يواجه الناقد صعوبة كبيرة إذا ما حاول تقييم فيلم مثل "جحيم في الهند" ذلك لأنه عمل لا يمكن إخضاعه لأدوات النقد الفني الكلاسيكية بمعني أنه متحرر من العناصر البنائية الي تجعله عملاً فنياً متكاملاً ومتسقاً تحكمه حبكة وبناء متماسكان. ولكن ثمة صعوبة أكبر لأنه عمل مسل بامتياز جماهيري بشهادة الجمهور الذي وضعه بإيراداته علي رأس القائمة التي تضم الافلام المعروضة الآن.. والأهم أنه يعلن بوضوح أنه عمل ترفيهي يحتفي باللهو واللعب والمرح والمغامرة ويسعي بجدية لخلق إحساس وافر بالبهجة وقد نجح في ذلك. فمن بمقدوره أن يعترض؟؟ فهذه النوعية من الترفيه البسيط الصاخب مطلوبة جماهيريا والأهم أنها تقدم للناس تياراً آخر من الضحك يوازي التيار الكاسح الذي شق له "السبكي" طريقا طويلا وعريضا ووعرا أيضاً لأنه يمتلئ بالمطبات التي تصيب الذوق وتشكل بيئة بذيئة لفظياً وشكلياً. ومزدحمة بالعناصر البشرية التي تكرس نوعية من الترفيه المتدني بلغة جسد مبتذلة. فيلم جحيم في الهند يتفوق بمزيج خاص من الفكاهة المصرية والبهارات الهندية وقبله "كابتن مصر" من نوعية تشابهة يلعب بطولته نفس الممثل الذي اتجه إلي إشباع روح المرح باستخدام فريق كرة خفيف الظل ويعرف كيف يفجر ضحكات الجمهور بجرعات مخففة أو معدومة من الابتذال اللفظي أو الحركي.. في هذا نحن أمام فرقة "مزيكا" هزلية. الحكاية في فيلم "جحيم في الهند" خرافية هزلية مستحيلة الحدوث في بلاد الواق واق. ومصادر الفكاهة فيها تتولد من خطأ إن حدث في الواقع فإنما يدل علي إننا في بلاد من المساطيل الحشاشين المغيبين عن الوعي.. الخطأ المقصود هو الاستعانة بفرقة مزيكا "تعبانة" أي علي قد حالها من الموهبة. بدلا من فرقة صاعقة وذلك بسبب خطأ في قراءة رقم الغرقة "11" والمرسال حامل الرقم مسطول وكذلك سيادة "اللواء" المكلف بمتابعة رحلة هذه الفرقة "حسن حسني" إلي الهند لإنقاذ السفير المصري هناك بعد أن تم اختطافه.. والسفير نفسه يلعب دوره الصغير ممثل كمبارس هيئته لا تصلح لأن يكون غفيراً.. الوحيد "المصحصح" والقوي ضابط شاب من العمليات الخاصة. سوبرمان يؤدي دوره محمد إمام.. وهو الممثل الذي عرف "النغمة" المناسبة لأدائه. الطائرة علي متنها الفرقة "الهُزأة" التي تتكون من مجموعة مهرجين هزليين يؤدي أدوارهم بيومي فؤاد. وأحمد فتحي. ومحمد سلام. وحمدي مرغني....الخ تسقط وتتوزع دروب اعضائها في منطقة بالهند. أحدهم يلتقي بحسناء هندية ويهم بالزواج منها بما يتضمن ذلك من طقوس احتفالية. وآخر تصادفه غوريلا عملاقة تقع في غرامه وتتابعه وتصر علي مرافقته بما يتيح ذلك من مواقف فكاهية. والثالث يظل معلقا في فرع شجرة يستغيث بمن ينقذه والضابط "السوبر" يقع في غرام مصرية "ياسمين صبري" حسناء مكلفة بمهمة مخابراتية في الهند وتنضم للضابط "السوبر" وتقع في غرامه وقبل أن تبوء المهمة بالفشل يستعين الضابط بمهاراته ويقرر استخدام فرقة المزيكا للدخول إلي قصر السلطان المختبئ به السفير هو وأسرته. هل فهمت شيئاً؟؟! وهل اقتنعت بهذه الحدوتة الهبلة؟؟ مش مهم..! الحكاية خرافية والبطولات وهمية والتمثيلية لاشك فكاهية هزلية محشوة بالقفشات والنكات والحوارات غير المفهومة. والشخبطات اللفظية.. فالفريقان المصري والهندي ليست بينهم لغة مشتركة منطوقة. فقط لغة جسد وهمهمات ولغة عاطفية لاتحتاج إلي ترجمة خصوصا في المواقف بين الغوريلا وعازف المزيكا المصري أو بين ضابط الإيقاع والمرأة الهندية التي سقطت صريعة هواه.. أو بين سكان حارة هندية فقيرة وفرقة تهريج مصرية وكوميديان برتبة ضابط سوبرمان.. هناك بالتأكيد رغبة قوية مشتركة لاضحاك الناس ولا أي هدفاً آخر يسيء إلي أي من الفريقين. فالاثنان يستخدمان جانبا أصيلا من ثقافته.. الأول المصري يمتلك مهارات غير قابلة للتنافس في كيفية إضحاك وزغزغة الجالسين أمام الشاشة ولا يهم الطريقة. المهم أن الاستظراف لا يزيد عن حده حتي لا ينقلب إلي ضده.. وإن حدث فالمهم لا يتجاوز مشهداً أو بضعة مشاهد. والفريق الثاني "الهندي" يمتلك الموسيقي الهندية المألوفة والمحببة للمصريين والغناء الاستعراضي والألوان المبهجة للملابس والتصميمات الخاصة اللافتة إلي جانب تشكيلات النمر الراقصة.. انه مزيج مسل فعلا وخلطة تشهد للمخرج معتز التوني وللمؤلفين الذين جهزوها علي الورق بأنهما وفقا في الغرض الذي من أجله تم افتتاح الفيلم! الهزليات السينمائية الخالية من الموبقات والتي تريح وترفه عن المكبوتات وتوفر طاقة إيجابية لدافعي التذاكر. من الأمور غير المستفزة أو المرفوضة حتي لو ابتعد صناع العمل عن "أنواع" الفيلم وعن المقومات الفنية الضرورية لفن الفيلم. هذا فيلم هزلي ضاحك لو أجبرنا علي التصنيف النوعي. وبالنسبة للتصنيف العمري فهو يصلح لكل الأعمار ولا شيء يحول دون دخول الاطفال الذين شكلوا نسبة من الجالسين في المقاعد داخل الصالة رغم ارتفاع سعر التذكرة.. لكن عيدية العيد مازال منها ما يكفي للفرفشة وبالذات عند الشريحة القادرة علي اصطحاب أولادها للفرجة في "مول" حديث وأنيق وصالات جيدة التكييف. ففي هذه الحالة وأمام جمهور الكبار والاطفال يمكنني الزعيق بصوت لا يخلو من شوية عصبية مفهوم دوافعها: أنا "المتفرج" راضي وأبويا كمان راضي وأنت مالك يا قاضي لو افترضنا أن الناقد هنا في مقام القاضي.. ولذلك سوف امتنع عن الدخول في إجراءات تنتهي إلي حكم سلبي علي فيلم أحبه الجمهور بسبب استشعار الحرج. وأضيف بأنني لم أندم علي ما أنفقته من وقت ومال وجهد الذهاب والإياب إلي دار السينما لأنني أخذت عائداً لا بأس به من الترفيه والرضا بوجود شركة إنتاج أخري قوية "نيوسنشري" تمد الجمهور بنوعية أخري من الترفيه وليست أقل قوة من نوعية امتلكت السيادة لفترة علي التيار السائد.. فلن يفل الهزل البذيء والترفيه المبتذل إلا الهزل الحريف الحراق المخلوط ب"الماسك" "التوابل" الهندية قوية التأثير.. ويارب تزيد وتبارك ويمتلئ السوق ب"السينما" والمنافسة المشروعة لأفلام جماهيريا تحقق مكسباً لمنتجيها حتي لا نجد سفيهاً مدعياً ويطالب بزيادة الضريبة علي الفيلم الاجنبي "الامريكي بطبيعة الحال" متجاهلا حقيقة أن المصري يحلي ولو كان "وحلة" زي الزوجة القديمة أو ان المصري "يوكل" زي الفجل والجرجير الورور الذي يفتح الشهية وأشياء أخري.. تقوية الفيلم المصري ودعمه هو الحل وليس اضطهاد الافلام الأجنبية لأن للأول جماهيره وللثاني جمهوره.