هيئة الدواء: نحرص على توفير الأدوية بالسعر العادل (فيديو)    ضياء رشوان: كل السيناريوهات لدى مصر موجودة لحماية الأمن القومي    عمر مرموش يجري جراحة إصبع اليد بنجاح، وهذه فترة غيابه    كاميرات المراقبة تكذب فيديو ل شخص زعم استبدال أمواله بمطار القاهرة    تصرف غريب من أحمد الفيشاوي في العرض الخاص لفيلم بنقدر ظروفك ( فيديو)    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    أزهري: ليس من حق الآباء إجبار بناتهم على ارتداء الحجاب    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    امتدت لساعة.. قرارات مثيرة بعد جلسة الخطيب وجمال علام (تفاصيل)    المصري يفوز على النصر القاهري بهدفين لهدف وديا استعدادا لمودرن فيوتشر    خصومات تصل حتى 65% على المكيفات.. عروض خاصة نون السعودية    تكثيف المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة بالفيوم.. «إحصاء وإنجليزي»    البحوث الفلكية: الأحد 16 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    رفقة سليمان عيد.. كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره كواليس «البيت بيتي 2»    الأعلى لشئون الإسلام وقيادات الإعلام يتوافقون على ضوابط تصوير الجنازات    رئيس البرلمان العربي يشيد بتجربة الأردن في التعليم    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    هل وصل متحور كورونا الجديد FLiRT لمصر؟ المصل واللقاح تجيب (فيديو)    تأثير استخدام مكيفات الهواء على الصحة.. توازن بين الراحة والمخاطر    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    رئيس الوزراء يتابع موقف منظومة رد الأعباء التصديرية    لست وحدك يا موتا.. تقرير: يوفنتوس يستهدف التعاقد مع كالافيوري    عاجل| أسوشيتد برس تعلن تعليق إسرائيل خدمات الوكالة في غزة    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    "سيارة الغلابة".. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيه (صور)    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    التصفيات الآسيوية.. "الأبيض" يلتقي نظيره البحريني    ب ممارسات حاطة بالكرامة والتقييد.. شهادات توثق تعذيب الاحتلال ل معتقلي غزة (تقرير)    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    في اليوم العالمي للشاي.. طريقة تحضير «بسكويت الماتشا» في المنزل    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    روسيا تفشل في إصدار قرار أممي لوقف سباق التسلح في الفضاء    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 21-5-2024 في الدوري المصري والبطولات العالمية    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    شبانة: مندهش من الأحداث التي صاحبت مراسم تتويج الزمالك    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    استعدادات وترقب لقدوم عيد الأضحى المبارك 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البابا لم يعتذر.. والمطلوب أن نفهم!!
نشر في الشعب يوم 23 - 09 - 2006


أد : يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com

http://www.yehia-hashem.netfirms.com

تعرض الإسلام أخيرا – كما هو معروف على أوسع نطاق - في شريعته للجهاد للاتهام ب " الشرير واللاإنسانية والانتشار بالسيف "

جاء ذلك في تصريح البابا بنديك - بابا الكنيسة الكاثوليكية بروما في محاضرة أكاديمية له في 1292006 أثناء زيارته الأخيرة لألمانيا ألقاها في جامعة ريجينسبورج بولاية بافاريا الألمانية كان عنوانها: "الإيمان والعقل والجامعة ذكريات وانعكاسات"، ودار مضمونها حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية في العلاقة التي يقيمها كل منهما بين الإيمان والعقل والعنف.

بدأ البابا المحاضرة باجترار للذكريات التي عايشها أثناء مرحلة الدراسة والعمل بالجامعات الألمانية ...

ثم انتقل للحديث عن العلاقة بين العقل والعنف في الديانة الإسلامية والاختلاف في هذا الصدد بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، واستشهد بهذه المناسبة بكتاب يفترض أنه للإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350-1425) وفي هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "حوارات مع مسلم المناظرة السابعة"، وقدمه ونشره في الستينيات عالم اللاهوت الألماني اللبناني الأصل تيودور خوري من جامعة مونستر،.. يعرض الإمبراطور حوارا أجراه بين 1394 و1402 على الأرجح مع علامة فارسي مسلم مجهول.

وقد جاء هذا الاتهام عندما طرح الامبراطور على نحو مفاجئ على محاوره(...) سؤالا مركزيا – في نظر البابا بنديك - عن العلاقة بين الدين والعنف بصورة عامة حيث قال الامبراطور البيزنطي متحديا محاوره المسلم "المجهول " : أرني شيئا جديدا أتى به محمد ؟!! ، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف" )

وقد أقامت هذه المحاضرة - وهذا النص الامبراطوري بالذات - العالم الإسلامي ضد البابا على جميع المستويات الشعبية والدينية والسياسية والثقافية ، مما اضطره إلى أن يصرح فيما بعد فيما نقلته الصحف في صباح الإثنين 1892006 بقوله : " أشعر بأسي شديد لردود الفعل التي أثارها مقطع قصير من محاضرتي واعتبر مسيئا لمشاعر المسلمين في حين انه كان اقتباسا من نص يرجع الي العصور الوسطي ولا يعبر بأي شكل عن رأيي الشخصي«. وكان قد صرح بمثل هذا " الأسف" يوم 1692006 ، كما سبقته بمثل هذا التصرح أيضا المستشارة الألمانية في 1592006

ومن الظاهر لنا بعد قراءة نص المحاضرة التي سنورد مقتطفات نصية منها أن محاضرة البابا وقد جاءت كطلقة مدفع " تعاونية " في جيوش الحرب الصليبية التي أعلنها هذه المرة أبو جهل العصر في حربه على ما يسمى الإرهاب ( الإسلام ) ردا في زعمه وزعم من يقف خلفه على حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ... فإنها ومن جهة أخرى قد جاءت كطلقة مدفع ملوثة في جيش الحرب الصليبية التي أعلنها المبشرون منذ ظهور الإسلام .

