جلست على كرسى خشبي طولى متهالك بإحدى قاعات الجلسات بمحكمة الأسرة بزنانيرى، ترتدى ملابس انيقة فوقها "شال" اسود اللون مزين بنقوشات وورود صفراء، قبضت بيدها المرتعشة على أطرافه بإحكام، فبدت وكأنها تحتضن به نفسها البائسة، وتطمئن قلبها الموجوع من رجل ضعيف - حسب وصفها- ضحى بعشرة دامت لاكثر من 15 عاما وهدم بيته ارضاءا لاشقائه، وابناء تنكروا لفضلها، واداروا ظهورهم لها رافعين شعار:" المال اهم ولتذهب امنا الى الجحيم".. انها"جيهان" ذات ال36 ربيعا و التى طرقت ابواب المحكمة طالبة الخلع بعد ان ضاع حلمها فى الحاق ابنتها بالثانوية العامة بسبب أهل زوجها حسب روايتها. بوجه يسكن قسماته الحزن وكلمات ثقيلة تتسلل من بين شفتين مكتنزتين محتلتين بالشقوق وكأنهما أرض بور هجرها الماء منذ زمن بعيد بدأت الزوجة الثلاثينية رواية تفاصيل مأساتها ل"صدى البلد" : "ماأصعب ان تعيشى مع رجل يجرى الجبن والخضوع فى عروقه محل الدم ، طول الوقت ينفذ اوامر اخواته دون تفكير، ويسمح لهم ان يتتدخلوا فى ادق تفاصيل حياتك، ويحددون لكى معالمها، ماذا نأكلين؟، وكيف تشربين وتنامين؟، يحصون انفاسك، يراقبون تحركاتك ويحاسبونك على خطواتك حساب الملكين، خمسة عشر عاما عشتها محاصرة فى بيتى، حاولت مرارا ان اخترق هذا الحصار المحكم، طلبت من زوجى ان ننتقل الى شقة أخرى بعيدا عن بيت أهله لعل حالنا يستقيم، لكنه رفض رغم يسر حاله، وعندما باءت محاولاتى بالفشل استسلمت لقدرى، واغلقت بابى على، واحطت اولادى بسياج لاحميهم من تدخلات أهل زوجى فى شئونهم وغاراتهم المتتالية على مستقبلهم، سددت كل المنافذ التى قد يتسللون منها الى عقولهم أو كما كنت اظن اننى فعلت، وكل هذا لكى لايصبغونهم بطبائعم ويحولونهم الى نسخ فاشلة ،غليظة القلب، مادية ، تأكل الغيرة قلوبها من اى نموذج ناجح مثلهم". يزداد وجه الزوجة الثلاثينية عبوسا ويختنق صوتها من البكاء وهى تتحدث عن ضياع حلم حياتها بعد اصدار شقيق زوجها فرمانه بعدم الحاق ابنتها المتفوقة بالثانوية العامة:"لكن يبدو أننى كنت مخطئة فى ظنى، فمن تتزوج من رجل يكون بين أيدي اشقائه كالميت بين يدى مغسله، وينظر لامرأته باعتبارها زوجة على ورق لاكلمة لها ولاسلطان على بيتها، والمصالح والشركة أهم فى عرفه من حياته الزوجية واستقرارها، لن تفلح مساعيها مهما فعلت، نجح أهل زوجى الذين لطالما كانت تأكل نار الغيرة صدورهم من حديث الكافة عن اخلاق اولادى وتفوقهم الدراسى بفضل صمت رفيق دربى وخضوعه فى كسرى، حينما اصدروا فرمانهم برئاسة شقيقهم الاكبربالحاق ابنتى المتفوقة بالثانوية الفنية، وحرمونى من الحاقها بالثانوية العامة كما كنت احلم دوما، فقد كنت ارى فيها الامل والعوض عن عدم استكمالى لتعليمى وزواجى مبكرا". تشيح الزوجة الثلاثينية بوجهها صوب نافذة زجاجية زجاجها مشروخ من المنتصف كقلبها وهى تختتم روايتها قائلة:" انفجر بركان غضبى عندما رأيت حلمى يداس تحت اقدام اهل زوجى، واعلنت العصيان على رضوخ زوجى وضعفه، ابديت اصرارى على الانتقال الى شقة اخرى حتى ولو كانت ايجار جديد، وهددت بترك البيت، وكالعادة لم يعبأ وتركنى ارحل عائدة الى اهلى بعد كل تلك السنوات التى تحملت فيها القهر والعذاب، عام مر ولم يسأل عنى، فطرقت ابواب محكمة الاسرة لرفع دعوى خلع، لم اشعر بالم فراقه فقد مات بالنسبة لى منذ زمن بعيد ولم اتزوجه عن حب، فانا من بيت متشدد الحب فى تقاليده عيب، ودراسة العروس لاخلاق العريس من المحرمات، لكن ما قهرنى ودمر حالتنى النفسية هو تخلى اولادى عنى من اجل مال ابيهم، حتى ابنتى التى حاربت من أجل مستقبلها تركتنى وحيدة بعد أن ايقنت ان مصلحتها مع والدها لانه سيوفر لها احتياجاتها، نسوا مافعلته لاجلهم وكما نسونى سانساهم".