إبراهيم عيسى: الفكر السلفي معطل للاقتصاد المصري وخطر على الدولة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    "قتلوا مدنيين".. بايدن يعلق على قرار أمريكا وقف تصدير السلاح لإسرائيل    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    ملف رياضة مصراوي.. تأبين العامري فاروق.. تأهل ريال مدريد.. وقائمة الزمالك    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    نقل زوجة شريف رمزي إلى المستشفى بعد تعرضها لوعكة صحية مفاجأة    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    انتخاب أعضاء مجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    التابعي: الزمالك يمكنه حصد الكونفدرالية وأنصح هذا اللاعب بعدم التهور    محافظ الإسكندرية يكرم أبطال سلة الاتحاد عقب فوزهم بكأس مصر    صفقة سوبر على أعتاب الأهلي.. مدرب نهضة بركان السابق يكشف التفاصيل    ميدو يوضح رأيه في اعتراض الزمالك على حكام نهائي الكونفدرالية    إعلام إسرائيلي: تصريح بايدن حول وقف شحنات الأسلحة "زلزال قوي" للعلاقات بين البلدين    نقابة الموسيقيين تنعي كريم عبد العزيز في وفاة والدته    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    تعرف على سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الخميس 9 مايو 2024    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    محمد فضل: جوزيه جوميز رفض تدريب الأهلي    نماذج امتحانات الثانوية العامة 2024 بصيغة «PDF» لجميع المواد وضوابط اللجان    إنتل تتوقع تراجع إيراداتها خلال الربع الثاني    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في السعودية: تخطيط لاستمتاع بأوقات العطلة    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    العظمى بالقاهرة 36 درجة مئوية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 9 مايو 2024    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    عيار 21 الآن بعد الزيادة.. أسعار الذهب بالمصنعية اليوم الخميس 9 مايو بالصاغة (آخر تحديث)    نبيل الحلفاوي يكشف سبب ابتعاد نجله عن التمثيل (تفاصيل)    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    توفر مليار دولار سنويًا.. الحكومة تكشف أهمية العمل بجدول تخفيف الأحمال (فيديو)    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    وكيل الخطة والموازنة بمجلس النواب: طالبنا الحكومة بعدم فرض أي ضرائب جديدة    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    التحالف الوطنى يقدم خدمات بأكثر من 16 مليار جنيه خلال عامين    رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    رئيس لجنة الثقافة: الموقف المصرى من غزة متسق تماما مع الرؤية الشعبية    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    طالب صيدلة يدهس شابا أعلى المحور في الشيخ زايد    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    الكشف على 1209 أشخاص في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    أيهما أفضل حج الفريضة أم رعاية الأم المريضة؟.. «الإفتاء» توضح    رئيس«كفر الشيخ» يستقبل لجنة تعيين أعضاء تدريس الإيطالية بكلية الألسن    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    حزب العدل: مستمرون في تجميد عضويتنا بالحركة المدنية.. ولم نحضر اجتماع اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هديه في التخاطب مع الآخرين
نشر في محيط يوم 18 - 10 - 2007

من مظاهر الجمال، ودلائل الكمال، في سنة النبي «صلى الله عليه وسلم »، تلك العناية الفائقة بإبراز القيم السامية، والآداب الزاكية، وإعلاء شأنها، وجعلها سلوكاً عملياً في حياة المسلمين وتعاملاتهم.
ومن تلك القيم الحضارية الراقية التي عنيت السنة بتحقيقها: أدب التخاطب، فقد تنوعت النصوص الداعية إلى التزام تلك الآداب، وتعددت مشاهدها في سنة النبي «صلى الله عليه وسلم».
فالكلمة من جليل منن الله على عباده، فلها الأثر النافذ في القلوب، وهي أمانة أمر العبد بحفظها، كما أنها من موجبات النجاة أو الخسران، وهي دالة على عقل صاحبها، ومُنبئة عن صلاح القلب وفساده.
وهي جديرة بتلك العناية، وإن واجب أهل العلم إبراز تلك الآداب التي اشتملتها السنة، وتقريبها للناس.
أولاً: إعلاء قيمة الجمال في القول. فالكلمات قوالب المعاني ولبوسها، والكلمات الجميلة خير وعاء لحمل المعاني الجليلة، والتجمل محبوب إلى الله تعالى في كل الأحوال، كما قال «صلى الله عليه وسلم» (إن الله جميل يحب الجمال)، وجمال القول داخل في عموم الجمال الذي يحبه الله، ولا عبرة بخصوص السبب الذي ورد الحديث من أجله.
وقد اشتملت النصوص النبوية أوصافاً للكلمة النافعة، ومن ذلك: (الصالحة)، و(الحسنة)، و(الطيبة)، و(اللينة)، و(قول الخير)، وهذه الأوصاف قدرٌ زائدٌ على مجرد كون الكلمة حقاً في ذاتها، أو صدقاً في خبرها، إلى ما هو أبعد من ذلك، من جمال اللفظ، وجودة السبك، وعفة المعنى، ومراعاة حال السامع، ومناسبة الزمان والمكان، إلى غير ذلك من الاعتبارات التي متى تخلَّف واحدٌ منها، خرجت الكلمة من دائرة الحسن.