ومن الواضح لدينا من قراءة نص ما يسمى " اعتذاراالبابا " أنه لم يعتذر أو يتأسف ، ولكنه أضاف إلى شتم ديننا أن وصفنا بالغباء

ليس ما نسبه البابا أخيرا إلى الإسلام من طعن وهجوم - مما سنقدمه بنصه - صادرا كما يروج له أتباعه ومريدوه من سوء فهم المنتقدين له ، وما صرح هو به مما يشبه الأسف بعد ذلك لا يعدو أن يكون صياغة دبلوماسية تضيف إلى خطيئة البابا في الإساءة للإسلام خطيئة اتهامه للمسلمين – بعد اتهام دينهم – بسوء الفهم ، وهو محض اتهام استعلائي موجه لجميع المحتجين والمنتقدين على مستوى المسئولين : بدءا من رؤساء المجالس النيابية ووزراء الخارجية والمجامع العلمية والمعنيين في أعلى القيادات من المؤسسات الدينية ، والسياسية والدبلوماسية ، والعلمية ، والشعبية ، في جميع البلاد الإسلامية تقريبا .

وهو اتهام يمس حتى ما كتبته صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية عدد يوم السبت 16 سبتمبر 2006م مطالبة البابا باعتذار وصفته بأنه يجب أن يكون "عميقاً ومقنعا" وعقبت قائلة في نفس الافتتاحية: "إن العالم يستمع باهتمام لكلمات أي بابا .. وإنه من الخطير والمؤلم أن ينشر أحد ما الألم سواء عامداًَ أو غير مكترث.. إن البابا بحاجة إلى أن يقدم اعتذاراً عميقاً ومقنعاً ليبين أن الكلمات يمكن أيضا أن تشفي الجراح )

هذا إن لم يكن هذا الاعتذار منطويا على اتهام للبابا نفسه بالعجز عن سلامة التعبير– وهو من هو في موقعه المرموق كمسئول عن كلمته دينيا وسياسيا وثقافيا وإعلاميا

وعلى كل حال فإذا كان المنتقدون قد أساءوا الفهم فلم لم يتبرع المدافعون بتقديم الفهم الصحيح شرط أن يكون متفقا مع ما تم النطق به وإلا انتقلنا من ضلال إلى تضليل

إنه لمن المستهجن أن يلجأ الفاتيكان إلى اعتذار استعلائي بسوء الفهم يجرى العمل على قبوله عادة في المجال السياسي عند من هم على استعداد لقبول الاعتذار أيا كان، ولوكان كاذبا لأسباب مكيافيلية بحتة لكنه غير مقبول قطعا في مجال النقاش الاكاديمي أو شبه الأكاديمي في علاقات الأديان وبين علمائها وجماهيرها المتطلعة لكلمة حق وصدق .

وإنه لمن باب التمويه أن يتبرع بعضهم باعتذار استعلائي آخر بسوء فهم المنتقدين انطلاقا من ادعائهم بأن البابا لم يكن بصدد المقارنة بين الإسلام والمسيحية ، وإنما كان يقارن بين تيار مسيحي معين يتبناه البابا – جدلا - وتيار آخر في ساحة الفكر الإسلامي : ذلك أننا ننتقل هنا إلى اتهام غير مقصود للبابا بتضليل السامعين إذ يقارن بين اتجاه خاص أو شاذ في المسيحية باتجاه خاص أو شاذ في الإسلام دون أن يعلن عن أيهما بينما هو افتراضا يعلن عما يعلن في ساحة أكاديمية في وسط علمي عالمي مفتوح .

كما أنه من التمويه الأكثر سخافة أن يدعي بعضهم أن البابا إنما كان مقتبسا لعبارة لامبراطور بيزنطي بائد في صدد طعن الإسلام بالسوء والعنف ، إذ من الواضح ان البابا وهو في موقع المسئولية العليا كان من الطبيعي أن يعلق على ما اقتبسه لولم يكن في محل الموافقة منه ، وهذا يدركه البابا كما يدركه أصغر طالب باحث في مستوى طلبة الدراسات العليا .

وكما يقول الأستاذ نبيل شبيب - نقلا عن موقع إسلام أون لا ين 1992006 - : ( يوجد من ألف الكتب في جمع مقولات كبار المفكرين والفلاسفة ورجال السلطة في ألمانيا نفسها، وفي الغرب عموما -مثل توينبي أو تولستوي- ممن أدلوا بدلوهم في إنصاف الإسلام وإنكار ما نشرت الحقبة الصليبية في القرون الوسطى عنه من أقاويل.

