التنوع في قوالب الغناء وحلاوة الأصوات والدقة في أداء اللحن من أهم سمات الحفل الأخير الذي قدمته الفرقة القومية العربية للموسيقي علي مسرح الجمهورية وقاده المايسترو سليم سحاب ويأتي ضمن الحفلات الدورية لهذا الفريق والتي تحظي دائماً بإقبال جماهيري. برنامج الحفل انقسم إلي فاصلين وتضمن 15 فقرة تميزت بحسن الاختيار. وإذا كان الحفل تميز ببعض الميزات والتي سوف نتنناولها بالتفصيل إلا أن هناك صفات غلبت عموماً علي بعض فرق الأوبرا وحملت لواءها هذه الفرقة وأري أنها سلبيات وتحتاج إعادة نظر منها تقليص دور المجموعة واقتصارها علي دور "الكورس" وهذا أيضاً في بعض الأحيان حيث إن معظم الحفل تجلس بدون عمل أما المطرب الفرد هو البطل السوليست الذي يأتي من خارج المسرح ليؤدي فقرته ويذهب وهذه عودة إلي الوراء حيث يتم إلقاء التوزيع الذي به ابداع وجهد ينسب للقائد الموسيقي كما أن معظم السيوليستات ينحصر ريبرتوراهم في أغان بعينها وكذلك الكورال "المجموعة" وهذا كان واضحاً في هذا الحفل الذي لم نستمع فيه إلا لاغنيتين للمجموعة فقط وهذا يمثل ظلما لسليم سحاب نفسه حيث إنه يتميز بتوزيع جيد وحس فني عال في اختيار الأصوات ومناسباتها للألحان التي تؤديها. نجوم وتراث هذا الحفل غلبت فيه الميزات علي السلبيات وتضمن برنامجه نقاط بيضاء أضاءته نظراً للميزات الفنية التي غلفتها علي القمة كان أداء ريم كمال لأغنية "ليلي ونهاري" كلمات عبدالفتاح مصطفي وألحان رياض السنباطي فهي من الأغاني غير المتداولة في فرق الموسيقي العربية وهذا يعد تجديداً لرصيد الفني للفرقة وللمطربة التي اتصف أداؤها بعدم التقليد وتميز صوتها بالجمال والقدرة علي التعبير والفهم لتفاصيل اللحن الذي يعد من الألحان الثرية من حيث التوزيع الموسيقي حيث يتضمن مقدمة موسيقية طويلة بها صولد لمعظم آلات الفريق وريم في هذا اللحن وصلت إلي مرحلة عالية من النضج والأداء السهل المتمكن الذي جعل الجمهور يفعل معها ويصر علي إعادة مقاطع من الأغنية. تضمن البرنامج أيضاً فقرتين من التراث تمثلان توجهاً جيداً للفرقة وخطوة جيدة تحسب لسحاب حيث قدم لنا قصيدة "قولي لطيفك" من أشعار الشريف الراضي وألحان زكريا أحمد ومن مقام راحة الأرواح والتي شدت بها أم كلثوم في فيلم دنانير.. وإذا كان تقديم العمل إضافة فإن صوت عفاف رضا الناضج كان تحدياً فاللحن يحتاج مساحة صوت واسعة تنتقل بين المقامات والإيقاعات بسلاسة بالإضافة لارتعاشات صوتية تحتاج إلي تدريب كبير.. وهذا الحديث ينطبق أيضاً علي المطربة نهاد فتحي التي قدمت مونولوج "ياما ناديت" أشعار أحمد رامي وإحدي روائح محمد القصبجي والذي أحدث به تطور موسيقي سبق زمنه وكان بداية طريق لباقي الملحنين من هذا استهلال العمل بمقدمة موسيقية واستغلال صوت المطرب في إحداث ترديد وكثافة وتنوع في طريق الأداء التي تعتمد علي التنقل السريع بين المقامات والإيقاعات واللحن كان اختبارا جيدا لصوت نهاد وقد اجتازته بنجاح. ثراء من نجوم الحفل أيضاً خالد عبدالغفار الذي أدي أغنية