النازيون الألمان والانقلابيون المصريون وجهان لعملة واحدة «أينشتاين».. الرجل الذى تنازل عن وطنه من أجل دينه بسبب هتلر والنازية هل كان «أينشتاين» سارقا للأفكار العلمية؟ الفرق بين «أينشتاين» و«زويل» أن الأول كان باحثا عن الحقيقة والثانى مجرد باحث عن الشهرة نستطيع أن نكتشف أنفسنا عندما نقرأ عن الآخرين، هذه حقيقة، لم يؤكدها الدين والعلوم الإنسانية فحسب، بل أكدها علم الرياضيات أيضا! فلا يستطيع أى نظام مغلق أن يحكم على نفسه بالصحة والفشل والصواب والخطأ مطلقا دون وجود مرجعية من خارجه، كما ذهب إلى ذلك عالم الرياضيات النمساوى «جودل»، وهى القاعدة (قاعدة التحرر من أن تكون منغلقا على ذاتك) التى ينبغى أن تنطلق منها الأحزاب والتيارات والأفكار بشكل عام. إن معرفة كيف يرانا الآخرون، هى الخطوة الأولى للنجاح، لأنها ببساطة تعنى أننا على استعداد للاعتراف بأخطائنا وتصحيحها أيضا.. الآخرون هم المرايا التى نرى فيها أنفسنا، وربما كان الإصرار على الانغلاق هو أحد أهم أسباب الأخطاء الكارثية والتاريخية التى وقع فيها التيار الإسلامى فى تجربته السياسية والتى ندفع جميعا ثمنا باهظا لأخطائها الانغلاقية حتى الآن. من هنا آثرنا أن نتوقف قليلا أمام أسطورة العبقرية «ألبرت أينشتاين» ذلك العالم الكبير والشهير الذى يعده البعض لعنة على العلم والعالم بل وسارقا لأفكار وجهود غيره من العلماء، ويعده الآخرون الشخصية العلمية التى لن تتكرر ثانية، لقد كان أينشتاين ملهما لكثير من الأفكار والأفلام والروايات وحتى أفلام الكارتون للأطفال؛ لكن شخصيته لم تتوقف عند عبقريته العلمية فحسب، بل تنوعت إلى مجالات أخرى إنسانية على هيئة مقالات وكتب ومواقف تاريخية تمثل عبقرية أخرى تضاف إلى عبقريته العلمية. لذلك لم يكن من اللائق أن نعرض كتابا واحدا يتحدث عن أينشتاين، فهناك عشرات الكتب التى تناولت شخصيته من زوايا مختلفة، منها: Einstein"s Mistakes: The Human Failings of Genius أو (أخطاء أينشتاين): الفشل الإنسانى للعبقرية لعالم الفيزياء «هانز أوهانيون »Hans C Ohanian Albert Einstein: The Incorrigible Plagiarist أو (ألبرت أينشتاين.. سارق الأفكار العلمية الذى لا يمكن تقويمه) للباحث «كريستوفر جون بجركينز» Christopher Jon Bjerknes Einstein: the life of a genius أو (أينشتاين.. حياة عبقرى) ل«والتر إسحاقسون» Walter Isaacson، وغير ذلك من الكتب ذات التوجهات المتنوعة والمختلفة حول شخصية أينشتاين، والتى كانت تتميز بإفراط شديد فى المدح أو الذم، وهذا الإفراط ينبع فى كثير من الأحيان من مواقف عاطفية ووجدانية أكثر منها موضوعية. لكن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو أن تدرك الأجيال أن الأمة الآن ينبغى أن تستعيد الثقة بنفسها، وأن لدينا من العقول ما يمكنها أن تصل إلى عبقرية أينشتاين محل النزاع هذا، إذا توفرت لها البيئة المناسبة من حرية وتقدير، وليس أدل على ذلك من أن هناك الآلاف من العقول العربية الهائلة تتبوأ الآن أرفع الدرجات والمراكز العلمية فى أرقى جامعات العالم، كما أننا ينبغى أن نتذكر دائما أنه لا يوجد طفرات علمية أحدثها العقل الغربى وحده فى مسيرة الحضارة الإنسانية، فهذا محض هراء، وهو جزء من الوهم الكبير الذى يريد العالم الغربى أن يصدّره إلينا وأن نصدقه حتى يبث