كلما استقبلنا عاما هجريا جديدا تهيج المشاعر مستحضرة هجرة الحبيب المصطفي صلوت الله عليه وسلامه من مكة إلي المدينة بعد أن اشتد به إيذاء الكفار وباتت دعوته لله الفرد الصمد محفوفة بالخطر.. تهيج المشاعر كلما تناهت إلي مسامعنا تلك الكلمات التي زف بها رسولنا الكريم عند قدومه إلي يثرب والتي لاتزال ألستنا تلهج بها مرددين: - طلع البدر علينا من ثنيات الوداع - وجب الشكر علينا ما دعا لله داع - أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع - جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع وحين سئل النبي العدنان عن الهجرة قال: "الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر السيئات والأخري أن تهجر لله ورسوله".. قيل وما المهاجر؟ قال صلوات الله عليه: "المهاجر هو من هجر الخطايا والذنوب" أو في حديث آخر: "من هجر ما نهي الله عنه".. وفي زماننا اليوم نجد أشكالا وأساليب للهجرة لم نعهدها من قبل فاتسعت دائرة الهجرة غير الشرعية عبر القفار والبحار التي يقوم بها أعداد كبيرة من الشباب العاطل بحثا عن أبواب رزق وعمل يقتات منه حتي لو كلفه الأمر حياته أو اخضعه لطائلة القانون! أيضا صارت لدينا هجرات "اضطرارية" فيها يهرب الرجال والنساء والأطفال من جحيم الحروب ولهيبها إلي بلاد أخري لا يعرفهم فيها أحد ليحلوا بها غرباء طمعا في الأمن المنشود والبديل المؤقت عن الوطن المفقود!! ومنطقتنا العربية من أكثر مناطق الدنيا التي تشهد هذا النزوح الاضطراري تحت وطأة صراعات مريرة باتت تسكن في حلقها وهو ما عبرت عنه بكل صدق وأسي صورة هذا الطفل السوري المسجي بوجهه علي المياه بعد أن فشلت أسرته في مغالبة الأمواج والوصول إلي مرفأ آمن يجنبهم ويلات الحروب في بلادهم!! تصدرت صورته صحف العالم وغيرها من وسائل الإعلام لتكشف عن الوضع المأساوي والبشع لمئات الآلاف من العائلات التي أجبرتها ظروف الحرب علي القيام بمثل هذه الهجرة الاضطرارية في عرض البحر لتشهد حركة نزوح هائلة من الشرق إلي الغرب ربما لم يعرفها التاريخ من قبل!!! هجرات تدمي لها القلوب وتجعلنا نرفع أكف الضراعة سائلين المولي عز وجل أن تخمد سريعا نيران الصراعات الاقليمية في منطقتنا وأن نجد حلولا جذرية لقضايا البطالة المستفحلة في مجتمعاتنا.. نتمني أن تنحسر هجرة الأجساد حتي ننشغل بالهجرة الحقيقية التي حدثنا عنها الإمام ابن القيم بقوله: "إنها الهجرة بالقلب إلي الله ورسوله.. بأن تهاجر من محبة غير الله إلي محبته ومن عبودية غير الله إلي عبوديته". ** بالله يا مسافر : .. ولأن الشعور بالغربة والاشتياق مما يكابده المهاجر أو المسافر نتوقف عند هذه الأبيات الزجلية لشاعر الخطاطبة أحمد جعفر يقول: - شوقتني للوطن يا إللي انت رايح مصر - مصر إللي واخدة من الأيام ضمان بالنصر - واللي بني لها الخلود من الشمس مع النيل قصر - بالله يا مسافر تاخد معاك السلام مِني أمانة لمصر..