عبدالحليم الشهيرة "كامل الأوصاف" كلمات مجدي نجيب وألحان محمد الموجي والتي بها توزيع جيد للكورال وتبادل في الغناء بينه وبين المطرب بالإضافة بها فرصة لغناء صيغة متطورة من التطريب خاصة في عبارة "علي طول تسهر تغني" كما أن الأغنية بها توزيع موسيقي يتضح مع بداية اللحن بآلات الإيقاع والنبر علي الآلات الوترية الكمان ومصاحبة الآهات من الكورال وخالد عبدالغفار من نجوم الفرقة والذي له "ربيرتوار" كبير في أداء الأغاني الصعبة ومن القلائل الذين لم يقصروا صوتهم علي أداء أغاني مطرب بعينه. من فقرات الحفل الجيدة فقرة المطرب محمود درويش والذي قدم أغيتين أغنية "الليالي" كلمات مرسي جميل عزيز وألحان محمد الموجي وهي من أغاني العندليب التي اشتهر بأدائها درويش وله رصيد كبير منها ويعد حالياً من أقدر الأصوات علي الساحة التي تؤديها.. أما المفاجأة فكانت أداءه لأغنية ل"هلت ليالي حلوة وهنية" كلمات بيرم التونسي وألحان فريد الأطرش الذي احتفلت به الفرقة في هذه الليلة بافتتاح برنامجها بأغنية "بقي عايز تنساني" كلمات عبدالعزيز سلام من أداء المطربة ايناس والتي يتشابه صوتها مع صوت سعاد محمد صاحبة الأغنية الأصلية وكانت خير بداية خاصة أن الأوساط الفنية تحتفل هذا الشهر بذكري فريد الأطرش 26 ديسمبر ..1974 ولهذا جاء أداء اللحن لمسة وفاء وذكاء من المايسترو. أما نجم الأداء الحساس والمتخصص في القصائد أمجد العطافي فقد أمتع الحاضرين بأدائه لقصيدة "همسة حائرة" كلمات عزيز أباظة وألحان محمد عبدالوهاب وهي من الأغاني التي بها فرصة جيدة للطرب مثل مقطع "هل تذكرين بشط النيل مجلسنا" كما أن بها حوارا موسيقيا بديعا بين آلتي القانون والكمان. موسيقي أما الفقرة الموسيقية الوحيدة بالبرنامج كانت أداء علي آلة الكمان لأغنية محمد عبدالوهاب "ماليش أمل" للعازف الأول بالفرقة محمد ظهير والذي كان من نجوم الحفل حيث أدي أيضاً عدة مقاطع عزف منفرد في عدد من الأغاني وأدي العمل بإحساس ودقة ومهارة واستحق التصفيق الحار الذي حصل عليه من الجمهور. أيضاً تضمن البرنامج ألحان جميلة وأداء أجمل منها قصيدة "مربي" أداء مي حسن وأغنية "بست القمر" والتي أضيفت للبرنامج من أداء سارة وأغنية "غريب الدار" للمطرب أحمد سعيد الذي يمتلك صوتاً طيباً ولا ينقصه إلا تدريبات علي النفس. من الفقرات المميزة فقرة "الموال" التي تعد إحياء جيدا لهذه الصيغة المصرية وأداها بصوت جميل وقوي أحمد عادل والذي لديه قدرة علي الارتجال بالإضافة إلي عزف جيد علي آلة العود انها فقرة أضافت التنوع للبرنامج. أما درة البرنامج فكانت المجموعة التي قدمت لحنين فقط الأول من ألحان الأخوين رحباني وأشعار فليمون وهي "من عز النوم" أما اللحن الثاني والذي يمثل إبداعا جيدا في التوزيع جعلنا نشعر بجمال هذا اللحن كانت أغنية "أنا في انتظارك" كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد والتي تضمنت تبادلا جميلا بين الكورال الرجالي والنسائي بأسلوب تعبيري في الأداء وكانت خير ختام لهذه الليلة الممتعة.