فى أجيالنا روح الهزيمة، وهذا لن يكون، فلدينا من الثقة والتاريخ والواقع ما يؤكد أننا نحن من أطلق شرارة البحث العلمى والتقدم التكنولوجى، وأن المعارف العلمية بشكل عام تصنف على أنها تراكم كمى، يقوم على المحاولة والخطأ، وعلى طرح بعض الأفكار والتصورات التى يتم تعديلها وتصحيحها عبر أجيال مختلفة. لذلك فإننا ونحن نقف أمام أينشتاين، لن نكون منهزمين ولا منبهرين، بل نضعه فى مكانه ومكانته اللائقة دون مبالغة أو تقليل من قيمته العلمية. ربما كانت الاتهامات العنيفة الموجهة إلى أينشتاين تعود لسببين أساسيين، أولهما أنه كان من أصل يهودى، ولا شك أن هناك إرثا تاريخيا سلبيا تجاه اليهود بشكل عام، وحالة من فقدان الثقة نتيجة لمؤامراتهم وسيطرتهم على الاقتصاد والإعلام والرأى العام العالمى، ما يشى بأن ثمة هالة مبالغا فيها قد رسمت حول أينشتاين لتمجيد الجنس اليهودى واعتباره خارقا ومتفوقا على غيره من أجناس البشر، إنها عقدة (شعب الله المختار )إذن ولكن بقناع علمى، السبب الثانى يعود إلى أن أينشتاين فى بداياته ومراحله المبكرة من حياته لم يكن يظهر أية سمات عبقرية؛ فقد كان تلميذا عاديا بل وأقل من عادى، وقد ذكرت موسوعة المعارف البريطانية أنه كان متعثرا فى دراسته بعض الشىء، كان هذا مبررا لما وجه إليه من اتهامات فيما بعد من أنه كان يسطو على أفكار سابقيه ومعاصريه، حتى وصل الاتهام بأن معادلته الشهيرة فى إمكانية تحويل المادة إلى طاقة والعكس، وهى المعادلة التى تكتب هكذا: E=mc^2 لم تكن من ابتكاره الشخصى، بل هى تراكم معرفى بدأ بإشارة «إسحاق نيوتن» الذى قال: Gross objects and light are convertible to one another ثم استفاد من تجارب «ميشيل فارادى» و«ماكسويل»، وبعض العلماء يصر على أن «ماكسويل» هو صاحب هذه المعادلة، لقد اتُّهم أينشتاين بأنه سطا أيضا على أفكار «لورنتز» و«بوانكارى» وغيرهما. فى الجانب المقابل يرى علماء آخرون أن هذه الاتهامات كانت بدافع الحسد والكراهية، وأن أينشتاين هو عالم القرن بلا منازع، وبعيدا عن صحة الاتهامات من بطلانها، فإن أينشتاين أيضا قد وقع فى كثير من الأخطاء التافهة والتى أشارت إليها بعض المجلات العلمية والكتب والدراسات. أما من ناحية المواقف، فلا يستطيع أن ينكر أحد أن أينشتاين كان له مواقف إنسانية مشرفة، فقد رفض العودة من الولاياتالمتحدة إلى ألمانيا بعد وصول النازيين إلى السلطة، ثم قاموا بمصادرة أمواله وممتلكاته، وردا على ذلك قرر التنازل عن جنسيته الألمانية، وكان يتابع بقلق ما يقوم به النازيون ضد اليهود من حرمان من الوظائف ومصادرة الأموال وتعذيب وقتل، حتى إن مؤلفات أينشتاين كانت هدفا للنازيين، فتم إحراق كل ما يتعلق به من أفكار وكتب، للدرجة التى أعلن فيها وزير الدعاية الألمانى النازى «جوبلز» قائلا إن الثقافة والفكر اليهودى قد ماتا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن أينشتاين نفسه صار على قائمة المطلوب اغتيالهم. وقد كتبت عنه إحدى المجلات الألمانية، بأنه واحد من الذين لم يعدموا بعد! لقد أورثت تلك الممارسات اللاإنسانية شهوة خفية لدى أينشتاين للانتقام من وطنه ألمانيا انتصارا لأبناء دينه اليهود، فسعى إلى إقناع الرئيس الأمريكى «روزفلت» عام 1939 من خلال خطاب أرسله إليه، بأن النازيين إذا امتلكوا سلاحا ذريا، فسيشكل