يكفى أن يحمل أى عمل اسمه لجذب المشاهدين، ليس لنجوميته فقط ولكن لثقة الجمهور فى أنه سيشاهد عملا يغذى روحه وعقله ويعيش معه طويلا، ويخرج بوجبة فنية طالما انتظرها، ولذلك استحق الفنان يحيى الفخرانى أن يلقب ب«ملك الدراما» الذى يدهش مشاهده بقدراته التمثيلية وأدائه وبقصص إنسانية تلمس الروح، فبعد أن كان ملك الصعيد المغلوب على يد ابن عمه، ثم الخواجة الذى يعتنق الإسلام ويحب فتاة صعيدية، فهو هذا العام الباسل الذى لم ترحمه بناته وجحدن له بعد أن تنازل لهن عن كل ثروته. فى «دهشة»، وفى الحوار التالى يتحدث الفخرانى عن «دهشة» والتى يكشف الكثير من كواليسها وتفاصيلها: • ألم تعتبر أنها مجازفة عودتك ب«دهشة» المأخوذة عن مسرحية «الملك لير» المعروفة والتى قدمتها من قبل للمسرح؟ من أول ما قدمت الملك لير من حوالى 10 سنوات، ومن قبلها عندما قدمت مع عبدالمنعم مدبولى (رحمة الله عليه) مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرا» المأخوذ أيضا عن الملك لير، وكان دائما عندى إحساس أنها ممكن أن تقدم كتراجيديا مثلما كتبها شكسبير بالضبط، وكانت هذه الفكرة فى ذهنى دائما إلى أن جئت منذ عامين تقريبا وقت أن كنا نقدم مسلسل «الخواجة عبدالقادر» وعرضت على المؤلف عبدالرحيم كمال فكرة تحويل المسرحية لمسلسل، ولأرى إن كانت لديه الرغبة فى كتابتها للدراما أم لا، وبالفعل قرأها أكثر من مرة ثم عبر لى عن رغبته فى كتابتها للدراما، وأنا لا اعتبر المسألة مغامرة على الإطلاق لأن الرؤية جديدة وخصوصا أننا نقدمها لأجواء الصعيد وهنا يكمن الاختلاف الكبير، ورغم أننى قدمتها للمسرح فإن الدراما جمهورها أكبر وأوسع من المسرح. • وما أكثر شىء حرصت عليه فى هذا المسلسل؟ هذا المسلسل اجتمعت له ظروف معينة لو ما توافرت لى لما قدمته بالتأكيد، فأنا وجدت نفسى فى سن مناسبة لتقديم مسرحية الملك لير للدراما وحاسس أن الموضوع مصرى جدا وأقصد إحساس الأب والأبناء، فهذا الإحساس بالألفة والاجتماع يوجد بقوة لدى الشعب المصرى ونادرا ما تجدينه عند بعض البلدان، وكانت تجربة مهمة ودعينى أكن أكثر صراحة معك فأنا لم يكن لدى بديل مهم أو شيق أقدمه وقتها ولذلك فكرت فى «دهشة». • معنى ذلك أنه لو عاد بك الزمن 5 سنوات مثلا أو أكثر لما فكرت فى تقديمه وقتها؟ بالتأكيد نعم، وسأتحدث معك بصراحة فالكتابة فى الوقت الحالى صعبة والواحد عندما يفكر ينظر فى حدود المتاح أمامه، واختيار الأعمال ليس سهلا فمن الممكن أظل لمدة طويلة تصل سنتين مثلا دون أن أجد النص المناسب لتقديمه دراميا، وأنا فى النهاية وصلت لمرحلة مهمة لابد أن أجمع فيها بين المناسب لى من الناحية الفنية ومن ناحية التوقيت أيضا. • لماذا اتسم المسلسل فى نصفه الأول ببطء الإيقاع؟ بطء الإيقاع فى المسلسل مقصود لأن مسرحية الملك لير التى كتبها شكسبير تبدأ بتقسيمه للمملكة، وعندما أخذنا المسلسل عن المسرحية كان لابد من التمهيد للمتفرج لتبرير الأحداث التى ستأتى بعد ذلك ولو لاحظت أن تقسيم التركة بدأ تقريبا فى الحلقة الرابعة وكان لابد من تبرير فكرة التقسيم ولذلك اتسم الإيقاع فى البداية بالبطء لحد ما لإقناع المشاهد وخصوصا مع مراعاة أن الطريقة والأسلوب التى وزع بها الباسل ثروته على بناته كانت بدافع إحساس معين وهو درجة حب كل واحدة منهن له وهذا كان من الممكن ألا يكون مقنعا لبعض المشاهدين، وهذا فرض علينا سرد أحداث فى بداية المسلسل لتبرير تقسيمه لثروته بهذا الشكل وإلا لما كان مقنعا. • ولماذا اتجهت فى أعمالك الدرامية الأخيرة لأجواء الصعيد؟ هو شىء جاء بالمصادفة البحتة، فأنا لم أقصد هذا على الإطلاق ولكن العملين السابقين «شيخ العرب همام» و«الخواجة عبدالقادر» كان مكانهما وأجواؤهما فى الصعيد ولم أرتب لهذا على الإطلاق، ودهشة رغم أن أجواءه دارت فى الصعيد إلا أن عمر خيرت صنع له موسيقى عالمية رائعة وليست مرتبطة بجو الصعيد تحديدا ولكنها مرتبطة بنفسيات البشر داخله وتفكيرهم. • هل كان مقصودا عدم تحديد الزمن الذى تدور به الأحداث؟ بالتأكيد نعم، لأن الفترة الزمنية ليست مهمة أبدا بقدر قصة العمل نفسها، ورغم ذلك فمن يدقق النظر فى المسلسل سوف يجد أن الزمن يدور تقريبا فى الثلاثينيات من حيث طبيعة الملابس وشكل الديكور. • لماذا فضلتم أن تطلقوا على المسلسل دهشة وليس الباسل رغم ان مسرحية شكسبير اعتمدت فى اسمها على شخص البطل «الملك لير»؟ لأن المكان وأشخاصه مجتمعين هم الأهم وليس البطل وحده، والدليل الأكبر أن للمكان ودلالة اسمه الأهمية الأولى والقصوى، فقد كتبنا فى بداية المسلسل جملة «دهشة قرية ليس لها وجود فى صعيد مصر»، لأننا أردنا أن نبين أن الأحداث تدور فى أجواء صعيدية ولكن دهشة المقصود بها شىء آخر وهو دهشة العقل من فعل النفوس، وكان كل ما يهمنا هو أن يصل إحساس «الاستغراب» للمشاهد بغض النظر عن المكان أصلا، وبناء عليه ليس الباسل هو الأهم ولكن الإحساس الذى خلقه هذا الشخص والمحيطون به. • ديكور المسلسل كان غريبا حيث اتسمت بيوت القرية بالجفاف والقسوة والبعد.. قاطعنى: «البيوت ليست بعيدة بهذا القدر، واعتقد أن المخرج شادى الفخرانى أراد أن يبين فى شكل ديكور المنازل أنها قاسية وجافة لحد ما تماشيا مع القصة والأحداث، وبالمناسبة القرية تم بناؤها من الألف للياء وابنى شادى كان على وشك ألا يقدم العمل لو لم يجد الديكور الذى يعجبه ويتماشى مع القصة، ولم يكن ينفع أبدا أن يقوم بالتصوير فى مدينة الإنتاج الإعلامى فى ديكورات مبنية أصلا وتم تقديم أعمال كثيرة بها من قبل، فكان كل ما يهمنا تقديم قرية شكلها مختلف وجديد وخصوصا أن المسلسل يحمل اسمها، وعلى حسب علمى فقد تم هدم ديكور قرية دهشة الذى بنيناه لأنه ليس معقولا أن يأتى عمل آخر ليصور فيها بعد ذلك، وهذا حق مهندس الديكور ولا يحق لغيره أن يستغل عمله الفنى. • هل كان مقصودا فكرة الإسقاط السياسى على الواقع من علو شأن البلطجية وقطاع الطرق فى الوقت الذى قتل أو جُن كل حكام القرية؟ انظرى.. الفنانون فى النهاية يعيشون الأحداث التى تمر بها البلاد، ولكن أنا لا أحب أن يكون الإسقاط مقصودا، وفى النهاية الفكرة نفسها موجودة فى عصور كثيرة ومختلفة وليست مرتبطة بزمن بمعنى أنه عندما يسقط الحاكم تظهر الفوضى لبعض الوقت، والأمر ليس مرتبطا بمصر بالذات. • ما تعليقك على عنف مشهد النهاية وصدمته؟ كان لابد من خلق نتيجة حقيقية للطمع الذى من الممكن أن يصنع أبشع مما ورد فى نهاية المسلسل، فعندما تهافت أهل البلد على الذهب قتلوا بعضهم، ولكن من ترك كل هذا وراءه نجا بحياته. • لماذا تركتم الباسل يعيش فى النهاية رغم أن الملك لير فى مسرحية شكسبير توفى مع ابنته؟ لأننا أردنا أن نظهر للمتفرج قسوة العقاب الذى سيعانيه بسبب الخطأ الكبير الذى ارتكبه فى توزيع ثروته، ففى آخر المسرحية عندما توفت ابنة الملك لير قال لها جملته الشهيرة «ألن تعودى أبدا أبدا؟» ثم مات بجوارها، ولكن فى المسلسل أراد المؤلف له أن يتعذب بفعلته وهذا ظهر جليا فى مشهد جلوسه بجوار قبر ابنته متمنيا الموت، وكان من الممكن أن نختم المسلسل عند مشهد المذبحة وعدم تصديق الباسل لوفاة ابنته الصغرى. • حدثنى عن مشهد دعاء الباسل على بناته فى الحلقة 19 عندما سار حافيا على أرجله فى الصحراء ومندهشا من طرد بناته له؟ هذا المشهد بالذات كانت له قصة لأن ابنى شادى قال لى إن هذا المشهد لابد أن يخرج one shot ولذلك استعان ب3 كاميرات لتصويره من زوايا وكادرات مختلفة حتى لا يقطعنى أثناء تصويره حفاظا على الإحساس، وأحمد الله أن المشهد خرج بشكل رائع. • وما تعليقك على توقيت عرض المسلسل على MBC مصر؟ أنا لا أتدخل فى هذه الأمور، وإن كنت أتمنى لو عرض المسلسل على أكثر من قناة لأننى لست من هواة العرض الحصرى، ولكن من الواضح أن هذا يستفيد منه المنتج ماديا، وبصراحة عندما علمت توقيت عرضه اعترضت لدى المنتج ولكنه أخبرنى أن العرض الأول فقط هو الحصرى ولكن سيتم عرضه على قناة أبو ظبى بعد شهور قليلة، وانا واثق أن المسلسل ستتم مشاهدته بكثافة، وبعدين الإنترنت وفر فرصة مشاهدة المسلسلات فى أى وقت