بعيداً- ما أمكن- عن أفعل التفضيل الذي تطالعنا به الصحف في نهاية كل عام. وبداية عام جديد. هذه محاولة للتعرف إلي آراء المبدعين والنقاد في المشهد الثقافي خلال العام الذي نتهيأ لوداعه. واستشرافهم للعام الذي نخطو فيه أولي خطواتنا. يشير د. حسن طلب إلي رحيل كوكبة من الأدباء والمفكرين والفنانين الكبار. مثل فؤاد زكريا الذي تآمرت عليه العصابة إياها- والتعبير لطلب- فحرمته من الحصول علي جائزة مبارك. انه مفكر يصعب تعويضه في المدي المنظور. والساحة الآن تكاد تكون شبه خاليه. بعد أن رحل عدد من ذوي القامات العالية. وثمة أحداث اخري- سلبية للأسف- مثل حادثة سرقة لوحة زهرة الخشخاش. وما تلاها من اتهامات بين وزير الثقافة وأحد معاونيه. وانتهي الامر بالعناق بين الوزير والمسئول. لكن هناك ظواهر ايجابية. مثل مؤتمر ادباء الاقاليم. ومؤتمر النقد الادبي. والمؤتمر الذي عقدته دار الكتب بمناسبة 140 عاماً علي بدء مرحلة التنوير. لكن إقامة المؤتمرات ليست هي العلاج لأوجه القصور الموجودة. وعلي سبيل المثال فإن التنوير لايصل إلي وزارة التربية والتعليم من خلال الكتب التي يدرسها الطلاب في المدارس. ويأمل د. طلب ان تطبع- هذا العام- الاعمال الكاملة للراحلين عفيفي مطر وفاروق عبد القادر ونصر أبوزيد وأسامة أنور عكاشة وغيرهم. ويلاحظ د. ماهر شفيق فريد في عام 2010 ان هناك عدداً من الاعمال الابداعية المتميزة مثل أشعار محمد آدم. ورواية "مولانا" لمحمد العون. وأعمال نقدية مهمة مثل كتاب محمد جبريل مصر في قصص كتابها المعاصرين. وهناك نشاط جاد تقوم به ورشة الزيتون. كما عقد قسم اللغة الانجليزية بآداب القاهرة مؤتمراً دولياً عن المهمشين في الادب. لكن الانجاز البارز هو ما تحقق في مجال الترجمة. مثل ترجمة محمد عناني لمسرحية شكسبير "كما تحب" وترجمة الشاعر رفعت سلام لديوان بودلير. وديوان رامبو اشراقات. وعلي الجانب المقابل فقد حفل العام بالخسائر: رحيل فاروق عبد القادر وأسامة عكاشة وعفيفي مطر و كمال نشأت وعبد المنعم عواد يوسف وعدلي رزق الله ومحيي اللباد. وبالنسبة لعام 2011 فإني ارجو ان تظل مجلتا ألف وفصول علي احتفاظهما بمستواهما الفكري الرفيع. وكذلك الكتاب الدولي: الرواية قضايا وآفاق بإشراف عبد الرحمن أبو عوف. ودورية نجيب محفوظ. وأيضا المجلة الجديدة المتخصصة "نغم". كما نتوقع الكثير من الملحق الشهري لمجلة الاذاعة والتليفزيون بإشراف ابراهيم عبد العزيز. ونأمل ان يواصل المركز القومي للترجمة إصدار اعماله المهمة. وأرجو أن تستمر دورات المركز التدريبية للمترجمين الشباب. والتي حاضر فيها عدد من الاساتذة. أيضاً من المهم أن تعود مجلتا المسرح وضاد. وتنتظم مجلة القصة في الصدور. وأن تختفي ظاهرة الشللية المسيطرة علي الندوات والمؤتمرات. وضعف مستوي الرسائل الجامعية. وأن تزيد مساحة الثقافة في وسائل الاعلام. أما اخطر السلبيات التي نتمني زوالها فهي هذا المشهد المحزن المتجدد في كل عام. والذي يدعي جوائز الدولة. لقد فقدت مصداقيتها. وأصبحت مدعاة للرثاء. ونحزن حين نقارن بين من حصلوا عليها قديماً مثل طه حسين والعقاد والحكيم ومحفوظ وحقي. ومن