في مقاله المنشور بالأهرام الاثنين الماضي نبهنا الأستاذ مكرم محمد أحمد إلي خطورة ما نشره الفقيه القانوني الكبير د.محمد نور فرحات بجريدة "المصري اليوم" الجمعة الماضي حول إحالة اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير إلي مجلس النواب. قال الأستاذ مكرم: عندما يؤكد قانوني كبير في قامة د.محمد نور فرحات أستاذ القانون في جامعة الزقازيق أن الحكومة قلبت الآية وأعطت للآخرين حقوقاً بالشبهات وأخفت أوراقاً ووثائق وخرائط وأظهرت أخري لكي تعطي غيرها حقا مشكوكاً فيه لا يصبح مقبولاً أن تلتزم الحكومة الصمت أو الطناش إزاء اتهام خطير يتجاوز كثيراً ما وصفه د.فرحات بأنه انعطاف مخزي ومخجل ليصل إلي حد الخداع وافتقاد الأمانة والصدق.. بل وربما يتجاوز ذلك إلي حافة العبث بمقدرات الأمة والخروج علي القسم الدستوري الذي يلزم الحكومة بالحفاظ علي مصالح الشعب. وإزاء هذا القصف من رجلين يكتبان بانضباط شديد عدت إلي مقال د.فرحات المشار إليه.. فإذا به دراسة رصينة تنطلق منها قنابل قانونية مركزة لا يخطئ أهدافها.. ليست مجرد كلمات وعبارات حماسية وإنما حجج وأسانيد قانونية ودستورية تستوجب رداً رصيناً مماثلاً.. لا أدري كيف لم تقم به الحكومة ومستشاروها القانونيون حتي الآن. ونستطيع أن نتوقف عند بعض النقاط المهمة في دراسة د.فرحات علي النحو التالي: * من حيث المبدأ.. كان توقيع رئيس الوزراء علي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تم بمقتضاها التنازل عن الجزيرتين للسعودية باطلاً.. هذا التوقيع من اختصاص رئيس الجمهورية وحده طبقاً للمادة 151 من الدستور.. بل إن هذا الاختصاص لا يصلح تفويض رئيس الوزراء أو غيره فيه لأنه من أعمال السيادة.. وقد استقر العرف والفقه الدستوري علي عدم جواز التفويض في الاختصاصات السيادية مثل إبرام المعاهدات الدولية التي يمارسها رئيس الجمهورية كرئيس للدولة. * أصدرت محكمة القضاء الإداري في يونيو الماضي حكمها ببطلان توقيع ممثل الحكومة علي الاتفاقية.. ووفقاً للمادة 100 من الدستور كان يجب أن تلتزم الدولة بتنفيذ الحكم وتمتثل لحكم واجب النفاذ لكن الحكومة ارتضت أن تناضل أمام القضاء لإثبات سعودية الجزيرتين.. وارتكبت جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية التي يعاقب مرتكبها بالحبس والعزل من الوظيفة. * الحكومة لا تملك حق إحالة الاتفاقية إلي البرلمان فهذا أيضاً اختصاص حصري لرئيس الجمهورية.. ومع ذلك فقد وقع قرار الإحالة "علي غير محل" لأن الاتفاقية لم يعد لها وجود أصلاً بمقتضي حكم محكمة القضاء الإداري.. فكيف يناقش البرلمان ورقة مجردة من أي قيمة قانونية.. الدفع الأول الذي نبديه أمام البرلمان الذي يرأسه أستاذ للقانون الدستوري هو الدفع بعدم وجود الاتفاقية. * المحكمة الإدارية العليا حددت يوم 16 يناير الجاري للفصل في طعن الحكومة علي حكم محكمة القضاء الإداري.. ماذا كان يضير أن تنتظر حتي يقول القضاء كلمته النهائية؟! لكن مسارعة الحكومة لإحالة الاتفاقية إلي البرلمان هي في الحقيقة محاولة للتأثير علي القضاء.. والمادة 184 من الدستور تجعل التدخل في عمل القضاء جريمة لا تسقط بالتقادم.. صحيفة الحالة الجنائية للحكومة أضيفت إليها جريمة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي وجريمة التدخل في سير العدالة. * وأياً ما كان الحكم المنتظر من مجلس الدولة.. الذي تتزلزل اليوم جنباته دون أن يهتز له وجدان أو يتأرجح في يده ميزان العدل.. وأياً كان ما سينتهي إليه البرلمان فقد أصبح أمر الاتفاقية في ضمير الشعب. ثم.. ماذا بعد هذا؟! أرجو أن يكون لدي الحكومة حجج وأسانيد قانونية ترد علي هذه الدراسة.. ليس بالصوت العالي.. وليس بتوزيع الاتهامات المجانية.. وليس عن طريق إعلاميي الطبل والزمر.. وإنما بالمنطق القانوني المقنع.. القضية جد لا هزل فيها.. ولا تحتمل غير البراهين التي تحترم العقول وتعلي المصلحة العامة للوطن. القضية قضيتنا جميعاً.. ويجب أن نكون علي قدر المسئولية.. نعرف كيف نختلف وكيف نتفق بالقانون والحجة والمنطق مثل الشعوب المتحضرة.. ونحن في انتظار رد الحكومة.