ذلك خطورة على الولاياتالمتحدة، وأنه ينبغى عليها أن تبادر هى بامتلاك ذلك السلاح، وكان من نتيجة ذلك أن اقتنع الرئيس روزفلت بأهمية ذلك الأمر. وقد كان لأينشتاين مواقف مهمة فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وخاصة السود فى الولاياتالمتحدة معتبرا أن التفرقة العنصرية ضد السود، هى أسوأ الأمراض التى تعانى منها أمريكا. ونتيجة لاعتزاز اليهود بأينشتاين فقد عرض رئيس الوزراء «بن جوريون» على أينشتاين أن يتولى رئاسة إسرائيل بعد وفاة الرئيس «وايزمان»، غير أن أينشتاين اعتذر عن تولى المنصب. وبعد أن توفى أينشتاين عام 1955، لم يتوقف الحديث عنه ولا عن عبقريته وشخصيته، وحتى مخه الذى تم تشريحه، فلم يكن ثمة فرق بينه وبين مخ أى إنسان عادى. ولم يقتصر دور أينشتاين على هذه الإسهامات العلمية التى غيرت العالم، بل كان له عدة كتابات ومقالات فى العلوم الإنسانية، وهناك عشرات من الأقوال المأثورة عن أينشتاين، تثبت أن له رؤية جديرة بالبحث والتحليل عن هذا العالم على المستوى الدينى والأخلاقى والإنسانى، ومن هذه الأقوال: Science without religion is lame، religion without science is blind.، أو «العلم بدون الدين كسيح، والدين بدون العلم أعمى». ومن الطريف أن أتباع الأديان السماوية الثلاثة يتنازعون فى عقيدة أينشتاين، فاليهود يعتزون به وبعبقريته، وهو عندهم يهودى بحكم ولادته، وبعض المسيحيين يدعون أنه مسيحى، لكن الأكثر طرافة أن كثيرا من المواقع الشيعية ووكالات الأنباء الإيرانية تزعم أن هناك مراسلات سرية بين أينشتاين وآية الله البروجردى، أشاد فيها أينشتاين بالإسلام وأعلن اقتناعه بالمذهب الشيعى! وكانت ردود أفعال المواقع الغربية هى السخط والاستهجان والغطرسة؛ فقد علق البعض على ذلك بقولهم، وهل لدى الحضارة الإسلامية الآن شىء ما يجعل من رجل نشأ فى ظل الحضارة الغربية أن ينجذب إلى الإسلام؟ وأضاف المعلقون: إنها عادة الكذب التى لا يجيد المسلمون غيرها. وفى النهاية، فقد كان أينشتاين نموذجا للعالم الذى قدم دينه اليهودى على وطنه الألمانى، وتنازل عن جنسيته الألمانية اعتزازا بدينه، وسعى إلى تدمير وطنه ألمانيا لحساب الولاياتالمتحدةالأمريكية انتقاما لأهل دينه اليهود، هذا فى الوقت الذى لم نسمع أية كلمات استنكار من علماء آخرين ضد هذه التصرفات النازية التى يقوم بها الانقلابيون بل لا نشك فى أن الانقلابيين أشد نازية من الألمان، فعنف الألمان النازيين كان موجها إلى اليهود وإلى غير أبناء وطنهم، كما أنهم -أى النازيون- لم يكن لهم القيم الإسلامية التى يزعم الانقلابيون أنهم يؤمنون بها. إن المرء ليصاب بالدهشة والحيرة بل والصدمة وهو يتساءل: أين الإسلام من هؤلاء؟ وأين قيمه التى تحترم الحيوان أكثر من احترام العالم الغربى للإنسان ذاته؟ إن امرأة دخلت النار فى هرة! فما بالكم بمن يقتل الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء دينه ووطنه؟ ولماذا أصيب «زويل» وغيره بالخرس العلمى والإنسانى؟ إننا لا نطالب زويل بالتنازل عن جنسيته المصرية اعتراضا على كل هذه الانتهاكات، ولكن نطالبه بأن يتكلم بكلمة واحدة يعبر فيها عن استيائه من هذا الإجرام الدموى. شكرا لأينشتاين اليهودى الذى كان لديه بعض الخجل الذى حرم منه بعض المعممين والعلماء المنتسبين إلى الإسلام!