أكدت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، على أن الاعتداء على المنشآت العامة والحيوية المؤمنة بالقوات المسلحة، يختص بنظره القضاء العسكري، وأن قرارات النيابة العامة بإحالة المعتدين على تلك المنشآت إلى القضاء العسكري يخرج عن الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة. وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاوري نائبي رئيس مجلس الدولة، بعدم اختصاصها ولائيا بنظر 4 دعاوى لأربعة متهمين بالاعتداء على المنشآت العامة والحيوية، واستخدام الأسلحة والذخائر وحرق المباني الحكومية ومبنى ديوان عام محافظة البحيرة، وقطع الطرق العامة والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وأحالتهم النيابة العامة للقضاء العسكري لمحاكمتهم وألزمتهم المصروفات. قالت المحكمة: إن المشرع الدستوري جعل من القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها، ومن في حكمهم والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء الخدمة، ولم يجز المشرع الدستوري محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. وأكدت المحكمة، أنه مع عدم الإخلال بالدور الجوهري للقوات المسلحة في حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، أناط القرار بالقانون الصادر من رئيس الجمهورية بالقوات المسلحة معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق معها في تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري، وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها. واعتبر المشرع هذه المنشآت في حكم المنشآت العسكرية طوال فترة التأمين والحماية، وأخضع الجرائم التي تقع على تلك المنشآت والمرافق والممتلكات لاختصاص القضاء العسكري، وألزم النيابة العامة بإحالة القضايا المتعلقة بهذه الجرائم إلى النيابة العسكرية المختصة. وذكرت المحكمة، أنه لما كانت النيابة العامة قد أضحت في الدستور الجديد جزءا لا يتجزأ من القضاء، تتولى التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، وإذ أصدرت النيابة العامة قرارها المطعون فيه بإحالة المدعين الأربعة إلى القضاء العسكري عن الاتهامات المنسوبة إليهم بالاعتداء على المنشآت العامة والحيوية، حال أن القرار الجمهوري بقانون يلزمها بتلك الإحالة في تلك الجرائم، فإن قرارها المطعون فيه يكون قد صدر بصدد عمل من الأعمال القضائية التي أوجبها المشرع عليها، وهو بهذه المثابة لا يعد قرارا إداريا مما يختص بالنظر فيه مجلس الدولة بل يعتبر قرارا اتخذته النيابة العامة نزولا على حكم القانون؛ لأداء وظيفتها القضائية التي خولها إياها القانون، وهو ما يخرج عن دائرة رقابة المشروعية التي يختص بمباشرتها القضاء الإداري على القرارات الإدارية، الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر تلك الدعاوى. وأضافت المحكمة، أنه لا يغير مما تقدم ما تذرع به المدعون الأربعة في سبيل سعيهم لعقد الاختصاص لمجلس الدولة بنظر المنازعات المائلة من أن القرار الجمهوري بقانون، الذي أصدره رئيس الجمهورية يتضمن إحالة مدنيين إلى القضاء العسكري بمقولة إنه ليس بقاضيهم الطبيعي، فذلك مردود عليه بأن مما لا مرية فيه أن القرار بقانون الصادر من رئيس الجمهورية بإسناد أمر تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية إلى القوات المسلحة بجانب هيئة الشرطة المنوط بها أصلا ذلك، وما يقتضيه ذلك من قيام القوات المسلحة بحماية هذه المنشآت بواسطة الآليات والمدرعات والمعدات الخاصة بها وجنود وضباط تلك القوات، لا شك أنه يغير من وصف وطبيعة المنشآت العامة ويجعلها في حكم المنشآت العسكرية، ذلك أن حمايتها بواسطة هيئة الشرطة يختلف تماما عن نزول القوات المسلحة من معسكراتها وثكناتها إلى تلك المنشآت العامة والحيوية الواقعة في قلب المدن والقرى، ما لا يستقيم معه القول إن تلك المنشآت مدنية، ولا تأخذ حكم المنشآت العسكرية، لاسيما أن الاعتداء على أي فرد من أفراد القوات المسلحة بجنودها وضباطها أسند الدستور الاختصاص بالتحقيق فيها إلى القضاء العسكري، ما يجعل تلك المنشآت العامة والحيوية المشمولة بحماية القوات المسلحة في حكم المنشآت العسكرية، التي يشكل الاعتداء عليها جريمة يختص بالفصل فيها القضاء العسكري دون غيره طبقا للدستور. واختتمت المحكمة حكمها الهام، بأنه فضلا عن أن ما ذكره المدعون الأربعة من أن القرار بقانون الصادر من رئيس الجمهورية تضمن تحايلا على الدستور في تحديد طبيعة المنشأة التي تأخذ حكم المنشآت العسكرية بصفة مؤبدة، فذلك مردود عليه بأن القرار الجمهوري بقانون مؤقت بطبيعته لمدة سنتين وليس مؤبدا، وهذا التأقيت لمواجهة الظروف التي تمر بها البلاد لمحاربة الإرهاب وهدم كيان الدولة، يجعله لا يتصادم مع النص الدستوري من أنه لا يحاكم الشخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، وهذا التأقيت كذلك كان بدافع الحرص على المصلحة الاجتماعية للوطن التي تتمثل في الحفاظ على السلامة القومية للدولة ومجابهة المخاطر التي تعترضها وتنال من كيان الدولة واستقرارها والحيلولة دون انهيارها، ومن ثم لم يدر بخلد مصدر القرار بقانون أن يخالف الدستور، ولا يمثل ذلك منه ثمة خروج عليه بل إعمالا لأحكامه، وهو الملزم دستوريا بأن يرعى مصالح الشعب ويحافظ على استقلال الوطن ووحدة أراضيه وسلامتها، وهو ما جعل إسناد الاختصاص بنظر جرائم الاعتداء على المنشآت العامة والحيوية المشمولة بحماية وتأمين القوات المسلحة إلى القضاء العسكري، فضلا عن أن عبارة المشرع الدستوري "أو ما في حكمها" تدل بعمومها دون تخصيص وإطلاقها دون تقييد بما لا يناقض حقوق المواطنين عدوانا عليها أو يخل بحرياتهم انحرافا عن ضماناتها، ذلك أن مهمة القوات المسلحة هي حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وهي ذات الغاية المبتغاة من تأقيت إسناد الاختصاص القضائي للقضاء العسكري للجرائم المرتكبة بالاعتداء على المنشآت العامة والحيوية المعهود تأمينها لتلك القوات، والنصوص الدستورية تتناغم مع بعضها البعض ولا تتنافر، وهو في جملته ما يخرج على الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة.