في مشهد إنساني.. وصور رائعة في عرفات.. إذ تجمع أكثر من نحو 6 ملايين حاج فوق هذه المساحة التي أذن الله أن يلتقي فيها هؤلاء المسلمون الذين جاءوا من انحاء الدنيا.. ملابس واحدة وفي منطقة واحدة وبنداء واحد وتلبية واحدة يردد الجميع علي اختلاف ألسنتهم "لبيك اللهم لبيك.. ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك". ومن الطريف جدا ان تستمع لهؤلاء الحجاج الذين لا يجيدون الحديث باللغة العربية حيث النطق بهذه الكلمات "بلكنة" محببة. وتعبر عن المشاعر الفياضة لهؤلاء القادمين من أوروبا.. ودولة روسيا.. الصور متعددة الجمال. الكل مشغول بترديد التلبية ولا يشغل بالهم سوي الدعاء إلي الله عز وجل أن يتقبل منهم كل عمل طيب في هذا الوقت وفي ذلك المكان الذي لا يصح الحج بدون التواجد به فالحج كما يقول سيدنا رسول الله صلي عليه وسلم "الحج عرفة" ومن لم يدرك هذا الركن فعليه القضاء في العام التالي. هذا المشهد الرائع.. بين راكع وساجد بملابس الإحرام ووسط الأشجار وفي كل المناطق وداخل مسجد نمرة وحوله يبدو المشهد أكثر من رائع. يشرح الصدر ويبعث في النفوس الأمل. ويتردد في الصدر هل يغتنم المسلمون هذا المؤتمر السنوي الذي يتجدد كل عام في استعادة وحدة الصف والالتقاء في هذا المكان بقلوب صافية وتضرع إلي الله تعالي بأن يكون المسلمون في كل الدنيا علي قلب رجل واحد يبحثون المشاكل ويضعون الحلول المناسبة.. صفاء النفوس وهذا التجرد من كل هموم الدنيا هل يكون باعثا لايقاظ هؤلاء المسلمين من سباتهم والاستجابة لنداء الحق ومنطق العدل؟! ولا شك ان هذا المؤتمر السنوي فرصة هائلة لجمع الصفوف والالتفاف حول راية التوحيد ونشر لواء السلام والمحبة بين شعوب الأرض ونقدم للعالم صورة طيبة لسماحة الإسلام والرد علي حملات التشويه للدين الحنيف وللمسلمين وان تكون سلوكياتنا نموذجا للآخرين في الالتزام بالآداب وحسن الخلق والابتعاد عن السلوكيات السيئة بحيث ندحض كل الشبهات التي تلصق بالمسلمين زورا وبهتانا. تصف مرة بالعنف ومرة أخري بالإرهاب وأن يكون الاقناع وسعة الصدر وحسن الخلق هي رائد كل مسلم وأن يكون ضيوف الرحمن سفراء لبلادهم يحملون راية الوحدة والاتحاد والصفاء والمودة ونشر ألوية المحبة بين كل الفئات والطوائف ولتكن الآية الكريمة في سورة النحل هي السمة الأساسية في التعامل مع الآخرين "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين". حكمة الحق تبارك وتعالي اقتضت تجدد هذا اللقاء سنويا لكي يسترعي انتباه أصحاب العقول النيرة من أهل الإسلام لرأب الصدع وتجاوز الخلافات والنزعات الشخصية والسعي بكل جهد لانتهاز هذه الفرصة الثمينة في جمع الصفوف واتخاذ وحدة الصف شعارا يلتقي تحت لوائه كل أبناء العالم الإسلامي وليت المسلمين يدركون ان اداء هذه المناسك في وقت واحد وفي مكان واحد وبملابس واحدة وبنداء واحد لم يكن من فراغ وإنما هدفه الاساسي العمل الجاد والسلوك الطيب والمحترم والتغاضي عن الهفوات والاخطاء التي قد تقع من الآخرين وليدرك المسلمون ان الله حينما فرض هذا الركن الخامس أشار إلي حقيقة هامة تتلخص في تحقيق منافع لكل المسلمين الغرض الأسمي والهدف من كل هذه الأعمال تحقيق مصالح لكل المسلمين في شتي انحاء الأرض ولتكن الآية الكريمة في سورة الحج مصدر إلهام للجميع واغتنام فرصة اللقاء للتعارف بالآخرين والاستماع إليهم بكل أناة والتعرف علي وجهة نظرهم في كل القضايا المطروحة علي الساحة وليكن كل حاج علي أهبة الاستعداد للتحرك في نطاق الآية الكريمة "واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير". اعتقد ان المقصد الاساسي هو المنافع التي تعود علي كل مسلم من اداء فريضة الحج وقد آن الأوان لتحقيق النداء الالهي والاستجابة للهدف الاسمي والتحرك نحو استعادة وحدة الصف والوقوف في وجه الحملات الشرسة لكي يسترد المسلمون مكانتهم اللائقة والتغلب علي كل المشاكل. ليت ضيوف الرحمن يعودون إلي بلادهم مزودين بطاقة روحانية تجعلهم أكثر صفاء ومودة وجمعا للصفوف بالحكمة والأسلوب المتناسب مع كل فرد.. يقدمون للناس نماذج طيبة في السلوك واحترام الآخرين بالصبر والحكمة والله من وراء القصد وهو الهادي إلي سواء السبيل.