النجاح الجماهيري الكبير لفيلم روائي طويل يخرجه مخرج شاب مع أول خطوة في مشواره الفني. مؤشر يدعو للتفاؤل بالنسبة لصناعة السينما المصرية التي عانت في السنوات الأخيرة من تراجع كمي وكيفي. وحين يكون هذا النجاح التجاري قائماً علي خلطة كوميدية قادرة علي إضحاك الجمهور وخالية في نفس الوقت من العناصر الرئيسية المعتادة التي يعتمد عليها المنتج في اغلب انتاجه. وأشير تحديداً إلي ثلاثي الجنس . العنف. الكيف.. فإن ذلك يعني انتصارا للذات "ذات المنتج" وللنفس الأماره بسوء استخدام الفن واستغلال وسيط الفيلم في تسويق الابتذال وجمع المال. "زنقة ستات" للمخرج خالد الحلفاوي شهادة أولية علي قدرة جيل جديد من السينمائيين علي التعامل بلغة الفيلم السائدة من دون تنازل كبير لشروط المدرسة التي يترأسها صاحب رأس المال "المنتج". وهذا الجيل بالرجوع إلي الفيلم موضوع هذا المقال- يضم المخرج "خالد" وكاتبا السيناريو "هشام ماجد وكريم فهمي" ومجموعة الممثلين الشباب: حسن الرداد. وايمي سمير غانم ونسرين أمين وآيتن عامر ومي سليم.. "التوليفة" التي تفاعل معها الجمهور من أول دقيقة وحتي العناوين الأخيرة تشهد علي ذكاء المؤلفين مرة أخري.. وعلي مهارتهم التي تكشفت في أعمالهم السابقة.. خصوصا في اصطياد نوعية الافيهات المصرية الصنع. المرئية واللفظية وتركيبة المواقف الضاحكة المستفيدة من الميراث الشعبي التي روجت له السينما المصرية وأثبتت قدرتها علي تحقيق التفاعل بين الشاشة والصالة. ثم خلط هذا أو عجنه بحرفية في سياق حكايات وحبكات مقتبسة من أعمال أجنبية أحياناً والخروج من هذه الخلطة بتوليفة ناجحة وبروح فكاهة خالصة هكذا علي أي حال اعتادت السينما المصرية علي الاقتباس والتمصير من دون الابتعاد عن الروح والمزاج والنكهة الخاصة بالفكاهة المصرية. نجاح مخرج "زنقة ستات" إنه ترجم الحس الفكاهي باستخدام الحركة الرشيقة واللفتة الشقية واللغة المرئية للعيون وحركة اليدين ومخارج الحروف المحرفة. والتلميحات الجنسية اللازمة والتي لايمكن الاستغناء عنها حسب إرشادات "صاحب المحل". ايضا الافيهات اللفظية والغرام المزمن بالتهريج "والفرسكة" فرض التهريج الصامت في لغة اداء بيومي فؤاد وأسلوبه الطريف لشخصية "جلال الجحش" أستاذ اللغة بالجامعة. وما يميز "زنقة ستات" خفة روح سارية بعفوية وسلاسة في مشاهد الفيلم حتي المشاهد المصطنعة.. وفي أداء جميع الشخصيات بما فيها الممثلين الصغار "صبيان سميحة العو" و"النمر" التي قدموها علي أرض الخرابة التي تسكنها المعلمة الفتوة "نسرين أمين". اعتمد النجاح في توليد حالة من الضحك الهستيري الذي اصاب الجمهور أمام بعض المواقف عملية "قلب الأوضاع" أي دخوي الرجل حلبة الرقص الشرقي واعتماده كراقصة لولبية صاحبة مدرسة. وتقمص المرأة شخصية البلطجي وتسيطر علي منطقة تعج بالرجال وتستخدم السلاح الأبيض بحرفنة تثير الضحك ثم نجاح المخرج في توليد حالة صخب داخل الصالة بفضل "الكركرة" ولا أقول الضحك.. كانت الصالة أمام مشهد "الرداد" ببدلة الرقص المبتكرة وحركات الجسد وأصابع اليدين والذراع والاداء الصوتي مثيرة جدا لهذه الحالة من الصخب.. علما بأنني شخصياً كواحدة ثقيلة الظل ومن النقاد المحافظين لم تصل المسألة عندي إلي حد "الكركعة" وإن كنت لا أخفي اعجابي بالحالة التي تقمصها الممثل عموما والحمد لله أنني لست ضمن الجمهور المستهدف للفيلم. إيمي سمير غانم تعتبر دون جدال إضافة لفنون الأداء الدرامي الكوميدي مثل شقيقتها "دنيا".. الاختان موهبتان معجونتان بالظرافة واللطافة وخفة الروح والأداء الطيع والقريب من القلب خصوصا لو جاء الأداء في اطار عمل متكامل ومع مخرج شاطر في فن إدارة الممثل. "زنقة ستات" يوفر الفرصة "لإيمي" في اعادة انتاج شخصية نجحت في ادائها من خلال مسلسل "هبة رجل الغراب" وإن كان في سياق حبكة مختلفة. وكذلك يعيد استغلال قدرتها في تحريف اللغة الانجليزية بادعاء وتشويه يثري الحس الفكاهي.. ففي أول مشهد لها تبدو منهمكة في ترديد نطق كلمة "ستروبري" بمعني "الفراولة" ترددها وراء صوت يدرس اللغة الانجليزية علي الانترنت. وأيضا في تعليم النشيد الفكاهي "الفرانكوآراب" لإخوتها الصغار في "نمرة" طريفة تستعرض مواهب شلة من الاطفال الموهوبة. وإن انزلق المشهد إلي نقيصه "الابتذال" في تصويره لحالة الطفل المنفعل باالملابس الداخلية.. "يموت الزمار وصباعه بيلعب" إذ لابد من توقيع "المنتج" احياناً إما بظهوره شخصياً كما حدث في نهاية الفيلم. أو باشارة خشنة خادشة للذوق أو في الاثنين.. كتاب الفيلم يلجأون كعادتهم إلي اعادة "تصنيع" لمشاهد بعينها أصبحت مشهورة في أعمال سابقة ولكن بأسلوب كاريكاتوري ساخر وتوظيف لها في سياق آخر وعادة ما تكون مشاهد "أوفر" أي مبالغ فيها للتعبير عن العواطف والانفعالات بطريقة مليودرامية.. "kitsch" وهو نوع من الفن المنسوخ عن فنون أخري شاع في الفن التشكيلي وحتي في الموسيقي. والفنون الجماهيرية. في فيلم "زنقة ستات" وفي مشهد ميلو درامي تعبر "لبني" "ايمي" لعلي الجحش "حسن الرداد" بعد اكتشاف الحيلة التي أرادت أن تتقرب بها اليه عن كونها فقيرة المال غنية الشرف هذه العبارة الشهيرة في أحد أفلام حسن الامام. وستجد ذلك في مواقع أخري تستخدم نفس الاسلوب.. فعلي سبيل المثال في فيلم "كابتن مصر" ستجد أحمد فتحي الممثل يتقمص شخصية أحمد زكي في فيلم "الهروب" وفي مشهد اصبح من المشاهد الشهيرة جدا في أعمال عاطف الطيب. "ألف رحمة علي روحه". حسن الرداد في شخصية علي منير الجحش يرسم صورة كاريكاتورية للنصاب المودرن. الوسيم ابن الناس والفاسد رغم كل المقومات إنه الشاب الوحيد الذي أرغم علي دراسة الطب ولكنه يعمل في مجالات أخري ليست من تخصصه بلطش خبرات الآخرين. ويمارس الطب النفسي بالتواطؤ مع الممرضة "لبني" التي تعمل في عيادة والده "سامي مغاوري" طبيب النفس المشهور. ولكنه الفاسد أيضا. ولبني نفسها نصابة تمارس عملها بشهادة مزورة من صنع "علي" الذي يمارس التزوير في الأوراق الرسمية ويتحايل بهذه المهارة علي عمه وابتزازه. وحتي يحصل علي مصنع في لندن تركته والدته المتوفاة يراهن علي مريض نفسي مطلوب لشفائه كسر قلوب أربع صبايا هن "سهام بدر" "آيتن عامر" الفتاة المتدينة المحجبة و"شكرية" الراقصة "مي سليم" و"سميحة العو" البلطجية "نسرين أمين" والمطلوب خطة لايقاع بهؤلاء في حب "علي" ثم التخلي عنهن امام "المريض" وهناك واحدة رابعة لم تظهر ولكن تتقمص شخصيتها "لبني" من خلال مكالمات تليفونية تسمع من خلالها صوت علي الذي تهيم به حباً. ولا تقوي علي مصارحته بسبب الفوارق الطبقية. "الحكاية" كما نري مثل حواديت الاطفال الخرافية قبل عصر التكنولوجيا. ولكن المخرج استطاع أن يمررها لأن الفيلم نفسه عمل ترفيهي خالص. كوميدي من أجل الضحك فقط وليس المطلوب أكثر من التسليم لما يدور علي الشاشة والاسترخاء من دون تساؤل لأنك أمام نمر ضاحكة وشخصيات من صنع الخيال المخرف والفيلم نفسه يكشف عن ذلك في المشهد الأخير. الذي يبدو منفصلا تماماً عن ما جري قبله فالمحجبة تخلع الحجاب وترتدي البدلة وتندمج في الغناء وفي المشهد الراقص والمطرب الشعبي بأدائه البهلواني يندمج بدوره في نمرة طرب شعبي يتم تسويقها منفصلة عن الفيلم. والمعلمة البلطجية في ملابس مودرن أنيقة. والراقص اللولبي/ صاحب مدرسة الرقص "كوكو" يسهم برقصاته علي المسرح.. ويشارك الجميع المنتج أحمد السبكي منتشيا. "زنقة ستات" اشبه "بمسرح كبير" لعينات من البشر في رسوم كاريكاتورية تقدم أدوارها أمام الجمهور ثم تخلع الأقنعة بعد انتهاء المسرحية وتحيي الجمهور فالجميع ينط ويفط ثم يتلاشي بمن فيهم "المطرب" الشعبي. آخر طبعه في البوم يضم العزبي ومحمد رشدي ثم أحمد عدوية.. إلخ.. والأغنية تتضمن اعلانا صريحا "لفودافون" وللسبكي نفسه الراقص علي رفات الفن السابع. وان كان يحمد له استعانته بمخرجين جدد ونجوم الصف الثاني واصراره علي مواصلة الانتاج السينمائي حسب قناعاته وقواعد "المدرسة" التي أرساها ويؤمن بها.. ومن حقه علينا أن نكون راضين بانجازاته شريطة أن يخفف هو من طريحة الثلاثي القاتل: الجنس العنف والكيف.