تحديد 800 متر كحرم آمن حول كل منشأة حيوية أو مرفق عام بنطاق محافظة القاهرة. أو أي محافظة مصرية أخري. لا يمثل في تقديري اعتداء علي الدستور من جانب وزارة الداخلية. التي أصدرت هذا القرار. ولا مساساً بحق المواطنين في التظاهر كوسيلة من وسائل التعبير الحر عن الرأي. إن هذا القرار يمكن تفهمه في إطار "التنظيم الإداري" لحق التظاهر وليس حجب هذا الحق. أو منع المواطنين من ممارسته. وهدف القرار. كما يبدو منه. وفي إطار التفسير "بحُسن نية". هو تأمين المنشآت وحماية المتظاهرين في آن واحد. استلهاماً للمصلحة العامة التي من المفترض أن نحرص جميعاً عليها. وتقديراً لحساسية الظروف التي نعيشها. ربما لم تكن صياغة القرار موفقة تماماً حين ذكر أن هذه المساحة التي تمثل الحرم الآمن "ممنوع" فيها التظاهر. فقدم بذلك "المنع" علي الإباحة. مما أوحي للبعض بأن القرار يمثل اعتداء علي الدستور. ومساساً بحق التظاهر. وكان يمكن تفادي ذلك بصياغة عكسية تقدم الإباحة علي المنع. وتنص علي أن حق المواطنين في التظاهر مكفول خارج مساحة الحرم الآمن بالضوابط التي نص عليها القانون. إن هدف أي تظاهر. هو توجيه "رسالة" إلي النظام. أو إلي الحكومة. أو إلي أي جهة معنية بشأن رأي المتظاهرين في قضية من القضايا أو مشكلة من المشاكل. فهل هناك نص في الدستور علي وجوب أن تكون المظاهرة علي أبواب مجلس الوزراء. أو مجلس النواب. أو أي جهة مستهدفة بالتظاهر. وإلا كان ذلك خرقاً للدستور ومساساً بحق التظاهر؟!! إن المسافات هنا. سواء تباعدت أو تقاربت. لا تعني شيئاً في توصيل الرسالة. في ظل انتشار كل الوسائل الإعلامية والتكنولوجية. ومواقع التواصل وغيرها. والتي تنقل الأحداث لحظة وقوعها. ليس فقط إلي الجهة المعنية. ولكن إلي كل العالم. مظاهرات 25 يناير 2011 مثلاً. أزاحت وهي في ميدان التحرير رئيس الدولة وقتها وهو في قصر الاتحادية بمصر الجديدة. أي علي بعد كيلومترات. وليس 800 متر. دون أن تحتاج إلي أن تصل إلي هناك لأن رسالتها وصلت إلي المُخَاطَب بها. وفي الدول التي يوجد لها معارضون في الخارج من مواطنيها. يتظاهر هؤلاء المعارضون أمام مقار سفارات بلادهم في العواصم التي يوجدون فيها. وتصل رسائل هذه المظاهرات إلي عواصم بلادهم علي بعد قد يصل إلي آلاف الأميال. ولقد جربنا حالات كثيرة من المظاهرات علي أبواب المنشآت والمواقع الحيوية أو بالقرب الشديد منها. وثبت أنها تزيد من احتمالات وقع احتكاك بين المتظاهرين وقوات الحماية. مما يهدد أمن المنشآت وحياة المواطنين وأفراد الحماية. فهل هناك من يرغب في تكرار ذلك. أو يري أن هذا هو الوضع الوحيد الذي يطابق الدستور؟!! وهل من يري ذلك أو يرغبه يستوحي مصلحة البلد وطناً ومواطنين؟!! ثم.. أليس من المتفق عليه أن تكون هناك ساحات في كل محافظة مخصصة للتظاهر. لا علاقة مكانية بينها وبين الجهة التي تستهدفها المظاهرة أصلاً. إن مسألة "الحرم الآمن" ليست بدعة مصرية. خاصة أن المستهدف بها هي المنشآت والمواقع الحيوية. والمرافق العامة التي تخدم المواطنين في الأساس. والذين يعارضون يعلمون ذلك جيداً.