"الحرب العالمية الثالثة" عنوان ليس دالا عن فيلم ترفيهي خالص ومبهج يعتمد بالكامل علي قدرة أبطاله الثلاثة "أحمد فهمي. هشام ماجد وشيكو" علي إنتاج جرعات "حميدة" من الضحك.. وما أعنيه بكلمة حميدة خلوه من الإسفاف والابتذال والسوقية التي تلازم عادة صناعة الضحك المرئي في مصر.. وتلازم بصورة أكثر إسرافاً كثيراً من إنتاج السبكي. وتتفق في معظم الأحيان رغم أي نقد مع ذوق العامة من جمهور السينما. ومن الاخبار السارة التي ترضي الرافضين للبضاعة التجارية في سوق الفكاهة الهابطة. نجاح مثل هذا الفيلم في شباك التذاكر وتفوقه علي الأفلام الأخري التي عرضت في نفس التوقيت "أيام العيد" وبنفس الجمهور المعتاد والمستهلك الرئيسي لهذه البضاعة ذلك رغم حضور النجوم "الكبار" الذين يقومون بدور البطولة ويعتبرهم منتجو الأفلام "ماركة" تجارية رائجة. النجاح الجماهيري إذن لا يعتمد علي أسماء النجوم فقط أيا كانت مكانتهم التي حققوها. فمنذ سنوات قليلة حقق الثلاثي الضاحك أبطال هذا العمل نجاحاً مفاجئاً وغير متوقع بفيلمهم "سمير وشهير وبهير" ولم تكن الفكرة التي اعتمدوا عليها من بنات أفكارهم. ولكن القدرة علي توظيفها لكي تناسب روح الفكاهة لدي دافع التذكرة وتقابل توقعاته بالنسبة للعائد المعنوي من البهجة والترفيه ولوازمه فلا يخرج من السينما محبطا أو ساخطا نادما علي فلوسه. هذه القدرة هي ما تجعل المنقول مصري الطابع والتأثير. وهذه المقدرة علي التعامل مع أفكار مأخوذة من أعمال أجنبية وإعادة إنتاجها في قالب محكي وبروح مصرية وفكاهة تنسجم مع الذوق السائد ليست جديدة علي صناع هذه السلعة أعني "الفيلم الكوميدي" وإذا كان المصريون هم من ابتدعوا عبارة "إحنا اللي دهنا الهوا دوكو" فهم أنفسهم الذين يمكنهم تحويل فيلم "ليلة في المتحف" الأمريكي إلي "حرب عالمية ثالثة" دون أن يشعر المتلقي أنه أمام عمل تقليد. أو أن ما يراه "سقيم وبايت" ويسد النفس. حقيقة الأمر وحسب رأيي المتواضع فإن الفيلم المصري يفوق ويستقبل بترحاب أكثر من أصله الأمريكي وذلك بسبب حجم الفكاهة وخفة روح الممثلين. المؤكد أن "شيكو" أخف روحا من الممثل الأمريكي بن ستيللر وهشام ماجد أقرب إلي القلب - محلياً - من روبين ويليام. وأنعام سالوسة تتمتع بخفة روح وأداء فكاهي يتواصل مع جمهور العيد الذي يدخل السينما ويدفع التذكرة ولا يسعي لشيء سوي الانبساط والمرح وتمضية وقت مسل.. فهذه النوعية من الأفلام تحدد توجهها ومنتج الفيلم يعرف ويتآلف مع احتياجات الجمهور الذي يقبل علي أفلامه وهو يعرف تركيبتها ويتوقع ما يرضيه من الترفيه المباشر والزاعق والطرب الصاخب. ومن دواعي التفاؤل أن الفيلم علي غير مايتوقع الكثيرون يختلف عن التوليفة المعتادة من "السبكي" والفكاهة هنا "مصروف" عليها إنتاجياً وبسخاء نسبي ويظهر هذا بوضوح في العناصر الفنية المرئية. تحديداً من الملابس والديكور والمكياج وفي الاضافة المتميزة والمثيرة للجزء الخاص بالصور من إنتاج الكمبيوتر "مشاهد الاسود" وبشكل عام يتسم التنفيذ بقدر من المهارة واضح. وتبدو المشاهد والحركة داخل إطار الصورة محسوبة بحرفية ومقنعة. وموحية بأجواء الفانتازيا ومثيرة بشخصيات من وحي خيال حكايات ألف ليلة. وآثار من حواديت الكرتون. وافلام الرعب وطموح بدس إيحاءات سياسية وتاريخية لم تكن مطلوبة فضلا عن كونها مفروضة وليست موفقة خصوصا عند الاشارة إلي بعض الرموز الوطنية. وشخصيات تاريخية ثقيلة الوزن في مسار التطور والحضارة الإنسانية "غاندي - هتلر" أو تاريخ الوطنية المصرية "محمد علي - أحمد عرابي" ولو أضفنا "أبولهب" وهولاكو والملك توت عنخ آمون... الخ الشخصيات التي خلدت داخل المتحف كتماثيل ثم تحركت بفعل "تعويذة سحرية" أمام زائر غافل يفاجأ بمغامرة فريدة عليه أن يخوضها مع شخصيات من أزمنة وحضارات وديانات وحقب تاريخية متنوعة بدءاً من الفراعنة مروراً بالعصور الوسطي وحتي الأزمنة الحديثة. كان من الممكن بقدر قليل من الثقافة والوعي بدور وقيمة هذه الرموز