ومن هؤلاء القيصر الألماني فيلهلم الثاني الذي عبر خلال زيارة له في فلسطين عن تقديره للإسلام بمقولة مشهورة لدى الألمان والمسلمين، والأديب الألماني يوهانس فولفغانغ غوته الذي كتب عن الإسلام ما اشتهر عنه لاحقا بأنه يتضمن احتمال - أو شبهة - أنه أسلم.)

ونضيف على سبيل المثال ما كتبه المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد عن انتشار الإسلام سلميا في كتابه " الدعوة إلى الإسلام " وما كتبه مونتجومري وات في كتابه " الحضارة العربية عن عقدة أوربا في إسقاطاتها على الإسلام ، وما كتبه توماس كارليل في كتابه " الأبطال " في صدقية محمد صلى الله عليه وسلم ، , وإتيين دينيه " المستشرق الفرنسي في كنابه محمد رسول الله ، وجوستاف لوبون المستشرق الفرنسي في كتابه " حضارة العرب " وزيجفريد هونكة المستشرقة الألمانية في كتابها " شمس الإسلام تسطع على الغرب "ولورافيشيا فاغليري في كتابها " دفاع عن الإسلام " ، أو لوثروب ستودوارد في كتابه " حاضر العالم الإسلامي " إلخ ، وكما يقول بعض اساتذتنا الكبار : إنه ما من نقيصة نسبها مستشرق للإسلام إلا ورد عليها مستشرق " منافس " في سياق دراسته للإسلام وإن لم تكن منصفة بوجه عام

فلماذا ينتقي أستاذ تاريخ "الإملاءات العقدية/ الدوغماتية" الكنسية سابقا، وبابا الكنيسة الكاثوليكية لاحقا، - كما يقول الأستاذ نبيل شبيب - : ( عبارة من أسوأ ما قيل عن الإسلام في الغرب، دون سواها، ودون أن يفندها، أو أن يقول إنه لا يتبناها، في استشهاد أورده في محاضرة خصصها للحديث عن العلاقة بين العقل والدين وبين العنف والحوار؟ )

كذلك فإنه ليس مقبولا القول بأن ما صدر عن البابا كان عن جهل منه بالإسلام – وهو المتخصص أستاذية والمتخصص كنسيا - مهما يكن غرض من يشيعون هذا القول : حيث يشيعه بعض من يشتمونه بوصف الجهل في صراحة ، ويشيعه بعض من يعتذرون عن البابا في خبث ، إذ يحيلون المسئولية عن هذا الجهل – في سذاجة واستعذاب لجلد الذات ونفور من إدانة الأسياد - على المسلمين الذين " لم يعرضوا الإسلام الصحيح على البابا وأتباعه عرضا صحيحا "

كلا : لا هذا ولا هذا ولا هذا ولا ذاك - إنه ليس إلا التعصب ضد الإسلام كما ذكر ذلك الزميل الأستاذ الدكتور عبد المعطي بيومي بحق في تصريح له لجزيرة الجزيرة بتاريخ 1692006

فماذا يطلب البابا من المسلمين ؟

وما ذا يطلب المسلمون من البابا ؟

ربما يطلب البابا من المسلمين ما لم يعلن عنه ، ولسنا بصدد التكهن بما يريد ، أما ما أعلن عنه فهو أن نفهم ، ونحن نطمئن الباب إلى أن لنا تاريخا عريقا في فهم ما يلقى إلينا من مثل ما صرح به ، وقد يكون اطمئنانه إلى ذلك هو مصدر قلق حقيقي .

أما عما يطلبه المسلمومن البابا ففي تقديري أن لا شيء

ليس المطلوب أسفا ، ولااعتذارا ولا تراجعا ولا التقاء صحفيا أو تليفزيونيا أو فندقيا ، ، ولا حوار احتفالات ولا تبويس لحى ، ولا سحب أقوال شائنة ، ولا تسجيل نقاط متبخرة ... فالإناء نضح بما فيه ، وسوف يستمر ينضح بما فيه و مطلوب منا نحن المسلمين : أن نفهم ، نحن على درجة السلم الأولى ، أن نفهم من نحن ، ومن هم ، أن نرجع إلى ذواتنا ، وأن نفهم أننا نتعرض لمرحلة متجددة جديدة قديمة من مراحل سخط العدو وعدوانه الاستئصالي الشرس ، وأن نفهم أخيرا أن وجودنا مرتبط بما ارتبطنا به منذا البداية : الجهاد بجميع مراتبه

إننا اليوم أمام صفحة جديدة من كتاب أسود من معارك المبشرين ضد الإسلام متحالفين مع اليهود والعلمانيين والسلطان وجيوش السلطان : مستقوين بضعفنا التاريخي واستبدالنا الدنيا بالآخرة -

إن افتراءات البابا " بنديك " في محاضرته عن الإسلام ليست هي البداية ولن تكون هي النهاية

وخلاصة محاضرة البابا التعسة أن ارتباط العنف بالدين الإسلامي يأتي مخالفا لمنطق العقل فيما ينبغي أن يكون عليه الدين (في نموذجه في المسيحية ) ، محاولا تقديم المعادلة الآتية :

