في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ الحركة البرلماية انها بحق تجربة رائعة تؤكد مدي أصالة ووعي شعب مصر. فقد خرج كبار السن قبل الشباب للمشاركة في اختيار اعضاء البرلمان سواء بنظام القائمة أو الفردي. لم يتخلف سوي أصحاب الاعذار. مبادرة شهد بروعتها منظمة العفو الدولية إذ أكدت انها لم ترصد أي انتهاكات لحقوق الناخبين. صورة مبهرة قدمتها كل طوائف أبناء أرض الكنانة ولم يعكر صفوها أي تصرف طائش سوي بعض الوقائع التي تحدث في مثل هذه التجربة. المرحلة الأولي التي تضم 9 محافظات كانت بداية موفقة وتعبر عن أن هذا الشعب انطلق كالمارد ليستعيد حقه المسلوب منه في فترات سابقة. حطم كل عقد الخوف وأقدم علي المشاركة في اختيار ممثليه. وكان الاصرار والعزيمة في صدر تلك السيدة التي جاءت محمولة علي كرسي متحرك مع بعض المقربين من الشباب للادلاء بصوتها لم يقهرها هذا العجز الذي ألم بها. وفي البحر كان هناك عجوز تجاوز الخامسة والتسعين من العمر وأقبل علي اللجنة الخاصة به وادلي بصوته. تلك هي سمة شعب ذاق الحرمان لفترات طويلة. وهذان النموذجان أبلغ دليل علي أن المصريين عندما تحيط بهم الاخطار فإنهم يقهرون الصعاب ويتحدون المستحيل فقد ازاحوا نظاماً متكاملا بأجهزته. ثم أخذوا يتلمسون طريق النور والتطلع نحو آفاق المستقبل بقلوب يملؤها الأمل والتفاؤل. أيا كانت النتائج التي سوف تسفر عنها هذه الانتخابات فإن صوت الشعب لن يخمد فقد انهدم جدار الخوف واندحر الظلم بأقسي درجاته. وسوف تتشابك الأيدي في ملحمة وطنية بعد انتهاء كل المراحل من أجل بناء مصر الحديثة علي دعائم قوية وراسخة. الرأي والرأي الآخر يتعانقان في سبيل البناء والتعمير. وبذل أقصي الجهد لكي تشرق شمس المستقبل في كل ركن من أركان وطننا الحبيب. اختلاف وجهات النظر أيا كانت درجاته لايفسد العلاقات بين أبناء الوطن. الأهم أن تكون مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار. لقد خاض الشعب العديد من المعارك وتعرض للكثير من ألوان القهر وحين فاض الكيل حطم القيود وهاهي التجربة بالثورة والانتخابات البرلمانية وكلها مؤشرات توضح أنه لا عودة للوراء مطلقا فقد اختار الشعب طريقه ولن يحيد عنه بأي صورة من الصور وتحت أي ظرف من الظروف. فقد مضت تلك السنوات العجاف. ولاشك أن هناك بعض الدسائس والمؤامرات التي يدبرها البعض سواء بالداخل أو الخارج والواجب يحتم أن نكون جميعاً في منتهي اليقظة لهؤلاء واحباط كل المحاولات التي تستهدف النيل من هذه الصحوة الوطنية التي أبهرت العالم وأحبطت كل الاباطيل التي كانت تتردد تتهم شعب مصر ظلماً بالخضوع والانصياع لأباطرة البطش. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولان إلا كذبا. الأمر يتطلب ونحن علي أعتاب مرحلة جديدة في حياتنا أن يظل الشعب في صحوته مراقباً للاعضاء الذين يسعدهم الحظ بالفوز بمقعد تحت قبة البرلمان. يتابع خطواتهم وبرامجهم وطموحاتهم علي طريق الحرية والعدل وحماية حقوق الإنسان. لا تفرقة بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجنس. ويقع علي عاتق الفائزين في الانتخابات من التيارات الإسلامية. أن تكون الحكمة والموعظة الحسنة والقول اللين هي الأسلوب الأمثل في مخاطبة الآخر. والابتعاد عن أساليب التخويف التي قد يلجأ إليها البعض مما أثار خوف الإخوة المسيحيين شركاؤنا في هذا الوطن. كلنا المسلم والمسيحي في مركب واحد. ولا مجال للعبث أو فتح أبواب لإثارة الفتنة. وأن يكون الجميع علي مستوي المسئولية. ونبذ الاحقاد والضرب علي أيدي من يحاول زعزعة الاستقرار. ولتدرك كل الأطراف أن التنازع والتشبث بالتعصب لن يبني الأوطان. وليتنا ندرك أن نيران الأحقاد سوف تصيب الجميع بلظاها. في نفس الوقت يجب أن يكون واضحاً في أذهاننا أن العالم لن يقبل علينا سواء للاستثمار أو السياحة طالما كانت هناك نوازع لعدم الاستقرار. علينا أن نفتح قلوبنا وعقولنا لكل العالم مسلحين بوحدة الصف والهدف نتعامل مع الجميع بكفاءة وسعي لاكتساب الخبرات وتدفق الأموال لبناء المصانع والمؤسسات التي تستوعب أكبر عدد من العمالة وتوفر فرص العمل للخريجين في كل التخصصات. علي جانب آخر يجب ونحن نبني صروح الديمقراطية في كل مراحلها أن نمنح القائمين علي الأجهزة التنفيذية بالحكومة والمصالح المختلفة الفرصة الكاملة ولا نتكالب علي الانتهاز أو الحصول علي الحقوق بقوة التظاهر واقتحام المواقع. فالطموحات لا تتحقق في يوم وليلة ولكن علي مدي الأيام. وليتنا نستوعب مقولة إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي حين قال: إن عيب الثائر علي الفساد هو الاستمرار في الثورة متعجلا حصد النتائج. إنما الثائر الحق هو الذي يهدم الفساد ثم بعد ذلك يهدأ ليبني وأن يكون نصب عين هؤلاء الثائرين وضع الفاسدين الذين أخذت منهم المظالم وتم ردها للمظلومين في بؤرة الاهتمام مثل باقي أفراد الأمة حرصاً علي فتح باب للتنازع والانقلاب علي الاعقاب. مصر في انتظار جهود الأبناء والعلماء وأهل الفكر والابداع وتتطلع إلي المخلصين لقيادة الاجهزة التنفيذية لاتخاذ خطوات فعالة تلبي المطالب في حدود الامكانيات وأن تضع أمام الشعب البرامج التي يتم تطبيقها. فالشعب يدرك كل الحقائق وحينما يشاهد الخطوط والبرامج واضحة المعالم والتنفيذ يجري بلا تكاسل أو مماطلة فإنه بلاشك سوف ينتظر بصبر وترحاب. ووضوح الرؤية أهم وسائل النجاح. يجب أن تكون الأهداف محددة. وسوف يقتنع الشعب. لكنه سيظل مراقبا وإلا فالميادين جاهزة. دعونا نتطلع للمستقبل بتفاؤل لعلنا نري خطوات تؤكد أننا علي طريق البناء والنهضة ولتدرك أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.