ينزل الملك لير من علي خشبة مسرح شكسبير ليحيى جمهوره ، ليظهر على شاشة التليفزيون هذا العام مغيراً إسمه و كنيته و يصبح "الباسل" عين أعيان الصعيد فى مسلسل "دهشة ".. تختلف الأسماء و الأماكن و يبقى إسم الفنان الكبير يحيى الفخرانى حاضراً فيها ، بعيناه الطيبتان و إبتسامته الطفولية و صوته الذى يحمل حنواً لا يشتهر به أبناء الصعيد ، لكنه إستطاع أن يمنح الملك الإنجليزى الذى ظلم بناته الثلاثة ، الروح المصرية و الصعيدية فى رائعة تفوق فيها الكاتب عبد الرحيم كمال على العمل الأصلى المأخوذة عنه أحداث " دهشة " .. حديث مع الفنان الكبير يحيى الفخرانى يأخذنا لهذه القرية النائية و حكايا يسردها بلسان الرجل الصعيدى الأصيل .. و فى منزله كان لنا هذا الحوار .. فى حى المقطم الهادئ توقفنا أمام فيلا الفخرانى ، إستقبلنا على باب منزله بإبتسامة و إستضافنا فى مكتبه الخاص .. كان الفنان يحيى الفخرانى أو "الدكتور" كما يناديه المقربون مرتدياً لجلباب يبدو عليه الطابع الصعيدى ، و مع جلوسنا ، حضرت لوحات له و لقطات من ماضٍ إستمر لأكثر من نصف قرن ، و بعد أن طلب فنجاناً من القهوة بدأنا الحديث عن رائعته الجديدة " دهشة " خاصة أنه التعاون الثالث بينه و بين الكاتب عبد الرحيم كمال ليقول :أحب العمل الذى يلقى عندى هوا ، و فى الأساس المؤلفون النادرون جيدون جداً ، و دهشة تحديداً من نوعية الأعمال الى يحكم المشاهد عليها بشكل مباشر بعيداً عن صناع العمل و أحاديثهم عنه سواء كان مؤلفاً أو مخرجاً أو بطلاً ، لأن الجمهور يشاهد "دهشة " كل حسب ثقافته و تجاربه الخاصة . يعتبر "دهشة " النسخة المصرية من مسرحية شكسبير " الملك لير " و أنت قدمتها على مدى سنوات على خشبة المسرح و تعود بها الأن لكن بصورة " الباسل " المصرية .. لماذا الملك لير تحديداً ؟ لأن الملك لير كان من الصعب جداً تقديمه فقد قدمته على مدار عشر سنوات و هوجمت وقتها كثيراً لأننى أقدم مسرح كلاسيكى فى توقيت كان الإتجاه للمسرح الحديث ، بالإضافة أننى قبل تقديم " الملك لير " قرأت ما كتب عن المسرحية بأنه من أصعب الأعمال الأدبية التى يمكن تقديمها على خشبة المسرح ، لكننى قررت تقدديمها و خلال سنوات عرضى لها شعرت أن هذه الأحداث و الأجواء ليست إنجليزية فقط بل مصرية أيضاً ، و هو ما ولد عندى الرغبة لتقديمها فى قالبها المصرى ، و هذا كان تحدى خاص بى بأن أقدم تجربة جديدة لا يهم من سيكون جمهورها المهم أن أقدم العمل و أن أجسد أحداثه و بالطبع سيكون هناك مردود لهذا .. لكن المسلسل حلق بعيداً عن العمل الاصلى سواء فى أحداثه أو أجوائه أو حتى تفاصيل شخصياته .. فكيف كان الأمر معك ؟ الملك لير كان تحدياً بالنسبة للكاتب عبد الرحيم كامل و أذكر أنه بالصدفة خلال إحدى جلساتنا قلت له أننى أرغب فى تقديم الرواية كعمل درامى ، وسألته عن ما إذا يستطيع تحويلها لعمل درامى له طابع مصرى خاص ، و أعجب كثيراً بالفكرة و اعطيته النص الأصلى لقرأته و عندها قلت له إن لم تستطع الخروج بإقتباس مصرى منها فتوقف عن العمل فيها حتى نستطيع البحث عن فكرة أخرى ، وكان ما وجدته انه بدأ العمل فيها بالفعل بسبب إعجابه بشخصية الملك لير و ما بها من تقلبات نفسية و إنسانية إنعكست على بناته الثلاثة ، و خلال خمسة أشهر إجتمع كمال بشادى الفخرانى لكتابة المسلسل و وضع اللمسات الدرامية عليه ، و رغم هذا فخلال هذه الفترة كان " دهشة " مشروعاً معرضاً لعدم الإكتمال وكان من الممكن ألا أظهر خلال هذا الشهر ، و هذا لأننى أخر من يوقع عقده من المشاركين فى العمل و لنجاح من عدمه فى رأيى ليس الهدف بل هو تقديم عمل جيد و نجاحه فى الأخير على الجمهور . فى بعض الأوقات يخلق تماثل الشخصيات إختلافاً حولهما فماذا إن كانت الشخصيتين واحدة منهم إنجليزية و الأخرى صعيدية مصرية ؟ بالضبط ، ف " الملك لير " أو " الباسل " هما شخصيات مخلوقتان من أجل الدراما الصعيدية المصرية من وجهة نظرى ، و على الجانب الأخر هناك ما تم تضمينه فى المسلسل ليتوافق مع الدراما الصعيدية ، فمثلاً فى مسرحية شكسبير تبدأ الأحداث بتقسيم المملكة على بنات الملك لير الثلاث و هنا يطلب منهن أن تظهر كل واحدة مدى حبها له و هذه ليست ثقافة صعيدية على الطلاق فكان يجب أن نضع موروثاً و ثقافة تتناسب مع الصعيد المصرى ، و بهذا أصبحت شخصية الباسل أكثر تعقيداً و تركيباً حتى أن الأداء مختلف ، وأيضاً إختلفت وجهة نظر الباسل فى توزيع تركته على بناته جعل من مضمون و قصة العمل إتجاه أخر غير العمل الأصلى . على عكس شخصية الاب التى قدمتها خلال مشوارك فهنا الأب يتسبب فى ظلم إحدى بناته ؟ الظلم جاء لحماقته ، و هذا يجعلنا نقول أن الباسل سار وراء الرياء و النفاق فهو بهذا ظلم بناته الثلاثة وليس واحدة منهن فقط ، فشخصية الأب المحبة بطبعها للتملق فيه و تفضيله لواحدة من بناته عن الأخريات خلقت داخلهن غيرة و دافع للإنتقام و هذا هو الظلم الذى قصدته . بصراحة . هل وجدت شيئاً من شخصية الباسل يتشابه مع جانب من شخصيتك ؟ لا توجد شخصية قدمتها فى حياتى بها كل شئ ، فجميعها تحوى أجزاء من شخصيتى أو جوانب ولو حتى كانت ضئيلة جداً ، لكن سبب حبى للملك لير أنه كان من أكثر الشخصيات التى عشت معها بسبب المسرح . لعامين متتالين تبتعد عن الشخصية الإجتماعية و تتجه إلى الشخصيات التى تحوى جوانب صوفية أو روحانية أكثر ، فكانت البداية مع " الخواجة عبد القادر " و حالياً فى " دهشة " .. ما تعليقك ؟ بالفعل هذا كان جانباً من الخواجة عبد القادر لكن الباسل فى دهشة شخصية مختلفة تعبر عن كل المصريين ولها وضع خاص ، فرغم كل ما به من صفات قد تبدو سلبية إلا أن الدين بداخله من الأساس و مناجاة ربه كانت حاضرة و هذه صفة مصرية أصيلة لأننا أنفسنا من أوجدنا الدين و التأليه ، و لهذا يبدو أن الباسل بها جانب روحى لكن ما أريد أن أقوله أن هذه هى طبيعة الإنسان المصرى فى الأساس .. لكن أنا لست صوفياً ، فهذا هو الإسلام الذى تربيت عليه منذ صغرى ، و هو الإسلام الوسطى الذى لا يوجد فيه إرغام أو إكراه ، و الحب فى الأشياء هو الأساس حتى فى الدين و تخلينا عن هذا الحب هو ما أوصلنا لهذا الوضع .. فى الحلقة ال19 من المسلسل كان مشهد مناجاة بين الباسل و الله ، بعد أن طردته إبنته من بيتها .. و سرت حافياً فى مكان أشبه بالصحراء و خرجت منك إنفعالات و أداء أشاد به كل المتابعون للعمل .. حدثنا عن كواليس هذا المشهد تحديداً ؟ هذا المشهد تحديداً موجود فى المسرحية بشكل مختلف ، فقد تم تصوير من أول مرة و لم تكن هناك بروفة أو إعادة له ، هذا ما قاله لى شادى نظراً لأنه أراد أن تظهر إنفعالاتى و أدائى بشكل طبيعى و هذا أيد ما كنت أريده نظراً لأن الحديث كان مباشراً بين الباسل و السماء فقد كان يدعى ربه على إبنته التى طردته ، و يظهر هنا مدى الظلم الذى شعر بأنه تعرض له و خيبة الأمل أيضاً ، فقد كان هناك أكثر من إنفعال يجب أن يظهروا كما قلت على الطبيعة و بشكل مباشر . ألم تتدخل فى النص بصورة أو بأخرى خاصة أن لك خبرة سابقة مع هذا العمل تحديداً ؟ أنا أقرأ و يعجبنى لكن لا أتدخل فى عمل المؤلف و المخرج فطالما أن العمل أعجبنى لا تكون عندى ملاحظات ، و هذا ما حدث معى بخصوص الأب و علاقته ببناته لأننى وجدت أن عبد الرحيم كمال كتب هذه العلاقة بطريقة مثالية جداً ، فالإحساس كان مختلفاً كثيراً نظراً لتعلق الباسل بإبنته نعمة منذ صغرها و هو ما خلق تأثيراً بالحقد من قبل إبنتيه الأخرتين ، و هذا ما شاهدناه أنه كيف أنه من الممكن أن تكون علاقة حب سبباً فى الحقد و الشر ، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها . بإعتبارك فنان و أب لمخرج العمل شادى الفخرانى فى نفس الوقت .. كيف كانت العلاقة بينكما داخل موقع التصوير؟ شادى مثله مثل أى مخرج عملت معه و إطمئننت من موهبته ، و إن لم يكن شادى مخرج لا أثق فيه حتى و إن كان إبنى فلما كنت عملت معه ، و هو أيضاً نفسياً لا يمكن أن ينسى أننى والده فهذا يحمل عليه مسئولية أكبر ، و ما دفعنى لحب العمل معه منذ إختياره إخراج " الخواجة عبد القادر " ، لأننى أحب المخرج الذى يرغب فى الذهاب إلى العمل الأصعب إذ أنه إستطاع أن يخرج بالحالة الروحية للمشاهد دون البهرجة فيها بصورة أو بأخرى و هذا أيضاً ما ما رأيته فى " دهشة " ، و شادى بشكل عام هادئ داخل البلاتوه ولا يعانى من الديكتاتورية بل هو يستمع لأصغر أعضاء الفريق لكن فى النهاية يقوم بما يريده . من قبل قدمت شيخ العرب همام و دارت أحداث الخواجة عبد القادر فى الصعيد و هذا العام تعود بشخصية الصعيدى .. ما الذى يجذبك فى أداء هذه الشخصيات و دراما الصعيد بشكل عام ؟ رغم هذا التشابه فى الأجواء فهى شخصيات مختلفة ، لكن ما يرجح إختيارى للعمل هو الموضوع اللائق على الصعيد ، وليس الصعيد نفسه ، فالصعيد له ثقافته من غير الممكن أن نجده فى القاهرة أو وجه بحرى لما يحمله من إرث و ثقافة متوارثة و محافظ عليها ، فمثلا من الممكن أن يقتل أب إبنته لأنه علم أنها تحب شخص ما ، و كذلك التار ، و على هذا فهناك مناطق تصنع الدراما لا توجد فى أى مكان أخر . هل هذا يفسر إبتعادك عن أعمالك التى تهتم بالجانب الإجتماعى ؟ بالطبع لا ، فرغبتى أننى سأقدم فى الفترة القادمة سأعود لهذا الشكل من جديد ، ولن أقدم شخصية الصعيدى من جديد لأن " دهشة " كان مرهق على و على المشاهدين حتى ، فيجب أن أعود بعمل أكثر هدوءاً و بساطة . لاحظنا أن موسيقى تليفونك الخاص هى موسيقى تتر المسلسل التى لحنها الفنان الكبير عمر خيرت .. يبدو أنك أعجبت به كثيراً ؟ أنا أحب موسيقى عمر خيرت بشكل خاص ، و ما عرفته عن موسيقى المسلسل أنا شادى طلب من عمر خيرت ألا تكون الموسيقى متصلة بالصعيد بأى شكل ، و اعتقد أنها كانت تتسم بأجوء أوروبية اكثر مستوحاه من العمل الإنجليزى الأصلى لشكسبير ، وأذكر أننى قلت لخيرت فى اليوم الذى إستمعت فيه لموسيقى التتر ممازحاً انه قفز من عبد الرحيم كمال إلى شكسبير شخصياً ، فكان رده أن هذه رغبة شادى و لاقت عنده إستحسان . يرى بعض النقاد أن " دهشة " ظلم بسبب تقييمه متأخراً وسط مسلسلات هذا العام .. هل تتفق مع هذا الرأى ؟ لا يوجد عندى مشكلة فى هذا ، فهذا العمل سيشاهده الجمهور مرة أخرى بعد رمضان ، و صراحةً أعتبر أن رمضان هو شهر دعئى للمسلسلات ليس أكثر فالمتابعة الحقيقية هى ما بعده ، و العمل الناجح الحقيقى هو الذى يستمر و يعود الجميع لمشاهدته بعد سنوات ، و هذا ما أسعى إليه .. و الحمد لله أن العمل لاقى صدى لدى الجمهور فى هذا التوقيت حتى يشاهدوه فيما بعد .. هنا قاطعنا الدكتور يحيى الفخرانى ، مشيراً إلى الزميلة ريهان الشاذلى و التى كانت حامل فى شهرها التاسع ، سألاً إياها ما إن كانت حاملا ! .. فأجابته بالإيجاب ليعود الفخرانى بذاكرته وقت بداياته فى مجال التمثيل و يحكى عن السيدة التى شاهدت عملاً كوميدياً له فأضحكها و جعلها تلد يومها وبالصدفة كان هو الطبيب الذى سيولدها يومها فأكملت ضحكها فى المستشفى .. و صمت بعض الوقت فسألناه ما إذا كان يشتاق للطب بعد سنوات من إبتعاده عنه ؟ الطب لا ينسى لكن المهم فيه الممارسة و العلاقة بين الطب و التمثيل واحدة ، فالحاجة الدائمة للمتابعة و الدراسة أو بمعنى أصح المذاكرة ، فالممثل يحتاج لموهبة و تأثر بالحالات الإنسانية من حوله و ثقافته ورؤيته للدنيا ، و الطبيب أيضاً يجب أن يكون إنسانياً سامى ، فالطبيب كتاب مفتوح لدى مرضاه . و ماذا عن المنافسة بينك و بين أبناء جيلك مثل عادل إمام و محمود عبد العزيز ؟ أنا أتمنى دائماً بأن يكون هناك شركاء فى النجاح ، فيجب أن تكون الشاشة مليئة بهؤلاء النجوم حتى نستطيع أن نحدد مدى النجاح الذى حققناه فى هذا الموسم ، فمن غير المعقول أن يكون عملاً واحداً فقط هو الناجح ، لأن هذا نجاح أيضاً لنجوم كثيرين من الشباب سواء فنانين أو مخرجين أو مؤلفين . كيف تقيم أعمالك ؟ أهتم أكثر فى معرفة تقييم أعمالى أن أسأل أشخاص ليس لهم علاقة بمجال الفن ، و أيضاً يهمنى رأى الأطفال كثيراً لأنهم بسطاء و تلقائيين ، و الفنان فى بعض الاوقات ينظر لاشياء مختلفة مثل التقنيات أو الأداء ، و المردود الجماهيرى عند الناس . بعيداً عن الفن فقد كان منذ أيام حادث الوادى الجديد الذى راح ضحيته عشرات الجنود المصريين .. كيف ترى الوضع فى هذه المرحلة ؟ أعتقد أن هذا من الممكن أن يستمر بعض الشئ لأن هناك الكثيرين الذى لا يريدون لمصر أن تقوم ، لكن أنا متفائل بما هو قادم ، طالما أننا نتحلى بالأمل بعد هذه السنوات من الأوضاع المضطربة . و هل سيحدث هذا التطور فنياً و ثقافياً أيضاً ؟ طالما أننا سياسياً نتطور فبالطبع ستنهض الثقافة معها لأن هذه كلها مؤشرات متصلة ببعضها تحتاج لكثير من الوقت وأجيالا كاملة ، ففى وقت ما كانت مصر و اليابان مرشحتان لأن يكونا دول عظمى و بالفعل نجحت واحدة منهم لكن مصر لم تحقق ذلك لأنها شردت عن الطريق ، و هذا هو المهم فى الأمر أنه نحتاج أن نتمسك بالطريق الذى إخترنا أن نسير عليه و أن نحافظ على هذا و نتحمل القرارات التى نراها حتى تسير البلد فى طريقها الصحيح و لا أعتقد أن هذا الرجل يتخذ هذه الإجراءات عن هواه بل لهدف سيحسن الأوضاع فى المستقبل ، فمثلاً نلاحظ أن الإنتاج الدرامى هذا العام مرتفعاً نظراً لإرتياح المنتجين من الأوضاع فى مصر و التى أخذ فى الإستقرار . حدثنا عن أحفادك ؟ فى الحقيقة لم يكن لى الحظ فى أن أوفر وقتاً كثيراً لأولادى بسبب ظروف العمل التى كانت وقتها ، لكن هذا الأن أعوضه فى أحفادى و أرى فيهم إمتدادى بالفعل ، فهناك يحيى و ادم ، و لميس و سلمى ، و اقربهم لى يحيى لنه أكبرهم لأننا نتعامل سوياً فى كثير من الأمور . هل ستساعد يحيى فى دخول مجال التمثيل ؟ أعتقدد أنه ورث والده كثيراً لكن إهتماماته الموسيقية كثيرة ، و لن أغصب على أى من أحفادى الددخول فى مجال الفن كما فعلت مع أولادى شادى و طارق .