الارتباط بين الدين والعنف – كما هو الحال في الإسلام حسب زعمه - يعني انفصاله عن العقل ، و انفصال الدين عن العقل يعني انفصاله عن الألوهية ، وهذه هي نظرية البابا أو عقيدته التي عبر عنها في محاضرته بصرف النظر عن جدوى أو عدم جدوى أو صحة أو عدم صحة اقتباسه عن الإمبراطور البيزنطي ما نويل - في العصور الوسطى - تلك التي انطلق منها في محاضرته والتي يمكنه أن يتملص منها دون أن تتأثر نظريته في شيء ، الأمر الذي يهدم اعتذاراته التي يسوقها للمسلمين بدعوى أنها اقتباسات لا تعبر عن رأيه الخاص نقول بيقين : إنه إن لم يتخل عن النظرية نفسها – وهو لن يتخلى مهما كانت الضغوط - فإنها تظل قائمة برغم تخليه عن هذا الاقتباس ، وبرغم ما قد يبديه من أسف أو اعتذار .



وتفصيلا في التدليل على ذلك فقد جاء في النص الكامل لمحاضرة البابا - نقلا عن إسلام أون لاين ، وجريدة الشعب في 152006 بعنوان ( العلاقة بين العقل والعنف في الإسلام والمسيحية) جاء قول البابا :

"( قرأت منذ فترة وجيزة جزءا من حوار نشره البروفيسير تيودور خوري، من جامعة مونستر، جرى بين الإمبراطور البيزنطي العالم مانويل الثاني ومثقف فارسي حول المسيحية والإسلام وحقيقة كل منهما خلال إقامته بالمعسكر الشتوي بالقرب من أنقره عام 1391".)



ثم يقول : ( - "إن الحوار تناول كل ما يتعلق بشرح بنيان العقيدة حسبما ورد بالكتاب المقدس والقرآن، وركز الحوار بصفة خاصة على صورة الرب وصورة الإنسان، أو على العلاقة بين ما نسميه الشرائع الثلاثة أو نظم الحياة الثلاثة، ألا وهي العهد القديم والعهد الجديد والقرآن".



- "في هذه المحاضرة لا أريد أن أناقش هذه القضية، ولكن أريد التطرق لنقطة واحدة فقط هامشية نسبيا وشغلتني في كل هذا الحوار وتتعلق بموضوع الإيمان والعقل، وهذه النقطة تمثل نقطة الانطلاق لتأملاتي حول هذا الموضوع".



- "ففي جولة الحوار السابعة كما أوردها البروفيسير خوري تناول الإمبراطور موضوع الجهاد، أي الحرب المقدسة. "

- ثم يقول البابا فيما يعتبر دعما لكلام الامبراطور لا اقتباسا محايدا ( من المؤكد أن الإمبراطور كان على علم بأن الآية 256 من السورة الثانية بالقرآن (سورة البقرة) تقول: لا إكراه في الدين.. إنها من أوائل السور، كما يقول لنا العارفون، وتعود للحقبة التي لم يكن لمحمد فيها سلطة ويخضع لتهديدات. ولكن الإمبراطور من المؤكد أيضا أنه كان على دراية بما ورد، في مرحلة لاحقة، في القرآن حول الحرب المقدسة".

- فهو يقف مع الامبراطور في موقفه من آية " لا إكراه في الدين " في أنها لا تدل على توجه الإسلام للسلام ، لكونها إنما جاءت في فترة ضعف محمد صلى الله عليه وسلم ، أما في مرحلة لاحقة فقد أخذ ينشر إسلامه " بالحرب المقدسة " والبابا يعلن في هذا النص أنه يستنتج معرفة الامبراطور بذلك !! !!



وفضلا عن كونه اقتباسا داعما حيث لم يتعرض له المحاضر بنقد أو مناقشة - فقد تبرع بما أضافه من معلومات خاطئة عن الآية بتبرير ما جاء في استنتاجه نيابة عن الامبراطور ، تبريرا يدل على تبني المقتبس لما اقتبسه أولا ، وتبريرا لما استنتجه بالنيابة عن الامبراطور ثانيا ، وهو في الوقت نفسه تبرير مضلل أو كاذب إذ أن هذه الآية - كما يقرر العارفون حقا إنما جاءت في المرحلة المدنية وبعد غزوة بني النضير أي بعد أن كان لمحمد صلى الله عليه وسلم دولة وسلطان في المدينة المنورة بخاصة والجزيرة العربية عامة لا كما زعم من أن هذه الآية ألغيت أو نسخت بعد أن كان لمحمد صلى الله عليه وسلم دولة وسلطان ، حسب تفسير البابا لكلام الامبراطور ، الأمر الذي يؤكد كذب البابا في زعمه في تصريح له بتاريخ 1792006 أن هذا الذي جاء بمحاضرته " كان اقتباسا لا يعبر بأي طريقة عن أفكاره الخاصة "



ثم يقول البابا فيما ينقله عن الامبراطور مما يعتبر سبا علنيا لا يعذر ناقله :

( "وبدون أن يتوقف عن التفاصيل، في معاملة (الإسلام) للمؤمنين وأهل الكتاب والكفار، طرح الإمبراطور على نحو مفاجئ على محاوره(...) السؤال المركزي بالنسبة لنا عن العلاقة بين الدين والعنف بصورة عامة. فقال: أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف" )

