في صباي.. كان هواة التزويغ من التلاميذ يلتقطون خبراً في الأحداث السياسية يهتفون: هذا خبر يستحق الإضراب ويعلنون بآخر ما عندهم: إضراب. أخشي أن تكون العقلية التي حرضت تلاميذ الصبا علي التظاهر بسبب مفتعل هي العقلية التي جعلت ذكري الوفاة بديلاً لحفل الميلاد. العادة سواء في الموروث أو في حياتنا المعاشة أننا نحتفل بأعياد الميلاد ونعبر عن فرحتنا بوجودنا أو بوجود أعزائنا في الدنيا. في الخليج يتبادلون التهنئة بالقول: عساكم من عواده. أي أننا نتمني لكم عيداً قادماً تحتفلون به. نحن نعرف موعد ميلاد الشخصيات المهمة في التاريخ ونعرف موعد الرحيل لكننا نحتفل بذكري الميلاد وليس بذكري الوفاة. كلمة الاحتفال تعني المناسبة السعيدة أما الوفاة فإنها تقتصر علي استعادة الأيام الجميلة في ذكري الوفاة نستعيد العبرة والمعاني المطلقة أما في عيد الميلاد فإننا نعبر عن الفرحة والامتنان والتقدير لما وهبه المبدع. أخشي أن المنتفعين بنجيب محفوظ وجدوا في ذكري وفاته "سبوبة" مناسبة فأصدروا الكتب. وعقدوا المؤتمرات وتحدثوا في الإذاعة والتليفزيون. الهدف هو تأكيد التلمذة المزعومة والصلة الحميمة التي تعود- ربما- إلي ما قبل ميلاد محفوظ لا يشغلهم حتي الأخطاء الساذجة التي تحفل بها كلماتهم حتي أسماء شخصيات نجيب محفوظ يذكرونها مغلوطة. المهم هو أن نخلق مناسبة وأن "نهيص" في هذه المناسبة ونواجه الحضور الذين أحبوا عميد الرواية العربية ونسعد بأضواء الكاميرات ونسعد بما يدره علينا ذلك من دفء للجيوب. في الحادي عشر من ديسمبر القادم تحل مناسبة ميلاد نجيب محفوظ وإذا كان المنتفعون قد وجدوا في ذكري الوفاة مناسبة احتفالية فماذا عن المناسبة الحقيقية لاحتفالنا بالعميد الأصل في كل الدنيا هو الاحتفال بأعياد الميلاد ونحن نحتفل بأعياد ميلاد الأعلام وليس بذكري رحيلهم بمناسبة الوفاة لذكري الرحيل أما مناسبة الميلاد. فهي للاحتفال بالشخصية التي أقمنا من أجلها الندوات والمؤتمرات وأصدرنا الكتب. ما الجديد الذي طرأ علي أسلوب احتفالنا بنجيب محفوظ؟ أذكر أغنية عبدالوهاب التي خاطب فيها الملك فاروق في مناسبة عيد ميلاده بأن أيامه كلها أعياد ذلك ما يصح نسبته إلي أيام محفوظ التي أثرت حياتنا الإبداعية منذ الميلاد إلي ما بعد الرحيل. نجيب محفوظ قيمة كبيرة علينا أن نضعها دوماً في إطار التقدير والاحترام والاعتراف بالجميل نحرص علي منع الوسطاء والمنتفعين ومن لا يجدون في المناسبة إلا أنها وسيلة للكسب السهل. أكره أن أضرب كرسياً في الكلوب. الفرح يجب أن يظل كذلك وعيد ميلاد محفوظ- لا ذكري رحيله- يبستحق احتفالية تليق بعظيم مقامه.