المدرسة الثانوية الفنية لمياه الشرب والصرف الصحي.. الشروط والمستندات المطلوبة للتقديم    رئيس المحطات النووية : الضبعة من أضخم مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية في أفريقيا    التموين تقر مواعيد عمل المخابز خلال أيام عيد الأضحى    تكريم المتدربين في ختام برنامج المحتوى الرقمي بأكاديمية المتحدة للإعلام    بايدن: الاتفاقية الموقعة مع زيلنسكي هدفها تعزيز قدرات أوكرانيا على الدفاع عن نفسها    كيف تأثرت دفاعات أوكرانيا بعد سيطرة روسيا على أفدييفكا؟    روبرتسون: اسكتلندا لا تتعرض لضغوط قبل مواجهة ألمانيا فى افتتاح يورو 2024    يورو 2024| مواعيد مباريات دور المجموعات ببطولة الأمم الأوروبية    وزير الرياضة: «كابيتانو مصر» يواصل تسويق لاعبيه لأندية الدوري الممتاز    عاجل.. 8 مناطق تسجل درجات حرارة قياسية غدا.. «تبدأ من 45 مئوية»    لبلبة: سعيدة ب«عصابة الماكس» ودوري مفاجأة    نيكول سعفان عن طارق العريان: فخورة بأعماله.. وانبهرت ب «ولاد رزق 3»    متحدث التنمية المحلية: نفذنا 7.6 مليون شجرة بتكلفة 200 مليون جنيه    الثقافة البصرية والذوق العام في نقاشات قصور الثقافة بمنتدى تنمية الذات    حكم صيام يوم عرفة.. دار الإفتاء توضح سبب كراهية صيامه للحاج    قبل عيد الأضحى 2024.. شروط الأضحية وكيفية تقسيمها    تحرك برلماني عاجل لمحاسبة الشركات الوهمية المسؤولة عن سفر الحجاج المصريين    حزب الحركة الوطنية يفتتح ثلاثة مقرات في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري (صور)    إليك الرابط.. كيف تفتح حسابا بنكيا من الهاتف المحمول وأنت في منزلك؟    افتتاح معمل تحاليل بمستشفى القلب والصدر الجامعي في المنيا    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، أسرع أكلة وعلى أد الإيد    أوبك: لا نتوقع بلوغ الطلب على النفط ذروته على المدى الطويل    محافظ شمال سيناء يعتمد الخطة التنفيذية للسكان والتنمية    تحرش بسيدة ولامس جسدها.. الحبس 6 أشهر لسائق «أوبر» في الإسكندرية    رئيس هيئة الدواء: دستور الأدوية الأمريكي يحدد معايير الرقابة ويضمن سلامة المرضى    بعد لقائهما بيوم واحد.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالا من نظيره الإيراني    سفاح التجمع يشعل مواجهة بين صناع الأعمال الدرامية    "تموين الدقهلية": ضبط 124 مخالفة في حملات على المخابز والأسواق    شواطئ ودور سينما، أبرز الأماكن فى الإسكندرية لقضاء إجازة عيد الأضحى    الأنبا تيموثاوس يدشن معمودية كنيسة الصليب بأرض الفرح    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة والسلام    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا بعد إنقاذه 3 أطفال من الموت فى ترعة بالشرقية    تجديد حبس شقيق كهربا 15 يوما في واقعة التعدي على رضا البحراوي    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    رئيس جامعة حلوان: المعمل المركزي يوفر بيئة محفزة للبحث العلمي    الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال حجاجنا    الإسماعيلى يستأنف تدريباته اليوم استعدادا لمواجهة إنبى فى الدورى    ضياء السيد: طلب كولر بشأن تمديد عقد موديست منطقي    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    الحماية المدنية تنقذ طفلا عالقا خارج سور مدرسة في الوادي الجديد    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات الخميس    أجواء مضطربة في فرنسا.. و«ماكرون» يدعو لانتخابات برلمانية وتشريعية    قيادي ب«مستقبل وطن»: جهود مصرية لا تتوقف لسرعة وقف الحرب بقطاع غزة    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    الأهلي يكشف حقيقة طلب «كولر» تعديل عقده    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    هشام عاشور: "درست الفن في منهاتن.. والمخرج طارق العريان أشاد بتمثيلي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية أرض أحبها أهلها
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 10 - 2010

ما إن حاولت أن أتجاوز الدرج الأول من سلم النفق، الذى شيده الثوار الفيتناميون فى مدينة سايجون فى جنوب البلاد أيام حربهم ضد الأمريكان، حتى كدت أصاب باختناق جعلنى لا أستطيع التنفس على الإطلاق. فعدت مسرعة إلى خارج النفق راجية نسمة هواء تنقذنى من ضيق النفس هذا.
هذا النفق، الذى لا تتجاوز فتحته نصف متر، التى تكفى بالكاد لإدخال الثائر أو الثائرة الفيتنامية قليلة الحجم فقط، بينما ينحشر فيها الأمريكانى إذا حاول، هو المكان الذى عاش فيه المقاتلون طوال سنوات حربهم ضد الأمريكان.
