مهرجان الموسيقي العربية الذي أقيم في دار الأوبرا والذي تابعنا لياليه الأولي في العدد الماضي كان فرصة لعدد من الفنانين للقاء مباشر مع الجمهور ولبيان قدراتهم الفنية وتقديرهم واحترامهم لهذا الجمهور.. في السطور القادمة نتجول في بعض فقرات هذا المهرجان الذي انعكس عليه الثورة الثانية المقامة في التحرير الآن حيث تم إلغاء عدد من الحفلات في الإسكندرية وتأجيل حفل أنغام من الليلة الثامنة إلي ختام المهرجان. الفقرات الناجحة قدمتها الفنانة المغربية كريمة الصقلي التي شاركت في الليلة الأولي للمهرجان وأيضا في ليلة كلثوميات ثم في فقرة خاصة بها في الليلة التاسعة.. وفي الليالي الثلاث التي أطلت علينا كانت نموذجا للفنانة المثقفة التي تحسن الاختيار مع امتلاكه لصوت جميل أصقلته بالدراسة والتدريب مما جعلها تمتلك أدواتها جيدا فتقدم لنا فنا جميلا ومتقنا أسعد الجماهير سواء في أدائها لأغاني أم كلثوم مثل "الحلم" أو في غنائها لأغاني أسمهان التي اشتهرت بها كما أسعدتنا هذا العام بغنائها لسعاد محمد وتفوقها في غناء القصائد مدارس متنوعة في التلحين جالت فيها هذه الفنانة باقتدار. بالنسبة للفنانات المصريات إذا كانت ريهام عبدالحكيم نجمة الليالي الأولي في المهرجان فإن مي فاروق نجمة الليالي الأخيرة حيث شاركت في عدد من الحفلات بمسرح الجمهورية والإسكندرية ودمنهور وأتيح لي مشاهدتها في الليلة السابعة للمهرجان حيث اختتمت ليلة كلثوميات برائعة السنباطي ورامي "عودت عيني" وبلحن محمد عبدالوهاب الشهير "انت عمري" ورغم أنها سبق أن شدت من قبل بألحان أكثر صعوبة من هذه وتتطلب إمكانيات كبيرة في الأداء إلا أنها حاولت أن تظهر هنا كل إمكانياتها وتضفي جمالا عن طريق الآهات التي كانت تؤديها كوكب الشرق أعادت لذاكرتي رؤيتي لها لأول مرة عندما حضرت مع والدها إلي جمعية سيد درويش وأعجب بموهبتها.. كل من حسن درويش وعبدالفتاح البارودي رحمهما الله وقد تغنت ببساطة وبدون جهد وتكلف وهذه إحدي ميزاتها الآن. عامة ما يميز هؤلاء النجمات حفظهم لكلمات الأغاني وهذا افتقدناه مع بعض النجوم وكان واضحا ومستفزا في فقرة المطرب الشاب أحمد سعد الذي لم يكن يحفظ كلمات أغنية واحدة ووضع وجهه في الورقة يقرأ منها وكأنه في استديو وليس في حفلة عامة أمام جمهور أما اختياراته للأغاني جاءت غير موفقة فصوته رجالي خشن عريض لكن لا أدري لماذا إصراره علي أداء أغاني أنثوية رقيقة مثل أغنية نجاة الشهيرة "ليلة من الليالي" وهي لا تناسب طبقة صوته وللأسف معظم البرنامج كان علي هذه الشاكلة ولم يكن جميلا إلا عندما غني لوديع الصافي لأن صوته يتشابه معه وهذا يؤكد أنه ليس كافيا أن يمتلك المطرب صوتا جيدا ولكن أن تكون الألحان التي يؤديها تتناسب مع هذا الصوت وليس القصد من اللحن أن يغنيه رجل أم امرأة فمثلا مدحت صالح غني لفايزة أحمد ومحمد الحلو غني لوردة ولكن اختار كلا منهما لحنا يناسب طبقة صوته. أما نجمة المهرجان "أنغام" فقد أثبتت أنها فنانة ذكية تحترم جمهورها حيث قدمت 16 أغنية من التراث تدربت عليها جميعا تدريبا جيدا وأحسنت اختيارها لقد غنت بأسلوب أكاديمي يتناسب مع الاسم التي صنعته ورغم أن غنائها لأغنية أم كلثوم "أنا وانت ظلمنا الحب" تعد كبيرة عليها لكن حسن الأداء والدخول في تفاصيل اللحن جعلها تجتاز هذا الاختبار الصعب. الفقرات الموسيقية التي قدمت هذا العام في المهرجان لم تكن كثيرة ومن أهمها العزف المنفرد علي آلة "الكولة" للعازف عبدالله حلمي وذلك لأننا المرة الأولي التي نستمع لهذه الآلة تؤدي أغاني كاملة بدقة وبراعة تحسب لهذا العازف القدير الذي يعرف في الوسط الموسيقي بنسبه للآلة.. أيضا استمعنا إلي عازف الكمان الفنان سعد محمد حسن الذي جعل هذه الآلة تنطق بكلمات الأغاني من خلال عزف ماهر ودقيق يؤكد أستاذيته في هذا المجال بعكس جهاد عقل الذي لم نستمع منه إلي جملة موسيقية كاملة بل فقرته مجرد "شو" استعراضي شاركه فيه فرقة الحفني وعازف الربابة الصعيدي وعازف الأورج الذي يصاحبه دائما ولكن هذا لا يمنع أن دمه خفيف علي المسرح وله جاذبية وجعل الجمهور يخرج من جو الأوبرا إلي جو الملهي الليلي!!