وهذا اتهام خبيث تعمد فيه البابا الناقل أن يورد التهمة باعتبار انها تمثل " السؤال المركزي بالنسبة له عن العلاقة بين الدين والعنف بصورة عامة " – حسب تعبيره - دون أن يذكر رد محاوره المسلم الفارسي الذ ي كأنه خيال محض أو مستمع أخرس لا يكاد ينطق بحرف , فهل بعد ذلك كله يستقيم للبابا أن يختبئ وراء الامبراطور بمقولة " كان اقتباسا لا يعبر بأي طريقة عن أفكاري الخاصة "



ولم يقتصر أمر الاقتباس على هذا السب " شرير ولا إنساني " ، كما لم تأت العلاقة بين الدين والعقل استطرادا في كلام البابا أوكلام الامبراطور ، ولكنها جاءت في صميم استدلاله على أن دينا عنيفا لايمكن أن يكون من الله إذ يقول البابا في سياق اندماجه مع رأي الامبراطور : (الإمبراطور يفسر بعد ذلك بالتفصيل لماذا يعتبر نشر الدين عن طريق العنف أمرا منافيا للعقل. فعنف كهذا يتعارض مع طبيعة الله وطبيعة الروح. فالرب لا يحب الدم والعمل بشكل غير عقلاني مخالف لطبيعة الله، والإيمان هو ثمرة الروح وليس الجسد؛ لذا من يريد حمل أحد على الإيمان يجب أن يكون قادرا على التحدث بشكل جيد والتفكير بشكل سليم وليس على العنف والتهديد.. لإقناع روح عاقلة لا نحتاج إلى ذراع أو سلاح ولا أي وسيلة يمكن أن تهدد أحدا بالقتل")

ولسنا عند هذه النقطة بصدد مناقشة البابا في عقيدته ، فليعتقد ما شاء ، أو في شهادته فليشهد بما شاء ، ولكنا الان بصدد بيان تهجمه على الإسلام علنا من مركزه البابوي المسئول يستحق أن يتم كشفه من مركز إسلامي مسئول علنا أيضا ، دون أن يسعفه الاعتذار الكاذب أو التخفي المكشوف وراء اقتباسات ، وإن تكن اقتباسات امبراطورية مجتزئة ، إذ يقول شارحا ومؤيدا ما نقله عن الامبراطور البيزنطي مع هوامش منسوبة جهلا إلى الإسلام :

يقول البابا : ( الجملة الفاصلة في هذه المحاجة ضد نشر الدين بالعنف – لا حظ هذا كلام البابا نفسه - هي: العمل بشكل مناف للعقل مناف لطبيعة الرب، وقد علق المحرر تيودور خوري على هذه الجملة بالقول: بالنسبة للإمبراطور وهو بيزنطي تعلم من الفلسفة الإغريقية، هذه المقولة واضحة : في المقابل، بالنسبة للعقيدة الإسلامية، الرب ..إرادته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل".)

- وعند هذه النقطة فقد فصل البابا في محاضرته بشكل جازم بين ارتباط الدين بالعنف من جهة وبين العقل والألوهية من جهة أخرى ، إذ أن " نشر الدين بالعنف: عمل مناف للعقل مناف لطبيعة الرب " كما قال ، وبعبارة أخرى قرر أن قيام الدين على العنف دليل واضح على بطلان نسبته إلى الله والعقل معا

- النتيجة إذن في كلام البابا نفسه مستقلا بنفسه ومستقلا بامبراطوريته الرومانية الفاتيكانية عن الامبراطور البيزنطي البائد : أن الإسلام غيرمرتبط بالرب لأنه غير مرتبط بالعقل لأنه مرتبط بالعنف .

- ولاشك أن هذا التفسير رسالة موجهة لتأييد ابو جهل العصري في حربه العالمية ضد الإسلام مما يعتبر ردا واضحا على تساؤل مؤداه : لماذا الآن ؟

- وكلام البابا إن صح جدلا في تبشيره بالمسيحية – القائمة على الربوبية والعقل المنفصلة عن العنف حسب زعم البابا - - فإنه يكون معبرا عن تيار شاذ في عقلانيته ثاو في فكر البابا نفسه وطائفة خفية من العقلانيين من مدرسته المجهولة ، الذين إن تمسكوا بعقلانيتهم إلى النهاية فلا بد من خروجهم في النهاية من المسيحية نفسها ، كما أنه لا يعبر عن مسار المسيحية التاريخي العريض في تتويجها لأكثر الحروب دموية في التاريخ ، في أوربا وآسيا وأمريكا ، ولا في استمساكها الرئيس بما لايعقل عن التثليث والصلب والفداء وكبائر الأنبياء :

وكما يقول الأستاذ هاني السباعي في موقعه على الإنترنيت : ( فأي عقول لكم يا بنديكت وأنتم تؤمنون بزنا نبي الله لوط عليه السلام مع ابنتيه ، بعد شرب معهما الخمر؟! ...

