المتعلم. أي الذي تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب وقواعد الدين. وأتيحت له حصيلة معرفية. قد يجد في نفسه مثقفاً. بينما ينزع هذه الصفة عن الذين فاتهم ما حصل عليه. وهو قول ينطوي علي مبالغة وسطحية وادعاء. سواء فيما يتصل بقدرة الثقافي. أو بأقدار الآخرين. الثقافة ادعاء إذا اكتفي المرء بالحصول علي شهادة دراسية. هي جواز مرور إلي الوظيفة وإذا اراد التحصيل المعرفي. فإنه يقتصر علي الجوانب المتصلة بمهنته. لا شأن له بما يدور في الدنيا من حوله. في المقابل. فإن غياب الثقافة ادعاء إذا تصورنا أن ما يعانيه هؤلاء الذين لم يتعلموا. إنهم يضيفون إلي حصيلتهم المعرفية. ووعيهم بما يحصلونه بالقراءة والسماع والمشاهدة والحوار اكتساب الخبرات ما أمكن. وانعكاس ذلك علي الفعل. بحيث يصبح فعلاً ثقافياً. هو بالضرورة تعبير عن شخصية مثقفة. بصرف النظر عن مستواها التعليمي. أو حصيلتها المعرفية بل إن السلوك الثقافي هو المعرفة حين نتمثلها في حياتنا الخاصة وفي صلاتنا بمن حولنا. وفي علاقاتنا بالمجتمع عموماً. ثمة من يجلسون إلي المثقفين. يستمعون إلي آرائهم فيما قرءوا. ويلتقطون عناوين كتب. وأسماء أعلام. وملخصات أفلام ومسرحيات ونظريات فلسفية.. ثم ينقلون ذلك كله أو بعضه إلي مجالس اخري. نستطيع أن نتبين حصيلتهم المعرفية. ماذا قرأوا. ماذا شاهدوا واستمعوا. بمجرد أن نطرح النقاش. نلقي السؤال بحسن نية. أو بذكاء. أو بتخابث فتروعنا الإجابة التي تعبر عن جهل مركب. علي حد تعبير أستاذنا الحكيم. ولعل من وجهنا له السؤال يجد في الصمت. أو الاجابة المانعة. خلاصاً مما يعانيه. إنه يحفظ العناوين والأسماء جيداً. دون أن يستند في ذلك إلي القراءة. أو محاولة الفهم. لكنه يدعي المعرفة. هو يعرف كل شئ. وإن كان ما يعرفه مجرد رءوس للموضوعات. ظني أنه قد ساعد هذه الظاهرة أسلوب الملخصات الذي تصدر من خلاله بعض دور النشر أعمالاً عالمية مهمة. الهدف المرجو أو المعلن أن تكون مؤشراً للأعمال الأصلية.. لكن القارئ يكتفي بما قرأ ويعتبره غايه المراد من رب العباد. ويتحدث عما قرأ من ملخصات وكأنه قرأ الأعمال الكاملة!. أخذت الظاهرة بعدأ آخر. غريباً. في اعتبار البعض ما شاهده من أفلام أو مسرحيات مأخوذة من أعمال أدبية. نقلاً جيداً عن تلك الأعمال يغني عن قراءتها. تبلغ الظاهرة حد الماسأة عندما يلجأ ناقد إلي تلخيص للعمل الأدبي كتبه ناقد آخر. فيبني عليه مناقشته للعمل.. وهو ما نطالعه للأسف في العديد من الكتب النقدية المعاصرة. يفلح ناقد في إخفاء سطوه علي جهد الآخرين. بينما لا يجد ناقد آخر ما يدعو إلي اخفاء ما فعل. ولعل المثل الذي يحضرني ذلك الكتاب الضخم عن توفيق الحكيم. ناقش مؤلفه فيما ناقش رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل. ثم ذكر في الهامش أنه قد اعتمد في كل ما كتب علي كتاب علي الراعي"دراسات في الرواية المصرية" أي أنه ببساطة لم يقرأ الرواية التي قتلها نقداً!!.. وامتدت الظاهرة إلي الرسائل الجامعية. فلكي يوهم الباحث لجنة المناقشة أنه قرأ الكثير حتي يعد رسالته.فإنه يلجأ إلي نقل قوائم المصادر والمراجع من كتب الآخرين مما يتصور أنها تقترب من موضوعه. ويذيل بها كتابه باعتبارها مصادره ومراجعه. وتحدث مآزق تواجه الباحث ومناقشه في آن. ومازلت أذكر نطق باحث في مناقشة رسالة دكتوراه لاسم عبدالرحمن القش بطل رواية "سلامة القس" بفتح اللام لا بالشدة! وسأله صديقي الدكتور محمد زكريا عناني: من تقصد بسلامة القس فأجاب الباحث: إنه اسم بطل الرواية!.. جعل صاحبنا اسم الرواية اسماً لشخصية روائية. وأيقن محمد زكريا عناني أن الباحث لم يقرأ من الرواية إلا عنوانها!.