يحصلون عليها الآن. ولست أفهم كيف لاتذهب الجائزة التقديرية إلي رجال من طبقة أحمد عتمان ومرسي سعد الدين ومحمد جبريل ومصطفي ماهر. وكيف تغيب جائزة التفوق عن شاعر مثل محمد آدم. والاستاذة يمني الخولي. ان الجالسين في مناصبهم بالمؤسسة الثقافية مسئولون أمام الضمير الادبي. وأمام التاريخ عن هذا الوضع. فلا نستعيد قول الشاعر حجازي ان ثقافتنا ليست بخير! لغة جديدة ويلاحظ د. رمضان بسطاويسي انه قد صدر خلال هذا العام رقم قياسي من الاعمال الابداعية. في القصة والرواية والشعر. وظهرت بالتالي أسماء جديدة لم تكن موجودة من قبل. وقامت أهم الوسائط الجديدة بإيجاد صيغة ما مع القاريء. وحلت تقنية النشر الالكتروني. وظهرت ثقافة موازية لثقافة الكتاب المطبوع. وانجذب لها صغار السن. وأصبحت هناك لغة جديدة في الكتابة والنقد. وفي هذه الفترة كان الطابع الاحتفالي في الثقافة واضحاً. بحيث احتاج الأمر إلي اعادة نظر في الاحتفاء بالانتاج الثقافي. فالملاحظ أن الكثير من الندوات والمؤتمرات لم تنشر كلماتها في كتب. كذلك فإن الجوائز في حاجة إلي نقد ودراسة. لايمكن ان تكون الجوائز هي النشاط الوحيد لبعض المؤسسات. والملاحظ أيضا تضاؤل دور الصحافة اليومية في نشر الابداع. والمتابعة الاعلامية لكل ما ينشر بشكل كبير. عدا مشروع مكتبة الاسرة. والمطلوب صيغة جديدة للصحافة الثقافية حتي تستطيع ان تواجه الانترنت. ويذهب الروائي صلاح عبد السيد إلي ان الحياة الثقافية في حاجة إلي تغيير حاسم. بمعني ان يعاد النظر في الثقافة المصرية. انها ثقافة النخبة والصالونات. نحن في حاجة إلي ثقافة تتجه إلي الناس. إلي اعادة النظر في جوائز الدولة الرسمية والندوات والمؤتمرات. وأتمني ان يرفع الحصار عن الكتاب الحقيقيين. كفانا هذه الاسماء المكرورة التي فقدت قدرتها علي الابداع. أو انها تنتج ابداعاً هزيلاً. هناك كتاب يحفرون في الصخر. بعيدون تماماً عن دوائر الضوء. ويرفضون تملق السادة النقاد. أو السعي ببطاقات التوصية. نريد ثقافة حقيقية. تصل إلي الناس. وتؤثر فيهم. وتغيرهم. أما الاديب الكبير يوسف الشاروني فهو يعتبر اعطاء جائز القصة القصيرة هذا العام للسوري زكريا تامر اهانة شخصية له. يقول: انا ند ليوسف ادريس. وما حدث يعني تجاوزي! .وحصول الكوني علي جائزة الرواية العربية أمر جيد جداً. الأمر نفسه بالنسبة لحصول الابنودي علي جائزة مبارك فهو رد اعتبار لشعر العامية المصرية. كما أشير- بتقدير - إلي الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ. ومن ملامحه المهمة كتابان عن محفوظ. أحدهما لي والثاني لجابر عصفور. ويتحدث الروائي أحمد الشيخ عن قيام أكثر من دار نشر خاصة بفتح أبوابها. وظهرت أعمال لافتة. بصرف النظر عن من يدفع ومن يأخذ. هذا النشر حقق مكسباً. وظهور تيار جديد. وأسماء اعتبرت مفاجأة لنا. وهي ظاهرة جيدة وسط واقع مؤلم للغاية. لأن جيل الستينيات الذي انتمي إليه ممزق بين المنتفعين من كم الاكاذيب التي تروجها الميديا. فهذا الكاتب بلغ العالمية. والآخر علي عتباتها إلخ. نحن لانكره ان يكون لدينا أدباء عالميون. شريطة ان يبني هذا علي حقيقة. وليس علي الوهم