أين ذهب عقلك يا بنديكت! وأنت تؤمن أن نبي الله يعقوب يصارع الله!! كما ورد في سفر التكوين الإصحاح الثاني والثلاثين )



كما أنه لا يعبر عن مسار المسيحية التاريخي العريض في تتويجها لأكثر الحروب دموية في التاريخ وضحاياها يفوق المائة مليون ، في أوربا وآسيا وأمريكا وأفريقيا والهنود الحمر ، ، ولا في استمساكها الرئيس بما لايعقل في التثليث والصلب والفداء بل إنه لا يعبر عن عقيدة الكنيسة الكاثوليكية ( الفاتيكان ) التي يجلس البابا اليوم على عرشها والتي أعلنت الحرب الصليبية على الإسلام من عقر دارها



بل إنه لا يعبر عن راي مارتن لوثر الألماني زعيم المسيحية البروتستانتية الأكثر شهرة في مجال ادعاء العقلانية المسيحية : ( وهو يهاجم ملكة العقل ، مرعدا في التنديد بها واصفا إياها بأنها ( تلك المجنونة الصغيرة الحمقاء عروس الشيطان السيدة العقل ألد أعداء الله !! ) وهو يقول أيضا : ( نحن نعرف أن ملكة العقل من الشيطان لا تفعل سوى التشهير والأذى ، في كل ما يقوله الله ويفعله .. تمسك إذن بالوحي الإلهي ولا تحاول الفهم " ) نقلا عن " تكوين العقل الحديث لهرمان راندال ج 1 ص 255-257

أو كما يقول بيير بايل فيلسوف التنوير الفرنسي ت 1706 : ( لا تحاولوا أن تفهموا الأسرار .. ولا تحاولوا أن تخففوا من ظاهر استحالتها .. اعتقدوا كمسيحيين ولكن امنتعوا عن الاعتقاد كفلاسفة ) ويقول لللاهوتيين المعتمدين على العقل : ( ستضطرون إلى الرجوع للسبب الأول الذي تعتمدون عليه : التقليد والسلطة ، وأفضل استعمال للعقل قي هذه الحالة هو ألا يستعمل العقل ) المصدر السابق

- إيه رأيك ؟

-

- ثم يتطرق البابا - وهو بصدد الانتقال إلى الإسلام - إلى مقارنة هذه الفكرة البيزنطية التي نقلها عن الإمبراطور بفكرة مقحمة على الإسلام في مساره التاريخي العريض . إنه يلجا إلى الاستشهاد بما زعم أنه مذهب ابن حزم الظاهري وذلك إذ يستشهد بما نقله من مصدر ثانوي عن (تيودور) خوري في هذا الشأن عن كتاب للعالم الفرنسي المتخصص في الدراسات الإسلامية (روجيه) ارنالديز (توفي في إبريل الماضي) الذي قال إن ابن حزم (الفقيه الذي عاش في القرنين العاشر والحادي عشر) ذهب في تفسيره إلى حد القول إن الله ليس لزاما عليه أن يتمسك حتى بكلمته، ولا شيء يلزمه على أن يطلعنا على الحقيقة. ويمكن للإنسان إذا رغب أن يعبد الأوثان".

- خليط استشراقي مشوش من أقاويل مكذوبة على ابن حزم لا تأتي في محاضرة أكاديمية ملتزمة

- وإذا كان البابا ومن نقل عنه من المستشرقين والمبشرين يكذبون على ابن حزم في نسبتهم إليه إجازة أن يعبد الإنسان ألأوثان إذا رغب في ذلك ، اللهم إلا أن يكون إشارة إلى اختيار مسئول مختتم بالجزاء ، وإلا فهو قول لايصدر من عاقل ولا عن مسلم فضلا عن إمام جليل كابن حزم – فهم يكذبون على ابن حزم مرة أخرى في قولهم إنه يرى أن الله ليس ملتزما بكلمته حيث حرفوا قوله ثم انحرفوا في فهمه فلم يفرقوا بين الالتزام الذاتي ، والإلزام الوارد من خارج ، وابن حزم وكل مسلم يحفظ عن الله قوله في الالتزام الذاتي : ( كتب على نفسه الرحمة ) 12 البقرة ، ( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ) 54 البقرة ، وهو التزام راجع إلى اتصاف الله تعالى بالكمال ، ومن الكمال الحكمة فكان من أسمائه الحسنى "الحكيم " ، لافرق في ذلك بين المعتزلة وغيرهم في غير المصطلحات .



ويبدو أن من أسباب تورط البابا فيما تورط فيه استسلامه لأقاويل تقليدية غامضة - غير ملزمة في منهج النقد - في الفلسفة اليونانية التي كانت تنظر – فيما رواه إسكندر الأفروديسي في شرحه لأرسطو– إلى العقل باعتباره إلها أو شبه إله ، لا باعتباره عقلا بشريا وإذن فهو الشرك مرة أخرى.

