أسئلة كثيرة يثيرها المزاد العلني الذي جري في لندن لتمثال سخم كا الأثري. في مقدمتها الظروف التي أتاحت لسارقي الآثار أن يهربوا التمثال إلي خارج البلاد. والوسيلة التي جري بها التهريب. والجهة - أو الشخصية - التي زايدت علي التمثال. حتي رسا علي من رفض متحف نورث هامبتون أن يعلن عن هويتها. وإن كانت وزارة الآثار قد عجزت عن الحصول علي التمثال إلا بالشراء. فدعت المصريين إلي اكتتاب ينقذ الأثر التاريخي من مغتصبيه. ولماذا ظلت الوزارة صامتة طيلة ثلاث سنوات. حتي ارتفعت قيمة المزاد من حوالي ثلاثة ملايين جنيه استرليني إلي 15 مليونا من الجنيهات الاسترلينية. ثم يأتي السؤال الذي يتجاوز ذلك كله. وهو النزف الذي تعانيه حضارتنا المصرية من خلال عمليات التهريب المنظمة والعشوائية. مقابلا لإهمال المسئولين أو لا مبالاتهم. والاقتصار علي التصريحات المتشنجة أو الوردية. لا عذر بقلة الحراس. ولا ضعف الامكانات. وحين تنشأ وزارة للآثار فإن المعني الأبسط لوجودها أنها تحمي آثارنا. وترممها. وتدرأ عنها محاولات السطو والسرقة. ما حدث في الفترة الأخيرة يشير باهتزاز قبضات الأيدي إلي السادة المسئولين عن الآثار المصرية. بداية من الوزير. حتي الخفراء الذين قد تغيب عن وعيهم أهمية المواقع التي يحرسونها. تصورت أن كل المسئولين في بلادنا. ستحركهم الغيرة الوطنية بعد أن قررت منظمة اليونسكو رفع بعض المواقع الأثرية المصرية من قائمة التراث الإنساني العالمي. لما جري لهذه الآثار من إهمال وتشويه بلغ حد اقتحام حرم خوفو. وصبغ هرم زوسر باللون البمبي. وسرقة هرم سقارة بواسطة بعض المسئولين عن حراسته. أذكر أني تناولت خطورة تشويه الآثار. أو سرقتها. أو تدميرها. وأنها تعني الضياع والاندثار. حيث لا سبيل إلي استعادتها. حتي الترميم الذي يحاول إصلاح ما أفسده المخربون لا يعيد الأثر إلي أصله.. والشواهد كثيرة. ما لا يقدر بثمن. ويصعب استعادته. يتجاوز معني السرقة أو التدمير. حتي الذي يسطو علي قطعة أرض امتلكها. استطيع أن استعيدها بوسيلة ما. ومنها اللجوء إلي القوة. أما جريمة الآثار فإنه من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - تعويضها. والمثل نجده في سخم كا المسكين. نسيه أهله. فأقدمت القوي الشريرة علي اقتنائه. جرائم الآثار هي قضية أمن قومي. ليست مجرد حوادث عادية. لكنها اعتداء علي التراث. الذي لا تستقيم بدونه حضارة أية أمة. لذلك كان حرص الغرب بتاريخه الذي لا يزيد علي بضع مئات من السنين. علي إلباس ثوب التراث ما ينتمي إلي عقود قريبة. مجرد أن ينسب إلي نفسه حضارة لم تكن موجودة. ولعلنا نلحظ حرص إسرائيل الغريب أن تدعي لها تراثا. حضارة. حتي لو جاء ذلك علي حساب التراث الفلسطيني بخاصة. والتراث العربي بعامة. هذا النزف الذي تعرض له تراثنا الوطني في امتداد التاريخ. ومن خلال عمليات النهب والتشويه التي مارسها لصوص ومغامرون وعلماء أثار. غاب - بتبدده - في أفق المستحيل. ولن يتحقق الحفاظ علي ما تبقي إلا باعتبار سرقة التراث - بصرف النظر عن قيمته - جريمة تستحق المؤاخذة الرادعة. بعيدا عن العبارات المتحمسة التي أدلي بها الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار أن مصر قادرة علي الحفاظ علي تراثها وآثارها ولن تفرط فيها. فإن علي الوزير أن يعرض علي الرأي العام المصري. ما اتخذته وزارته من خطوات لمنع نزف الآثار الذي لا ينتهي. ظني أن معظم ما نهب أو شوه. أو دمر. ذهب لن يعود. وإذا كانت وزارة الآثار تحاول - كما أعلن الوزير - بذل المحاولات الجادة. والمسئولة لاستعادة تمثال سخم كا. فإن الأمل يتجدد في الحفاظ علي أعز ما تملكه أمة. وهو تاريخها وتراثها الحضاري.