فارق ان تلعب وان تكون "لعيب" وفارق بين لعب العيال والصبيان الهواة ولعب المتعلمين.. وحتي بين المتعلمين يوجد مستويات فهناك الاسطي الجدير بلقب الاسطي وهناك الصنايعي الملم بأصول الصنعة من دون إضافة أو ابتكار فقط اكتفاء بالبضاعة الرابحة وزبونها الجاهز الذي يضمن النجاح. المنتج أحمد السبكي من ضمن هؤلاء في أحيان كثيرة ينفرد بالملعب فيكون لعيباً واسطوياً وصنايعياً فاهماً أصول الصنعة وملماً بمزاج الزبون ومن هنا يحقق النجاح التجاري ويفوز بالإيرادات. لكن هل في هذا ما يزعج أو يثير الغضب؟ كثير من إنتاجه يثير الإزعاج والغضب لدي نقاد السينما- وأنا منهم- ولكن فليذهبوا جميعاً إلي الجحيم.. فماذا يهم المتعلم من لغو المتعلمين؟ وأكثر ما يبعث علي الانزعاج والغضب صرعة الاسفاف اللفظي والتدني البالغ "من وجهة نظر النقاد البُعدا" وايضاً افة الجسد لدي المفضلين عند السبكي من الاسماء التي تتكرر في أفلامه انها أحد مصادر الازعاج خصوصاً عندما ينسي ان نجومه يرتكبون أفعالهم علي الشاشة وأمام الجمهور وليس في حجرات خاصة. كثير من الرجال يتحولون إلي راقصات بلدي وكراقصات إلي غانيات والفتوات في طبعتهم "السبكية" أكثر همجية وعنفاً من أعتي فتوات زمان ومن أكثرهم دهساً للأصول ولهم تعريفاتهم الخاصة جداً عن الجدعنة والشرف والجسارة وتخليص الحقوق فلا بأس من ارضاء الزبون بأي فعل فاضح علي الشاشة. ولكن وللموضوعية حيث أحاول ما أمكن ألا أجور علي ميراث السبكي الذي يبنيه منذ أكثر من ثلاثين عاماً فهو أحد خدَّام صناعة الترفيه ومن أكثر المساندين لهذه الصناعة إذا اعتبرنا ان وسيط الفيلم مازال يعامل وبشكل أساسي كوسيلة للترفيه والترويج عن "الزنقات" الاجتماعية وما أكثرها ان بديل الكبارية وبديل الأعراس الشعبية وبديل حديقة الحيوان وبديل السيرك فيه البلياتشو والمهرج والقواد والراقصة والنصاب والشجيع وفيه جرعات كافية من الضحك والهزل والضرب والدموع والغرام المكشوف. وهل في هذا أي سبب للازعاج؟ الأمانة تقتضي القول "بأن كل شلة يشبه لها" بمعني ان الأشياء في مجملها تشبه ظواهر مجتمعية وتعكس مزاجاً عاماً وتخص جمهوراً عريضاً يقوي من إرادة المعلم الصنايعي وتدفعه إلي الاستمرار وحتي الظهور في أفلامه مثلما يفعل "هتشكوك" احيانا ولم لا؟ انه السبكي و"العب ياسبكي العب" هذا حقك.. ومن دواعي الموضوعية أيضاً ان أشيد بمحاولات المنتج المعلم للتخفيف من مشاهد الابتذال الفاضح والتشوهات اللفظية السخيفة والتوجه إلي افساح مساحة ترفيهية لصغار السن "الأطفال" ومساحات أكبر للفكاهة والهزل والقفشات وحضور "نظيف" لطاقم الاناث وياليته يحقق المزيد من النظافة الشكلية بالاستغناء عن "نوع" الراقصات المتفجرات من ذوي الأبدان الممتلئة والبارزة إلي حد الترهل والألوان الفاقعة المؤذية للبصر مؤرقة للبصيرة. آخر الأعمال التي شاهدتها من بضاعة أحمد السبكي فيلم "علشان خارجين" فيلم العيد الوحيد الذي شاهدته حتي الآن وربما اشرت ضمناً إلي وجود لغة بصرية أخف وطأة علي العين والأذن وأكثر راحة للباحثين عن ترفيه خال نسبياً من "العدوي". الفيلم مثل معظم الأفلام التي نضعها ضمن التصنيف "الكوميدي" والأقرب انه كوميديا هزلية "FARCE" وهذا