئاته الأولى بالرعاية وطبقته المتوسطة. وأضاف: "ويتعين على الحكومة أن تمضي في ذلك دون تردد".
وكشف مصدر مقرب من الحكومة أن الحكومة تعتزم بيع شركات عامة بمبلغ 13.5 مليار جنيه (2.3 مليار دولار) خلال الأشهر المقبلة لتمويل مشروعات مرفق السكة الحديد والطرق والمدارس والصرف الصحي والمياه والمساهمة في دعم بعض السلع الحيوية.
وكان برنامج الخصخصة قد تعطل خلال 18 شهرا مضت على خلفية ظهور شكوك واسعة في صحة عمليات البيع قانونا لبعض الشركات.
وبحسب تقرير وزارة التنمية الاقتصادية الصادر في يوليو 2007 فإن الدين العام المحلي زاد في العام المالي 2006-2007 إلى 511 مليار جنيه (96.5 مليار دولار تقريبا)، بينما وصل الدين الأجنبي إلى نحو 31 مليار دولار في الوقت الذي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 664.2 مليار جنيه (116.5 مليار دولار). وتعاني الموازنة العامة الحالية 2006-2007 من اختلال هيكلي مزمن وعجز صافي يقدر بنحو 53.4 مليار جنيه (8.5 مليار دولار).
وفي مواجهة حالة "الانسداد السياسي" الحالية، أطلقت الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) خلال مؤتمرها السنوي الثالث الخميس 21-9-2006 مبادرة وطنية.
وتحدث عبد الحليم قنديل المتحدث الرسمي باسم كفاية عن المبادرة قائلا بأنها "تتضمن تكوين تحالف وطني واسع من أجل جمهورية ديمقراطية، بحيث يعلن عن نفسه كحزب سياسي من طرف واحد دون أخذ الإذن من لجنة الأحزاب التي يرأسها الأمين العام للحزب الوطني الحاكم" صفوت الشريف.
وأضاف: "تدعو المبادرة أيضا إلى اختيار أحد رموز القضاء الحر لتولي منصب رئيس الجمهورية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر".
وطبقا للمبادرة، فإن التحالف الجديد سيدعو إلى مظاهرة كبرى تتألف من نحو 100 ألف ناشط سياسي في ميدان التحرير وسط العاصمة للضغط على النظام من أجل التغيير الديمقراطي.
بدوره، قرر د.أسامة الغزالي حرب أحد مؤسسي حزب الجبهة الديمقراطية الليبرالية (تحت التأسيس) الدعوة إلى سن دستور جديد وطرحه على الرأي العام. وعزا حربٌ ذلك إلى "أن هناك فراغا سياسيا كبيرا لا يمكن أن يملأ إلا بعمل سياسي حقيقي".
وشدد القيادي السابق في الحزب الوطني الحاكم على "الحاجة الملحة لتكوين أحزاب سياسية حقيقية لأن الحزب الوطني ليس حزبا والإخوان المسلمون (أبرز تنظيم معارض في مصر) محرومون من تكوين حزب".
وأشار حرب إلى أن "مصر تشهد بشكل لم يحدث من قبل قلقا من مستقبل مجهول تعد فيه سيناريوهات لا نعلم من يعدها في الخفاء".
وأعد بدوره المركز العربي لاستقلال القضاء مشروعا أوليا للتعديل الدستوري يشارك فيه نخبة من السياسيين المستقلين ورجال الأحزاب وفقهاء القانون الدستوري ل"إعادة النظر كلية في الفلسفة التي يقوم عليها الدستور المصري".
وأشار ناصر أمين الأمين العام للمركز إلى أن "التعديلات المقترحة ستعمل على إنهاء شكل السلطة الأبوية وإيجاد توازن حقيقي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ووضع صياغة فنية سليمة للدستور المصري".