ومن هذا المكان حققوا النصر فى السبعينيات على أعتى جيش فى العالم.هذا النفق الذى لم أستطع أن أبقى فيه للحظات كان يصمد فيه الثوار الفيتناميون لسنوات طويلة، واحتموا به لدرجة احتار معها الأمريكان الذين دمروا منطقة أنفاق بالكامل اسمها (مدينة كوتسى) بزرعها وبيوتها وناسها دون أن يعثروا على مواقع الثوار. استطاع المقاومون الفيتناميون فى هذا النفق الذى يزيد عمقه على 15 مترا تحت الأرض أن ينظموا فيه غرف عمليات للقيادة، وغرفا لإجراء العمليات الجراحية للجرحى. التى كان الأطباء يستعينون فيها عند إجراء العمليات بنقل الدم من الجريح الأقل إصابة إلى من هم حالاتهم أخطر لقلة الدماء لديهم.
فقد استشهد فى هذه المنطقة حوالى 55 ألف شهيد وشهيدة.
وعندما كان ذلك الجندى الرائع واسمه (تسانه) فى موقع الأنفاق يشرح لنا (وفد من الصحفيين المصريين قد زار فيتنام فى الأيام الماضية) وعيناه تلمعان فخرا بوطنه وأهله كيف كان الأمريكان يرسلون كلابهم البوليسية للبحث عن فتحات الأنفاق.
وراح هو يقلد بنفسه كيف كان المقاومون ينزلون إلى الأنفاق، ويغلقون وراءهم فتحة النفق بورق الشجر، وبالأعشاب المترامية على الأرض فى محاولة للاختفاء. إلا أنهم فى بعض الحالات التى كانوا يتعرفون على وجود الثوار كان الأمريكان يرمون لهم بمواد سامة فى الفتحات الضئيلة جدا، التى شقوها فى سطح الأرض للتنفس، بغرض قتلهم خنقا داخل الأنفاق.
ويقفز ذلك الجندى المرافق لنا فرحا وهو يذكرنا بأن الأمريكان لم يستطيعوا الانتصار على الثوار حتى بالمواد السامة هذه، لأن الفيتناميين بدأوا يتحايلون عليهم بأن يمسحوا على فتحات التنفس بأشياء لها رائحة الأمريكان مثل ملابسهم أو عطورهم، أو سجائرهم، التى كانوا يعثرون عليها من الأسرى من الأمريكيين. فما أن يشمها الكلاب حتى ينصرفون لأنهم اعتادوا على رائحة أصحابهم.
كنت أسمع ذلك الجندى الفيتنامى الذى يتحدث فخرا وعزا عن انتصار الفيتناميين الرائع وكأن صوتا يأتى من بعيد يردد فى أرجاء المكان أغنية الشيخ إمام الشهيرة فى السبعينيات «اكتب زى الناس ما بتنطق. سقطت سايجون رفعوا العلم». ثم يأتى صوت أعلى وأعلى يرد «هتش ونتش بعلو الصوت عن أمريكا، وهول أمريكا. زعموا الفانتوم شايل موت، سقط الموت بعلم أمريكا».
وقبل أن أغادر هذا المكان الساحر، الذى سيبقى فى ذاكرتى ما حييت، عرفت الإجابة عن السؤال الذى حيرنى طوال الزيارة. لماذا لا يسمحون فى هذا البلد ببيع شبر واحد من الأرض الفيتنامية لا فى العاصمة، ولا فى الطريق الصحراوى، ولا على النهر، ولا فى الساحل الشمالى؟!. البيع محظور لا بغرض التعمير واستصلاح الأراضى، أو لبناء المنتجعات السياحية، والسكنية، ولا حتى لإيواء محدودى الدخل.
الأرض الفيتنامية ملك لكل الفيتناميين، ممنوع أن يستأثر بها أحد سواء من الفيتناميين أو الأجانب. والمعجزة أن هذا الحظر والمنع المطلق بدون استثناءات لا لوزير أو قريب النسب لرئيس. يحدث هذا فى بلد نجح فى اجتذاب 191 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية دون أن يغضب مستثمر واحد من ذلك الشرط.
السبب أن هذه الأرض التى دفع فيها ملايين الفيتناميين دمهم ثمنا لها لا تقدر بكنوز العالم لا دولارات ولا يوروات ولا استرلينيات. الأرض فى فيتنام لأصحابها ولكل الأجيال.
وفجأة قفز أمام عينى ما قرأته فى صباح نفس هذا اليوم على أحد المواقع على الانترنت من تعليقات على ما قاله وزير الإسكان أحمد المغربى فى التليفزيون المصرى من أن أرض مدينتى التى اشتراها هشام طلعت مصطفى ما هى إلا «حتة أرض» صحراوية لا قيمة لها. وإذا لم يكن قد اشتراها فإننا لم نكن لنجد أحدا يشتريها. الأرض فى مصر لا قيمة لها!! قلت فى نفسى رحم الله شهداءنا الذين لم يجدوا من يحفظ دمهم.
كنت وأنا أشد على يد الجندى الفيتنامى الرائع مغادرة لموقع الأنفاق، الذى لا ينسى، أكاد أصاب بالصمم من علو صوت ذات الأغنية الآتية من عصر السبعينيات التى أصبحت تملأ أذنى بشكل لا يمكن تجاهله. «جاتكوا فضيحة يا طبقة سطيحة وعمله فضيحة وجايبه العار». وتصمت الأغنية ويغادرنا الجندى المرافق لفوج سياحى أجنبى جاء يشهد مفخرة الفيتناميين. ويعود الجندى بنفس العزة يحكى حكاية أرض أحبها أهلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.