والكذب واستغلال النفوذ. ولعلي اشير إلي جوائز مثل بوكر وجائزة الجامعة الامريكية. المسألة مسيسة تماماً. ونحن نعرف ذلك. وثمة من يعملون في صمت. ولا يقل ابداعهم عن هؤلاء المنتفعين من المؤسسات الثقافية الرسمية. لكنهم علي الهامش. وفي الظل. وبصراحة. الكثير من مبدعي جيلنا ليسوا أقل من الجيل الذي قبلنا. أو الذين جاءوا بعدنا. لكننا لانريد ان نقف أمام نجيب محفوظ جديد. أو يوسف إدريس آخر. وان كان يهمني ان اشير الي المشكلة السخيفة المتمثلة في العجز المادي الذي يعانية أبناء جيلنا إذا واجهوا محنة المرض. هو يستنزف نفسه دون تدخل من المؤسسة الثقافة أو اتحاد الكتاب الذي لم يقدم حتي الان مشروعاً حقيقياً للرعاية الصحية للأدباء. ويظل أملنا في الشباب القادم ان يواصل المسيرة. انه بارقة الأمل امامنا. وهو الدافع لمواصلة المسيرة. الجوائز! ويلتقط الروائي فخري فايد الخيط نفسه. فيري انه لايوجد اهتمام أو رعاية بالأدباء الكبار. كما يلاحظ ان الجوائز تدور في محور الشلة نفسه الذي تدور حوله حياتنا الثقافية. من يستحقون الجوائز لايحصلون عليها. بينما يفوز بها من يسوق لنفسه. ويروج لها. ويلف ويدور.ويستجدي في صورة يأباها المثقف. فضلاً عن المبدع ذي الموهبة الحقيقية. ويشير فخري إلي اغلاق منافذ النشر أمام الادباء. لا يصح ان يتردد الكاتب عشرات المرات علي مكاتب الموظفين كي يتفضلوا بالموافقة علي نشر ابداعه. وهذه الظاهرة - في تقديري- انعكاس لعدم تغير القيادات. واستمرار أساليب الشلة والمصالح الشخصية. ويعبر الروائي وائل وجدي عن حيرته أمام المسابقات التي حصلت علي اهتمام أكثر من الابداع والكتابة. فقد صار من المألوف في لجان التحكيم- للأسف- ميلها إلي الهوي الشخصي. ومجاملة المشهورين اعلامياً. وكذلك المؤتمرات الادبية التي يدعي إليها نفس الوجوه. ثم تنفض دون قيمة حقيقية. ويري وائل وجدي ان الاجدي- في العام الجديد- انفاق تكلفة المؤتمرات العديدة في نشر الاعمال الابداعية المكدسة في دور النشر. أو في المشكلة التي لم تجد حتي الآن حلاً جذرياً وهي علاج المرضي من الأدباء. كما اتمني ان يأتي اليوم الذي تقدر فيه الثقافة ولا تكون علي الهامش. وأن يتنبه القاريء إلي المبدع الحقيقي. وليس إلي الكتاب الذين تعلو اصواتهم علي مواهبهم. علينا أن نبحث عن الماس رغم مشقة العثور عليه. أما الروائي أسعد رمسيس فإن الظاهرة التي تجتذب اهتمامه ان نجيب محفوظ قد ترك امتداده في الرواية في أعمال محمد جبريل وبهاء طاهر وخيري شلبي وجمال الغيطاني وإبراهيم اصلان. لكن هذا الامتداد لم يتحقق - للأسف- في مجال النقد والمسرح. ويضغط أسعد علي تنوع المسابقات مثل نجيب محفوظ وبوكر وجوائز الدولة وفيصل وزايد وفقي وغيرها. والجميل ان بعض مبدعي التسعينيات حصلوا علي جوائز. وثمة زيادة حجم المترجم من الادب المصري. واستمرار مشروع مكتبة الاسرة. ومنافسة الانترنت للكتاب المطبوع.. لكن اختفاء مجلة المحيط يمثل ظاهرة سلبية. وأيضاً لابد من محاولة إنهاء معاناة الادباء الجدد بنشر انتاجهم في دور النشر الخاصة. أما دور النشر العامة فإن قوائم الانتظار الطويلة فيها مشكلة يصعب حلها!