المختارة الخالدة في التاريخ أن يمرر سريعا جدا ومن خلال حيلة ما لفظية أو مرئية ما يضفي إلي العمل الفكاهي ثقلا فكريا عابرا أيضا ولا يقلل من جرعات الضحك ولا من التأثير النهائي للفيلم.. ما فعله المؤلف أنه استخدم إشارة بذيئة تسيء إلي محارب وزعيم وطني مثل أحمد عرابي إشارة ذكرتني بنفس ما فعله المخرج صلاح أبوسيف في "القاهرة 30" عندما أراد أن يصف محجوب عبدالدايم "حمدي أحمد" ويدينه. الدلالات الفكرية والاخلاقية الخاصة بالتفاصيل الصغيرة ولوكانت في سياق هزلي وفي إطار عمل فكاهي تترك أثراً سلبيا. ومنها ما فعله صناع الفيلم ب"عرابي". أحمد الجندي مخرج هذا العمل لديه خيال فنتازي "طير انت" جيد وحس كوميدي مصري طيب الأثر والثلاثي المرح "شيكو وهشام وأحمد فهمي" يمثلون جيلا يمتلك حساسية مختلفة عن السائد. وذوقاً يرتقي بالفعل والحدث الكوميدي وذلك باستخدام موهبة اداء موجهة إلي خدمة "موقف" من شأنه تعميق الجانب الفكاهي باستخدام "المفارقة" و"التضاد" والسخرية اللاذعة. والمواقف الغريبة غير المألوفة. وتجسيد شخصيات بخصال تحاكي نوعيات معينة من الناس تسخر منها وتلقي الأضواء علي سلوكها. فالطموح إلي خلق كوميديا مختلفة تسمو عن السائد بدرجة أو أكثر قدمه هذا المخرج نفسه في فيلمه الظريف "طير انت" مع نجم الكوميديا أحمد مكي الذي شق رافدا للفكاهة المصرية لا يلغي العقل في تحريك الشهية للضحك. ولا يجوز علي الدراما بتحويل الضحك إلي مسرح للابتذال والتطاول علي نسق القيم والمقومات الأخلاقية التي حفرت تياراً من كوميديا الاخلاق والسلوك واستخدام الفكاهة للتطهر وتسليط الضوء علي مسالب الشخصية الإنسانية وسقطاتها وصفاتها السلبية كالنفاق والكذب والانفلات الاخلاقي والغلظة والبخل...الخ. نلاحظ أن ثلاثي فيلم "الحرب الثالثة" ومعهم المخرج أحمد الجندي ينتمون إلي جيل واحد وفي هذه الحالة نستطيع ضم أبناء السبكي. الجيل الثاني مؤسسي هذه الشركة. نلاحظ أيضا أن البطولة الجماعية حققت نجاحاً كبيرا في الاعمال السينمائية وأن النجم الفرد لا يعني الضمان الأكيد لنجاح الفيلم. تذكروا فيلم "اسماعيلية رايح جاي" "1997" الذي أحدث زلزالا وإعادة نظر في مقومات العمل الناجح.. لم يضم الفيلم وقتئذ نجما كبيراً ولم يتطلب لانتاجه ميزانية كبيرة وحقق عائداً يفوق المتوقع مرات. أيضاً "سمير وشهير وبهير" حقق نجاحاً ملفت النظر إلي مواهب قادرة علي إنتاج الضحك في قوالب فنية مختلفة وبتفكير يتجاوز التقليدي والسائد والهابط من حيث مستوي الذوق ونوع الموضوعات ونوع الضحك وتوجهاته. الناس ومنهم النقاد والمهتمون بالشأن العام يتوقعون تغييراً في مستوي الإنتاج الفني بأنواعه ويتطلعون إلي هذا التغيير باعتباره ضرورة حتمية بعد ثورتين شعبيتين وتجارب اجتماعية مزلزلة عاشها الشعب المصري في السنوات الثلاثة أو الاربع الأخيرة. تجربة "الحرب العالمية الثالثة" حققت استجابة جماهيرية مرضية للمنتج الذي مولها. ومرضية للناقد الذي يتابع الحفل الفني ويطمح إلي حصاد جيد يعيد للسينما المصرية مكانتها وقوة تأثيرها داخل محيطها العربي والإقليمي.. والمتابع المدقق للإنتاج السينمائي في السنوات الأخيرة يدرك قيمة الحركة التي بدأت تدب بإيقاع أقوي في حقل السينما المستقلة التي لا يمولها "السبكي" وإن كنت أتوقع أن يلتفت إليها من خلال الأبناء الذين يلعبون في نفس هذا الحقل وقد تبنوا هذا العمل الأخير المعروض بنجاح في الأسواق "الحرب العالمية الثالثة". الإسهام في دفع السينما إلي مساحة أكثر تقدما واجب وطني وفني سوف يذكره التاريخ. والدعم الواعي لسلاح الفيلم كوسيط ترفيهي وثقافي مهمة أجيال ستحمل أمانة المستقبل وقد بدأ جيل واع ومبدع في هذا المجال. "الحرب العالمية الثالثة" تجربة أفسحت المجال لمواهب جديدة طازجة. وأخري قديمة ولكنها تحمل عبقا وموهبة متمرسة وانتماء لاشك فيه إلي الفن بكل معانيه. ** لم أشاهد حتي كتابة هذه السطور - باقي أعمال العيد ولكني متشوقة جدا لمشاهدتها وبسرعه. فإلي لقاء.