عندما زرنا منطقة "كوتسي" بجنوب فيتنام والتي كانت مسرحا للعمليات ضد الأمريكان.. أيقنت ان هذا الشعب العنيد الذي قضي نحو عشر سنوات يحارب أكبر قوة في العالم.. سوف يحقق في يوم ما المعجزة الاقتصادية التي سبقته اليها جارته الكبري الصين. "كوتسي" أو مدينة الأنفاق تبعد عن العاصمة القديمة لفيتنام الجنوبية "سايجون" والتي أصبح اسمها الآن "هوشي منه" نسبة الي الزعيم الذي قاد حركة التحرر ضد الاحتلال الفرنسي ثم الأمريكي "هو شي منه" والذي يعشقه الفيتناميون ويتحدثون عنه حتي الآن وكأنه مات بالأمس فقط. "كوتسي" كانت أهم ميادين المواجهة مع الجيش الأمريكي المكون من نحو نصف مليون جندي. فهي منطقة أدغال وغابات استطاع الفيتناميون ان يحفروا تحتها انفاقا بلغ طولها نحو 250 كيلومترا وعمقها نحو 12 مترا. كنا نتحرك بصعوبة بين أشجار الغابات الكثيفة وحذرنا "تشي" مرافقنا الذي كان يرتدي زي المحاربين الفيتناميين من التوغل بعيدا عن خط السير حتي لا نتعرض للألغام التي زرعها الأمريكان. كان "تشي" يتحدث بحماس ونشوة عن البطولات التي حدثت في هذه المنطقة وكأن ذلك حدث بالأمس فقط.. دعانا الي النزول الي أحد هذه الأنفاق لنري ما لم يخطر لنا علي بال.. غرف واسعة مخصص بعضها للاجتماعات العسكرية وبعضها الآخر لاجراء العمليات الجراحية والاسعافات للجرحي.. وتخزين الذخيرة والسلاح الي جانب غرف لطهي الطعام. اختلطت أمامي الصور القديمة بالصورة الحالية لفيتنام التي تحاول سباق الزمن لتعويض سنوات الحرب الطويلة ضد الفرنسيين والأمريكان فاستطاعت ان تحقق المفاجأة.. نجحت في تسجيل معدلات نمو عالية طوال السنوات الأخيرة واستطاعت ان تجتذب 191 مليار دولار استثمارات أجنبية منذ عام 1986 عندما تبنت سياسة اقتصاد السوق المدار من جانب الدولة.. وحتي الآن.. وأتوقع ان تنجح فيتنام خلال السنوات العشر القادمة ان تحقق هدفها بأن تصبح ضمن الدول العشرين الأكثر تقدما لتحقق المعجزة الاقتصادية بعد المعجزة الحربية.