لم تعد أمريكا هي الوسيط النزيه في أزمات منطقتنا العربية .. ولم يعد بيدها 99% من أوراق اللعبة السياسية في إقليمنا المضطرب .. فقد أثبتت التجارب علي مر السنين الطويلة الماضية أنها هي أم التآمر علي بلادنا وأمتنا .. وأنها ذراع لتنفيذ الإرادة الإسرائيلية والاستراتيجيات الصهيونية .. وإذا كان الرؤساء الأمريكيون السابقون قد نجحوا في خداعنا وتنويمنا بمعسول الكلام وناعم السياسات فقد جاء الرئيس الأكثر حمقا لكي يكشف القناع ويظهر الحقائق واضحة جلية بدون مساحيق التجميل التي عودونا عليها . لقد وصلنا مع ترامب إلي قمة الوعي بحقيقة الدور الأمريكي في بلادنا .. حيث أسقط أسطورة كاذبة خادعة جري الترويج لها عبر أربعة عقود وكادت تصير من مسلمات حياتنا المفروضة فرضا بحكم الأمر الواقع .. وقال الحقيقة التي يعتقدها فينا بلغة فجة لا تحتمل التأويل . ولن نكون شركاء متساوين مع أمريكا وإنما نحن بالنسبة لها مجرد موقع استراتيجي لاغني عنه لتتحكم في مفاصل العالم .. ومصدر للبترول والطاقة والثروة لاغني عنه لتوفير الرفاهية لشعبها .. ومع ذلك ثبت يقينا أن أمريكا لاتبقي علي حليف لها مهما كان قدره .. ومستعدة للتخلي عنه وبيعه عند أقرب ناصية .. فلا عبرة لمبادئ ولا لمواثيق وإنما هي المصالح وحدها التي تحرك دفتها .. ومهما قلنا فإن مصالحها يقينا ليست معنا وإنما مع حليفتها الاستراتيجية إسرائيل . لذلك وجب علي الذين يتصورون أو يحلمون بأن أمريكا ستدعمهم في إقامة الديمقراطية في بلادنا أن يستردوا وعيهم .. ويوقنوا أن أمريكا لا تدعم غير الخراب والدمار والحروب الأهلية وإثارة الفرقة وإشعال الضغائن والصراعات المذهبية والطائفية ومخططات التقسيم .. وأن الرهان علي أمريكا خاسر . ووجب علي الذين يتصورون أن أمريكا ستدعمنا في الحرب ضد الإرهاب أن يوقنوا أيضا أن رهانهم خاسر .. فأمريكا هي صانعة الإرهاب الأولي في عالمنا العربي .. وكل من يبحث ويدقق في نشأة المنظمات الإرهابية المسلحة سوف يتأكد له أنها خرجت من المعطف الأمريكي .. كانت أمريكا هي الممول والداعم والمنظم والمدرب لمعسكرات الإرهابيين في أفغانستان وباكستان واليمن وشمال العراق وسوريا .. وتسعي دائما لجعل هذه التنظيمات شوكة موجعة في خاصرة أوطانها . ووجب علي الذين يتصورون أن أمريكا يمكن أن تساعدنا لبناء اقتصاد قوي وتدعمنا في برامج التنمية والتطوير والتمويل والتعليم والصحة من خلال مؤسساتها ومعوناتها أن يوقنوا أن رهانهم خاسر .. وأن النهضة المرجوة لن تتحقق إلا بعقولنا نحن وتخطيطنا نحن وجهدنا وعرقنا ومواردنا الذاتية ورؤيتنا المستمدة من بيئتنا وثقافتنا ونمط حياتنا وطبقا لظروفنا الخاصة . وأيضا وجب علي الذين يحلمون بأن أمريكا ستدعم الحل النهائي للقضية الفلسطينية والسلام مع إسرائيل أن يتأكدوا يقينا أن رهانهم خاسر ..فكل الوعود والعهود التي وقعتها الإدارات الأمريكية السابقة كانت سرابا .. وكان الهدف منها كسب الوقت حتي تبتلع إسرائيل المزيد من الأرض بينما يدخل العرب والفلسطينيون في دوامة الخلافات والاختلافات التي تضعفهم وبالتالي تختل التوازنات في المنطقة .. وتصبح الكلمة العليا لإسرائيل بلا منازع .. وبلا حاجة إلي مفاوضات . الآن يتحدث ترامب وإدارته بكل صراحة عن إزاحة ملف القدس وملف اللاجئين من أية مفاوضات قادمة .. وأن صفقة القرن التي أعدت أمريكيا وإسرائيليا سيتم فرضها فرضا دون حاجة إلي موافقة الأطراف المعنية .. وربما يطاح بترامب قبل أن يحدث ذلك .. لكن هذا لن يغير من الأمر شيئا .. فأمريكا هي أمريكا .. بصرف النظر عمن يحكمها .