أثارت الدعوات التي أطلقها البعض مؤخراً بفتح باب الاجتهاد لتطوير الخطاب الديني خاصة في بعض الآراء التي تتعلق بثوابت فقهية جدلاً بين العلماء الذين أكدوا أن الدعوة الإسلامية تواجه تحديات كبيرة تتطلب آلية لتجديد الخطاب الديني بعيداً عن النمط التقليدي السائد ودون المساس بأصول الدين تحت أي زعم. مشيرين إلي أن تجديد الخطاب الديني ضرورة بل سُنة دعا إليه الإسلام باعتباره الحل الأمثل للعديد من مشكلاتنا الداخلية مثل التطرف والارهاب وإساءة فهم الدين الذي قد يصل إلي العنف أحياناً. مما عكس صورة سلبية للإسلام في الخارج وآن الأوان لتعديلها ووضعها في إطارها الصحيح. يقول الشيخ فوزي القوصي مدير إدارة أوقاف حجازي بقوص بقنا: إن التجديد من طبيعة الإسلام وأنه لا تناقض بين تعاليم هذا الدين وبين التجديد. وإذا كان القرآن الكريم يعتبر الكون متغيراً وأن ذلك من الآيات الدالة علي الوجود الإلهي فإنه من الطبيعي أن يكون الإسلام مشجعاً علي التجديد ودافعاً إليه حتي لا يتخلف المجتمع الإسلامي عن ركب التطور. مؤكداً أن الخطاب الديني أشرف خطاب لأنه خطاب الحق إلي الخلق عن طريق صفوة الله من خلقه وخيرته من عباده صلي الله عليه وسلم ولأنه خطاب العلماء إلي مجتمعاتهم. أوضح أن الخطاب الديني يجب أن يوم علي مرتكزات أساسية هي: القرآن الكريم والسُنة المطهرة ومواكبة الأحداث والتأثر بها والتأثير فيها بإيجابية ورد الشبهات والمفتريات عن الإسلام بأقوي الحجج والأدلة. بالإضافة إلي الصدق والاعتماد علي الحقائق الثابتة ومخاطبة العقل مع الوجدات والشعور والتوسط دون غلو أو تطوف. إلي جانب اشتماله علي الترغيب والترهيب والموضوعية. مؤكداً أن الإسلام ليس بحاجة إلي تجديد. فالتجديد يكون في الفكر والسلوك وحياة الناس بالإسلام وليس فيه. قال إن أي محاولة باسم التجديد تحاول أن تضيف شيئاً إلي مبادئ الدين أو تحذف منه شيئاً فهو تجديد باطل ومحاولة فاشلة وجهل بأصول الدين ومبادئه السامية وهو ما يمكن أن نسميه ضرورة التفريق بين الثوابت والمتغيرات. موضحاً أن الثوابت هي أصول الدين التي لا يجب المساس بها تحت أي زعم. أما المتغيرات فهي اجتهاد البشر حول هذه الثوابت وعمل عقولهم فيها إيجاباً وسلباً. سُنة كونية أضاف الشيخ محمد فوزي علم الدين إمام وخطيب مسجد السيدة فاطمة النبوية بالقاهرة أن الخطاب يدعو إلي عدة أمور منها مراعاة مقتضي الحال في الخطاب سواء بالقول أو القوم. وتوجيه الدعوة إلي جمهور الناس علي اختلاف ثقافتهم لإقناعهم واعتبار ميادين تبليغ الدعوة أوسع من المسجد. أوضح أن حقيقة التجديد تتمثل في أنه سُنة كونية بل ضرورة بشرية ووسيلة للنهوض من هذا التخلف والأنماط والجمود إلي حياة النهضة والتقدم والرقي. مؤكداً أنه أخطأ من زعم أن التجديد يعني الاستخفاف بكل ما هو قديم. وادعي أن التجديد دائماً يمثل التقدم والرقي وأن القديم يعني التأخر والتقصير. أشار إلي قول الرسول صلي الله عليه وسلم: "يبعث الله لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". وقال صلي الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين" البخاري ومسلم. ورأي العلماء أن تجديد الخطاب الإسلامي معناه تجلية الدين في أعين الناظرين وأري أن التجديد يعني إزالة ما علاه من غبار وعرضه في صورة تجمع بين صفاء العقيدة ويسر الشريعة وسماحة الإسلام. ولا يكون ذلك إلا من إنسان قريب من الله تعالي. ومن الناس فكراً وشعوراً وعقلاً وهذا الدين يقبل التجديد لأنه يزيد وينقص ويقوي ويضعف بحسب فهم الإنسان له والتزامه بتعاليمه. وهذه هي مرونة الدين ومواكبته للمجتمع والعصور والأزمان إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. لذلك كان لتجديد الخطاب الديني أثر في نشر المعرفة الصحيحة مع تثبيت العقيدة والأخلاق والشريعة في المجتمع بروح العصر الحديث.. قال الله تعالي لرسوله وحبيبه ومصطفاه: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". طالب الدعاة والوعاظ والعلماء جميعاً بأن يكون الخطاب بلا حقد ولا حسد أو كراهية. بل بأدب ورفق واحترام حتي يسود الحب بين الجميع.. قال تعالي: "لكم دينكم ولي دين". وبهذا انتشر الإسلام في ربوع الأرض بالحكمة والحق والنص الصادق والعمل الدءوب والأخلاق الطيبة من خطبائه. تبسيط لغة الحديث يقول الشيخ السيد عبدالفتاح أبوجامع من علماء الأوقاف: إذا كان المقصود بتجديد الخطاب الديني مخاطبة الناس علي قدر عقولهم وتبسيط لغة الحديث بحيث تتناسب مع العصر فلا بأس بذلك.. إذ ما من نبي إلا بعث بلسان قومه ليبين لهم. وقد أمرنا الله تعالي أن نخاطب الناس علي قدر عقولهم. وإذا كان المقصود أن يتعلم الدعاة اللغات الأجنبية ووسائل العصر كالكمبيوتر والإنترنت فهذا لا حرج فيه طالما سيعين علي إبلاغ الحق للخلق. وهذه الوسائل لها حكم الغايات. وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة بعض اليهود. أما إن كان المقصود من تطوير وتجديد الخطاب الديني هو التغيير أو التبديل فهذا أمر مرفوض.. يقول تعالي: "قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إليّ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم". لذلك ينبغي علي الدعاة أن يوافق خطابهم الديني كتاب الله وسُنة رسول الله صلي الله عليه وسلم. أشار إلي أن الغالبية من خطباء المساجد ليسوا علي المستوي الثقافي الذي يؤهلهم للنهوض بهذه المهمة الجليلة وللأسف يعتبرونها وظيفة مثل باقي الوظائف في المجتمع. ومن هنا يعجز الكثيرون منهم عن إقناع المخاطب بما يتحدثون به. فضلاً عن تعرض هذا الخطاب للتدني في مستواه الفكري واللغوي وتكرار ما يقولونه بين الحين والآخر دون مواكبة للأحداث أو المناسبات التي يعيشها المجتمع بسبب اقتصار معرفة وثقافة أصحابه علي ما تلقونه في دراستهم الجامعية دون تنمية معارفهم. مؤكداً أن الخطاب الديني أقدر علي تغيير الاتجاهات وتعديل السلوك وإثراء الحياة أكثر من الخطاب التعليمي والخطاب الإعلامي.