وكما يقول بعض مؤرخي الفلسفة – الدكتورمحمود قاسم في كتابه " في النفس والعقل عند الفلاسفة الإغريق والإسلام " ص197-202– : ترك أرسطو مشكلة العقل غامضة ، وقد حاول شراحه تفسير هذا الغموض وعلى رأس هؤلاء اسكندر الأفروديسي الذي ذهب إلى أن العقل عند أرسطو " ليس جزءا من أجزاء النفس أو وظيفة من وظائفها بل هو الإله الذي يتمثل في نفوس البشر ويقوم مقامهم في إدراك معاني الأشياء " وإسكندر الإفروديسي هذا هو الذي سوقه لديهم بعض فلاسفة الإسلام ، والذي يقول عنه أبو نصر الفارابي من حكماء المسلمين " لن يكون المرء فيلسوفا إلا إذا كان على رأي الإسكندر

ويقول أميل بوترو الفيلسوف الفرنسي المعاصر في كتابه " العلم والدين في الفلسفة المعاصرة ص 11-12 ( ليس الإله الذي هو العقل تجريدا أو استدلالا بحتا ، إنه رئيس الطبيعة ، إنه الملك الذي يحكم جميع الأشياء )

واستمر تسويق فلسفة أرسطو في العقل بيد الفارابي الذي جعله فيضا من العقل الفعال ، فيضا من العقل الأول الذي هو الله ، واستمر الأمر على هذا النحو بتسويق ابن سينا حتى جاء ابن رشد فأنزله من مقام الألوهية إلى كونه عقلا بشريا ، مما اعتبر فيما بعد .. الهاوية التي سقط فيها العقل فريسة للاأدريين والإلحاديين والعلمانيين في الغرب منذ بدء عصر النهضة حتى اليوم .

وقد اعتقد كثير ممن لهم اطلاع على أحوال الديانات - وقد يكون البابا متجاهلا لبعضهم - أن المأزق الإلحادي الذي وقع فيه الفكر الأوربي الحديث بصفة خاصة يرجع إلى احتواء الديانة المسيحية على أمور تتعارض مع العقل

ومع التسليم بصحة هذه القضية جزئيا إلا أننا نرى أن عرضها على هذا النحو الساذج يمكن للبعض من أن ينحرف بها إلى ادعاء أن العقل " المستقل " هو ما يجب أن يكون أساسا للدين وهو الذي يحفظه من عوادي الألحاد ، وقد يكون البابا واحدا منهم

والحقيقة أن العقل المستقل أو العقل الإله ليس أقل اندفاعا إلى الإلحاد وارتكاسا فيه من احتواء الدين على بعض الأمور التي يعجز العقل عن قبولها ، وهو الأمر الذي أثبتته تجربة الفكر الإنساني في الفلسفة الأوربية الحديثة

وسوف نخصص جزءا من مقال قادم لبيان حقيقة احترام الإسلام للعقل والعلم ومداه



ورجوعا إلى محاضرة البابا فهو بعد أن يربط بين ثالوث الرب والعقل واللاعنف ، كما في المسيحية حسب زعمه ، ويثبت التناقض بين العنف في الإسلام من جهة والرب والعقل من جهة اخرى حسب زعمه أيضا يضيف قوله : - ( من هذه النقطة يكون الطريق الفاصل بين فهم طبيعة الله وبين التحقيق المتعمق للدين الذي يتحدانا اليوم.) ثم يذهب ليربط بين هذه الفلسفة المسيحية حسب زعمه وبين مفخرة الغرب في الفلسفة اليونانية التي ما عرفوها إلا من طريق الوسائط الإسلامية إذ يقول : ( هناك تناغم عميق ملحوظ بين ما هو إغريقي وبين ما ورد في الكتاب المقدس من تأسيس للإيمان بالرب. أول آية في سفر التكوين، وهي أول آية في الكتاب المقدس ككل استخدمها يوحنا في بداية إنجيله قائلا: في البدء كانت الكلمة. هذه هي الكلمة التي كان الإمبراطور يحتاجها: الرب يتحاور بالكلمة، والكلمة هي عقل وكلمة في نفس الوقت. العقل القابل للخلق ويمكن تناقله، شريطة أن يظل رشدا. يوحنا أهدانا بذلك الكلمة الخاتمة لمفهوم الرب في الكتاب المقدس. ففي البدء كانت الكلمة والكلمة هي الرب. الالتقاء بين الرسالة التي نقلها الكتاب المقدس وبين الفكر الإغريقي لم يكن وليد صدفة. فرؤيا بولس المقدس (...) الذي نظر في وجه مقدونياً وسمعه يدعوه: تعال وساعدنا – هذه الرؤية يجب أن تفسر على أنها تكثيف للتلاقي بين العقيدة التي يشتمل عليها الكتاب المقدس وبين السؤال اليوناني")



ثم ينتقل البابا إلى مزيد من تهجمه وطعنه على الإسلام مختزلا إياه - بقفزات غير منهجية - في ابن حزم

يقول : "هنا يمكن ملاحظة أنه في نهايات العصر الوسيط ظهرت اتجاهات في التفسير الديني تجاوزت التركيبة اليونانية والمسيحية. فتميزت مواقف تقترب مما قاله ابن حزم وتتأسس على صورة تعسف الرب الذي لا يرتبط بحقيقة أو بخير".

فأين إذن هو التخلص من عبارة الامبراطور ؟؟ !!



نقول: للكنيسة أو للبابا أن يختار ما يشاء للتناغم مع الفلسفة اليونانية أوغيرها ولكنا هنا بصدد بيان تناغمه مع كلمات الامبراطور وما اشتملت عليه من هجو للإسلام مما يدحض التبرؤ من تبعاته والاختباء وراء كون عبارته اقتباسا محايدا !!



