هزتني كلماته القوية القاطعة: "نود أن نعرض عهدا اتخذته المحكمة علي عاتقها وهو في رقبتها.. ان حق الضحايا في رقبتنا وكذلك حق المتهمين.. واننا سرنا في الإجراءات بما يرضي الله.. فجميعنا يريد أن يلقي الله بقلب سليم ولن نحيد عن النهج نفسه". انه المستشار أحمد رفعت رئيس محكمة جنايات القاهرة التي تحاكم الرئيس السابق ونجليه ووزير الداخلية الأسبق و6 من كبار مساعديه في قضية قتل المتظاهرين والفساد المالي. هكذا يكون القاضي واثقا من قدراته ومن اعتدال ميزانه وشامخا فوق كل الانحيازات والانفعالات.. وراعيا للعدالة المطلقة.. التي تتمثل في حماية حقوق الضحايا وحقوق المتهمين حتي يطمئن الطرفان إلي أن الحكم الذي سيصدر سوف يكون عنوان الحقيقة بلا حيف ولا هوي. وهكذا يكون القضاء.. مهمة مقدسة ترفع هامة الشعوب المتحضرة التي تطمح إلي العدل وإلي تبيان الحقيقة لا غير.. فحق الضحايا أمانة في عنق القضاء العادل لكي لا تضيع دماؤهم هدرا ولا تذهب معاناة المصابين هباء.. وهؤلاء وهؤلاء قدموا أرواحهم فداء للوطن وللحرية وللكرامة.. وكذلك حق المتهمين في الدفاع الكامل عن انفسهم وكشف الحقائق. أما نحن.. الشعب.. فعلينا ان نتحلي بثقافة احترام القانون والقضاء.. وتوفير كافة سبل الحماية لمنصة القضاء حتي لا تكون المحاكمة سياسية وإنما تكون قضائية مائة في المائة ولها كافة الضمانات التي تعارفت عليها الإنسانية حين بلغت قمة الحضارة. علينا أن نتمسك بالصبر وانتظار كلمة القضاء.. وأن نثق تماما في نزاهة هذا القضاء وأهليته وكفاءته وليست القضية أن يأتي الحكم موافقا لما تهوي ولكن ان يأتي عادلا وموافقا لكل القواعد القضائية المحترمة في العالم.. وفي هذه الحالة سوف يجعلنا نرفع هاماتنا في كل ارجاء الدنيا ونقول حقا: ارفع رأسك فوق انت مصري. يحب ان نساند هذا القاضي الرائع ونحميه من انفعالات المنفعلين وحماس المتحمسين وهتافات الفلول.. لكي تكون لديه القدرة علي النطق بحكم الادانة بنفس القدرة علي النطق بحكم البراءة ودون ذلك فالمحاكمة لن تكون مقنعة لأحد. هذه تجربة تاريخية للقاضي وللقضاء وللشعب المصري بأكمله.. ويجب أن ننجح فيها.. ليكتب التاريخ انه بسقوط حسني مبارك سقط الزيف والخداع.. وسقط القضاء التابع وبرز القضاء المصري الشامخ المستقل.. وان مبارك نفسه كان أول من حوكم محاكمة عادلة وشهدت الدنيا كلها بأن الأحكام التي صدرت ضده لم تكن منحازة ولم تكن جائرة. دعونا نثق جميعا في القاضي العادل الفاضل ونوقف المظاهرات الاستعراضية الخائبة للمؤيدين والمعارضين أمام قاعة المحاكمة.. فهذه المظاهرات ضررها أكثر من نفعها والقاضي لن يخضع لأية مؤثرات ولن يستجيب لهذه الألاعيب. ودعونا نثق في القضاء المصري العظيم.. ونفسح له الطريق ليسير مغمض العينين ويعبر بنا إلي مصر الجديدة التي نريدها ونسعي إلي بنائها.. مصر التي يقف القضاء علي رأسها.. وتكون لكلمة القضاء الهيبة والقدسية والاحترام الواجب. ودعونا نثق في أنفسنا بأننا شعب متحضر يعرف قيمة القانون وقيمة القضاء العادل وقيمة استقلال القضاء والحفاظ عليه حتي يؤدي مهمته علي أكمل وجه. مصر الجديدة لن تكون إلا مصر القانون والنظام والانضباط والعمل وليست الفوضي والانفلات والتشكيك والمطالبة بالحقوق دون تقديم الواجبات.. والشعب الذي يبني هذا البلد لن يكون إلا شعب احترام القضاء والانصياع لكلمته وعدم الخوض فيه إلا بالطرق التي أقرها القانون وليس شعب التطاول واختراق القضاء وانتهاك القانون والقيم العليا. وإذا نجحنا في التجربة سوف ندخل التاريخ من أوسع أبوابه.. وسوف يسجل المؤرخون ان الثورة المصرية العظيمة قد اختارت الطريق الصحيح.