التعليم تلك المشكلة المزمنة في مصر والتي لا تجد حلاً رغم تعاقب الوزراء عليها كتعاقب فصول السنة.. رغم أن العلة واضحة وجلية ولكنهم لا يرغبون في الاعتراف بفشلهم. الحقيقة الواضحة أننا قديماً كنا دولة علم وعلماء ولم نسأل أنفسنا عن تلك الحقب التي أخرجت لنا الأسماء الكبيرة والتي كان خلفها هيئة من المعلمين الجهابزة الذين يملكون القدرة علي تحمل ذكاء وملكات تلاميذهم.. أما الآن فالمعلم الذي تخرج في الجامعة ولم يتعلم سوي المنهج البسيط والذي يسير علي خط كشريط السكة الحديد ولو قابله سؤال خارج السياق ينقلب محدثاً كارثة.. الكارثة التي يحدثها المعلم الجاهل ليست حادثاً عارضاً يمكن مداواته بل يظل ملازماً لهذا التلميذ بقية عمره وقديماً قالوا التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر. وسأذكر هنا ثلاثة نماذج للتدليل علي ما أقوله من مستوي التعليم لدينا بعيداً عن المادة العلمية ولكن الجهة التربوية المنوطة بتقليل الطفل للعلم أو رفضه. يوسف حازم هذا الطفل المبدع الفنان الصغير والذي تنمو داخله بذرة فنان متمرد علي فنه.. عندما طلب منه أن يرسم "دائرة ومثلث ومربع" في محاولة لزرع مبادئ الهندسة في عقله الذي ينمو.. فما كان من الطفل الموهوب إلا أن قام برسمها بيده دون استخدام الأدوات الهندسية قائلاً لمعلمه بأنه فنان وقادر علي الرسم دون تلك الأدوات.. فقام المدرس بمنحه صفراً في ورقة الامتحان.. تعالوا نحلل ما سيحدث قد يكره هذا الطفل علم الهندسة بقية حياته لأنه صدمه في فنه وموهبته وقدراته عندما لم يقدرها مدرسه.. وكنت أري لو أن هذا المعلم كان متعلماً بما يكفي لأن يقوم بهذا الدور فلو أنه شكر يوسف علي قدراته مثنياً عليها وأفهمه أنه أجاد ولكننا سنلتزم بما يجب حتي يتعلم شيئاً جديداً باستخدامه لأدوات الهندسة وأن غير ذلك قد يعرضه للرسوب ويعده بأن يخصص حصة للمسابقة بينه وبين أقرانه لاختبار قدراتهم الفنية التي يثق تمام الثقة أنه سينجح فيها.. وقتها كنا سنمتلك طفلاً موهوباً وربما عالماً في الرياضيات التي سيحبها الطفل. النموذج الثاني أدهم مصطفي هذا الطفل الرائع المتمرد والذي مازال في مرحلة الحضانة والذي يرفض توصيل الألوان بما يشابهها ورغم أن المنهج ينص علي ذلك ليتعلم التشابه بين الألوان إلا أنه يرغب أن يبتكر تواصلاً آخر للألوان فلماذا لم تقبل المعلمة بذلك ثم بعد أن ينتهي من رؤيته وتثني عليها أو تعدلها تقول له بشيء من الذكاء وكأنها لعبة أن يفعل ما طلبته هي أو يطلبه المنهج أو الموجه أو أي شيطان يخرب في عقول أبنائنا.. إنهم يقتلون الإبداع في عقول أولادنا يجيدون التفنن في خلق عداوة وكراهية بين الطفل والعلم ويتحول لماكينة تحشي بالمعلومات الضحلة مما يجعل العلاقة سيئة بقية العمر بين الطفل والكتاب والمعلومة.. والسبب المعلم الذي خرج للحياة غير مؤهل ومن جيل ضعيف لجيل أضعف أصبح أبناؤنا حملة شهادات لا علم ولا معرفة وأصبحنا رغم تعدادنا الكبير نفخر بما كان وليس بما سيكون. وأنهي حديثي بتجربة خضتها قديماً من أكثر من خمسة وعشرين عاماً عندما تقدمت لعمل ماجستير لتدريس اللغة العربية كلغة أجنبية وفي الجامعة الأمريكية نظرت لورقة الأسئلة التي كانت تعتمد الفهم أكثر من الحفظ.. فما كان مني إلا أن كتبت بالانجليزية جملة واحدة.. عذراً تعلمنا لغتكم حفظاً وليس فهماً ولذا صعب علي الاختبار تركت الورقة وفوجئت بعد ظهور نتيجة القبول أنهم قبلوني وأترك التعليق لكم.