يقول الدكتور رفيق حبيب بمقاله بالمصريون بتاريخ 1992006 ( ... وما اقتبسه البابا عن الإمبراطور البيزنطي، لم يكن مجرد سرد لرأي لا علاقة له برأي البابا، بل كان استشهادا يعزز ما يريد البابا الوصول له من خلاصة. وأصبحنا في الواقع أمام محاضرة هجومية، ترى أن الإسلام أقل شأنا من المسيحية، وأن المسيحية دين العقل، أما الإسلام فدين لا يعرف العقل )

ثم يستمر البابا " بنديك " في شرح وتأكيد فكرته التي هي فكرة الامبراطور – فيقول :

"العقل الذي يكون فيه الجانب الرباني أصم والدين ينتمي إلى الثقافات الثانوية هو عقل غير صالح لحوار الحضارات. وقد قال مانويل الثاني إنه ليس من العقل ألا يكون التحاور بالكلمة؛ لأن ذلك سيكون معارضا لطبيعة الرب، قال ذلك من خلال منظوره لصورة الرب المسيحية، لمحاوره الفارسي..,,, .)

هذا التعقيب فضلا عن أنه يقفل بابا الحوار مع الإسلام بناء على ما قرره عن الإسلام بصيغة قطعية بقوله : ("العقل الذي يكون فيه الجانب الرباني أصم والدين ينتمي إلى الثقافات الثانوية هو عقل غير صالح لحوار الحضارات ) فإنه صريح في دلالته على توافق معلن مع كلمة الإمبراطور مما لا يترك مجالا لنفاقيات الأسف أو الاعتذار من ثغرة محض الاقتباس

ليس هذا اعتذار من البابا : كافيا أو غير كاف ولكنه أضاف إلى شتم ديننا أن وصفنا بالغباء

فما المطلوب ؟

ماذا يطلب البابا من المسلمين ؟

وما ذا يطلب المسلمون من البابا ؟

ربما يطلب البابا من المسلمين ما لم يعلن عنه ، ولسنا بصدد التكهن بما يريد ، أما ما أعلن عنه فهو أن نفهم ، ونحن نطمئن الباب إلى أن لنا تاريخا عريقا في فهم ما يلقى إلينا من مثل ما صرح به ، وقد يكون اطمئنانه إلى ذلك هو مصدر قلق حقيقي .

أما عما يطلبه المسلمومن البابا ففي تقديري أن لا شيء

ليس المطلوب أسفا ، ولااعتذارا ولا تراجعا ولا التقاء صحفيا أو تليفزيونيا أو فندقيا ، ، ولا حوار احتفالات ولا تبويس لحى ، ولا سحب أقوال شائنة ، ولا تسجيل نقاط متبخرة ... فالإناء نضح بما فيه ، وسوف يستمر ينضح بما فيه و مطلوب منا نحن المسلمين : أن نفهم ، نحن على درجة السلم الأولى ، أن نفهم من نحن ، ومن هم ، أن نرجع إلى ذواتنا ، وأن نفهم أننا نتعرض لمرحلة متجددة جديدة قديمة من مراحل سخط العدو وعدوانه الاستئصالي الشرس ، وأن نفهم أخيرا أن وجودنا مرتبط بما ارتبطنا به منذا البداية : الجهاد بجميع مراتبه

إننا اليوم أمام صفحة جديدة من كتاب أسود من معارك المبشرين ضد الإسلام متحالفين مع اليهود والعلمانيين والسلطان وجيوش السلطان : مستقوين بضعفنا التاريخي واستبدالنا الدنيا بالآخرة -



ليس المطلوب أسفا ، ولااعتذارا ولا تراجعا ولا التقاء صور ، ولا حوار احتفالات ولا سحب الأقوال الشائنة ، ولا تسجيل نقاط في مباراة ... فالإناء نضح بما فيه ، ولسوف ينضح ،بما فيه ولسوف يستمر ينضح بأسوأ ما فيه ، ومن الخير أن يستمر ينضح بما فيه بغير تستر أو غطاء ...

المطلوب مطلوب منا نحن المسلمين : أن نرجع إلى ذواتنا ، وأن نفهم أننا نتعرض لمرحلة متجددة جديدة قديمة من مراحل سخط العدو وعدوانه : أن نفهم مدلول قوله تعالى " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " أن ننتقل إلى مرحلة اليقين بقول ربنا ، إنه صراع تاريخي لم يهدأ إلا ليبدأ ولم يبدأ إلا بأشلاء البشر وأشلاء الضمير وأشلاء الفكر وأشلاء العقيدة ، ولن ينتهي إلا بادة البناء بناء الذات الإسلامية حسب رؤيتهم الكابوسية !!

المطلوب أن نفهم والفهم نصف النصر، والإعداد نصفه الثاني ، ولا ضمان لنا بغير الجمع بين العلم والعمل والإيمان ، ومن هذا الجمع يأتي استرجاع فريضة الجهاد ,

هذه حلقة صغيرة من سلسلة طويلة من تهجم المبشرين على الإسلام لها سوابقها وتوابعها وروافدها من أسلحة الطغاة .

وسنوالي الكلام المباشر عن التبشير كما نبين مزاعم البابا حول انتشار الإسلام بالسيف ومجانبته للعلم والعقل .

يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.