علي مدي التاريخ يتعرض "الخطاب الديني" إلي دعوات تطالب بتجديد هذا الخطاب وفي نفس الوقت لم يستطع من يصدر هذه الدعوة تحديد ما هو المقصود بتجديد الخطاب الديني. فهل يعني ذلك "لغة هذا الخطاب"؟ أم ماذا يريد هؤلاء من هذا التجديد؟ إنها بحق دعوات في المطلق دون توضيح لما يراد من ذلك التجديد. ومع كل التقدير لحسن قصد هؤلاء فإن ثوابت الدين الإسلامي الحنيف لا تتغير ولا تتبدل ولعل هؤلاء يريدون تجديد لغة هذا الخطاب بما يتفق ومقتضيات كل عصر وهذا هو الأنسب لتلك الدعوات التي تنطوي علي ضرورة أن تكون لغة الخطاب تتسم بأفضل الأساليب التي تحبب القلوب وتجذبها إلي الدين الحنيف بعيداً عن العنف أو التشدد أو التطرف وأن تكون في اطار الآية الكريمة "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن..". وبإمعان النظر في كل ما يطرح في الساحة من دعوات نجد أن الدين الحنيف به نصوص تشير إلي المعاني التي أشرت إليها آنفاً ومن أنسب الأدلة علي ذلك ما جاء في صحيح السنة أنه حين بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم معاذ ابن جبل والياً علي اليمن استدعاه وقال له لكي يطمئن علي تصرفات مبعوثه إلي اليمن: بماذا تقضي بين الناس إذا عنَّ "جاءك" قضاء أي قضية؟ قال معاذ: بكتاب الله. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: فإن لم تجد؟ قال معاذ: بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم قال الرسول: فإن لم تجد؟ قال معاذ: اجتهد رأيي ولا آلو يعني لا أقصر. عقب هذه الاجابة من جانب معاذ ابتسم الرسول وضرب معاذ في صدره بكل حب وتقدير قائلاً: الحمد لله الذي وفق رسول الله إلي ما يحبه الله ورسوله. وذلك يكشف أن لغة الخطاب الديني وأي تصرفات تنطوي تحت هذا المبدأ ويمضي أكثر وضوحاً أن الفرصة متاحة للاجتهاد في اطار شروط وضوابط لابد من مراعاتها ومن أهمها أن تكون لدي من يتصدي لهذا الأمر أن تكون لديه دراية كاملة باللغة العربية وآدابها مع دراية كاملة بآيات القرآن الكريم وصحيح السنة وأن تكون لديه الاحاطة الكاملة بعدم الانسياق وراء ما يدس من أقاويل وأباطيل وفي هذا العصر لا يترك هذا الاجتهاد لشخص واحد أياً كانت قدراته العلمية واللغوية والفقهية وإنما يجب أن يشارك في هذا الأمر من الاجتهاد مجموعة من العلماء من تخصصات مختلفة ليأتي ذلك محققاً للهدف وأن تكون الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة مع المتحاورين بأفضل الأساليب وأحسن العبارات وبلغة محببة إلي الطرف الآخر الذي يجب أن نتقبله بكل رحابة الصدر وسعة الأفق ومواجهة الحجة بالحجة دون تناول المختلفين مع هؤلاء المجتهدين في الرأي بأي ألفاظ تسيء إليهم أو تنال من شخصياتهم الآداب وحسن التصرف بما يضفي علي لغة الحوار وآدابها ولتكن صورة مشرقة لأهل الرأي من أبناء الإسلام. هذا الاجتهاد وذلك الأسلوب متاح لأبناء الأمة الإسلامية بنفس الشروط التي أشرت إليها ولنا في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والقدوة والنموذج فها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم حين أشار علي الناس بعدم تلقيح النخل وعندما استجاب الناس جاء المحصول مخيباً للآمال وهنا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنتم أعلم بأمور دنياكم. وهذه الكلمات القصيرة بليغة المعني تؤكد أن لغة الخطاب الديني لابد أن تكون مناسبة لمقتضيات كل عصر وتطوراته لأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان. لكن مع شديد الأسف غابت هذه المعاني في لغة الخطاب الديني وانقسم القائمون بهذا الأمر إلي فرق بعضهم وسطي معتدل وآخرون متطرفون متشددون مما جعل لغة الخطاب غير مناسبة للعصور المتعاقبة ولنا عودة لاستكمال لغة الخطاب الديني وما يجب أن تتضمنه من معان وأساليب!