ليس عيباً بالتأكيد فهي نوعية يندرج تحتها معظم الأعمال المعروضة حالياً أو كلها. هي أعمال خفيفة هدفها الأوحد الترفية عن المتفرج عبر مواقف تخضع في معالجتها إلي كثير من المبالغات والاسراف في الجنوح بعيداً عن المعتاد وعن منطق الأمور وعن التصور العقلاني لتطور الشخصيات كما انها تتميز بكثير من الالتواءات السردية والقفز من موقف إلي آخر دون مبررات درامية أو موضوعية أو حتي تسلسل مفهوم. من الأفضل ان نتعامل هنا مع الفيلم كمواقف هزلية طريفة وضاحكة معبأة بروح السخرية ومدعومة بقدر ظريف من الافيهات المرتجلة أو المصطنعة يؤديها ممثلون قريبون من القلب ولا تتوقع تسلسلاً منطقياً للحبكة ولا تلتفت كثيراً لرسالة عابرة عن فوضي العلاقات الزوجية وضياع طفل يبحث عن ملاذ أسري فلا ضرر ولا ضرار من زج أي فبركة مصطنعة "لمورال" أي "عظة أخلاقية" وتعامل مع المواقف علي حدة واضحك مع طاقم الممثلين لانهم ظرفاء من دون لصوصية فهم لن يسرقوا وقتك ولا نقودك لانك أخذت حقك "تالت ومتلت" فأنت تشاهد أداء ممثلة خفيفة الظل وقوية الحضور مثل إيمي سمير غانم وممثل لهلوبة حسن الرداد وراقصي لولبي ومهرج لطيف وهزلي عند اللزوم من دون ثقل ظل. أنا علي يقين من خلال تجربة الفرجة علي "علشان خارجين" انك ستضحك أمام رقص بيومي فؤاد خصوصاً إذا تعاملت معه كشخصية كرتونية قريبة من القلب أو كشخصية اب فارغ الدماغ يستميت لتزويج ابنته غريبة الأطوار والتي لعبت دورها بامتاع وقدر من الطرافة يثير الاعجاب. المخرج خالد الحلفاوي وطاقم فنييه في تجريته الثانية بعد "زنقة الستات" يستخدم نفس الافيهات تقريباً بتنويعة مختلفة ونفس المهارات في اخراج المواقف واخراج أقصي ما يمكن ان تفرزه من مضيحكات هزلية وسخرية فكهة. هذه التوليفة من عناصر الهزل الضاحك والطريف والخفيف البعيد عن الابتذال المستفز موجودة ويضاف إليها "التحويجة" الثابتة التي تتكرر في كثير من أعمال المنتج "اللعيب" وأنا أعني محمود الليثي والمطربة الشعبية فهو بحدسه أو ربما عن علم يجد في صوته قبولا جماهيرياً يتماشي مع ذوق أفلامه خصوصاً وانهما ليسا مجرد مطربين انما راقصان والليثي مثل أي راقصة يمتلك الحركات اللولبية شأنه شأن فيفي عبده مع احترامي البالغ للأخيرة ولكنها نموذج أصبح يحتذي فضلا عن كونها خفيفة الظل وبنت بلد وقد حاول حسن الرداد تقليدها في "زنقة ستات" وكان "نمرة" مدهشة من نمر الفيلم الأول للمخرج. أحمد السبكي منتج فيلم "علشان خارجين" وفيلم آخر من أفلام العيد "حملة فريزر" لم أشاهده بعد يعتبر من واقع الأمر "أسطي" شاطر في ملعب الترفيه "الشعبوي" الذي يستميل ويوجه خطابه إلي شرائح شعبية عريضة وهو صنايعي ملم بأصول الصناعة "يلعب" بأفضل عناصرها علي مستوي الشباك ويمد الحبال حتي لمن لا يتصورون انهم ذات يوم سوف يلعبون داخل نفس ملعبه وبأدواته الرائجة بالتأكيد. أنه يعلم ذلك جيداً ولديه كل الأسباب في الاعتداء بنفسه باعتباره "ماركة" مسجلة وكان من الممكن ان يصبح قوة مؤثرة جداً في الاتجاه الايجابي لو انه وجه نفس التوليفة بعد تشفيتها من العظم والجلد في تدعيم "اللحمة" الاجتماعية وليس اللحمة التي مآلها إلي حيث تذهب الفضلات العضوية بالتأكيد.