ثانياً: المحافظة على الذوق العام. الكلمة من أقوى وسائل التواصل بين الخلق، والعناية بحسن انتقائها واصطفائها، مساهمة فاعلة في نشر الذوق الرفيع بين أفراد المجتمع.
ويمكن بيان عناية السنة بالمحافظة على الذوق العام في العناصر التالية:
الأول: التحذير من الفحش في القول: وقد تنوع وسائل التحذير منه.
الثاني: التلميح فيما يستحى منه بدلاً من التصريح. عفة اللسان وطهارته تحمل المتحدث على التكنية مما يُستحى من التصريح.
الثالث التحذير من أذى المسلمين باللسان: وأصناف الأذى متعددة، ومنها: اللعن، والسخرية، والغيبة، والنميمة، وغير ذلك وجميعها ألفاظٌ تخدش الحياء، وتؤذي النفس، وتعكر الذوق العام.
ثالثاً: التنويه بخلق الصدق. فإن صدق الحديث يجعل صاحبه محلاً للثقة، فيُقبل قوله، ويُطمئن إلى خبره، ولا تتحقق هذه الطمأنينة إلا إذا كان هذا الخلق أصيلاً في نفس صاحبه، وإليه الإشارة في قول النبي «صلى الله عليه وسلم»: (ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدقَ، حتى يكتب عند الله صديقاً). وقد تنوعت الأساليب النبوية في الدلالة على أهمية الصدق ورفيع منزلته، ومن ذلك:
أنَّ الأمر بالصدق جاء في مفتتح الدعوة إلى الإسلام مقروناً بالأمر بعبادة الله.
أنَّه سبب لدخول الجنة.
أنه سبب لقبول قول المتحدث والطمأنينة إلى خبره.
أنَّ التزام الصدق سلامة من صفة النفاق.
أنه سبب للنجاة من كرب الدنيا وشدائدها.
رابعاً: إبراز خلق الرفق والأناة. الرفق جماع الخير كله، ما خالط شيئاً إلا وأفاض عليه جمالاً وبهاءً وهذا يشمل الرفق في الأقوال، والرفق في الأفعال.
خامساً: إبراز مبدأ الوسطية والاعتدال: التوسط والاعتدال صفة أصيلة في هذا الدين، وهي تشمل أصول الدين وفروعه، لا مكان فيه للجفاء والغلو. ومن الأمثلة ما جاء في أدب التخاطب: نهي النبي «صلى الله عليه وسلم» عن المبالغة في المدح، وهو محمول على المدح الذي فيه مبالغة وتجاوز للحد.
ومن الآداب التي ينبغي للمتحدث أن يتحلى بها.
أولاً: الآداب المتعلقة بالكلمة: وقد اشتملت التوجيهات النبوية المرغبة في بيان الصفات التي تجعل الكلمة نافعة لقائلها وسامعها:
ترك الفضول من القول.
ترك التكلف في الفصاحة.
توضيح المعنى.
حسن البيان: فإنَّه كالسحر الذي يسلب الألباب، ويأخذ بمجامع القلوب، وهو من أنجع الوسائل لإظهار الحق والترغيب فيه.
ترك التصريح عما يُستحى منه. فقد كان النبي «صلى الله عليه وسلم» أعف الناس قولاً، وأجملهم منطقاً، لم تجر على لسان كلمة ينبو عنها الذوق الرفيع، أو تخدش الحياء.
التَّبين في معنى الكلمة ومعرفة مآلاتها: فإنَّ دلائل التوفيق للعبد أن يتأمل في كل كلمة يلفظ بها، وأن يعرف عواقبها، فإنَّ الكلمة ملكٌ لصاحبها، فإذا نطق بها ملكته، عن أبي هريرة«رضي الله عنه» قال: قال رسول الله«صلى الله عليه وسلم»: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
الاعتناء بنبرة الصوت ودرجته. فإنَّ اعتدال الصوت له أثرٌ في سكون المحاور وحفظ وقاره، وقد كان هدي النبي «صلى الله عليه وسلم» أنَّه يتحدث بالقدر الذي يُسمع من عنده، ولا يخرج عن ذلك الأصل إلا إذا وجد ما يقتضي ذلك.
ثانيا: الآداب المتعلقة بلغة الجسد عند المتحدث:
وهذا المصطلح «لغة الجسد» من المصطلحات المعاصرة، ويراد به: أنَّ لهيئة الجسد لغة مؤثرة في نفس المخَاطبْ، وأنت تجد في بعض الأحاديث تطبيقاً لهذا المعنى:
العناية بهيئة الجسد عن الحديث: وهذه مهارة مهمة ينبغي للمتحدث أن يتقنها، فإنَّ هيئة المتحدث وقوفاً أو جلوساً، وكذلك حركة الجسد لها أثرٌ بالغ في إيصال الفكرة وتفعيلها في نفس المخاطب.
تعابير الوجه وأثرها في نفس المخاطَب: فالكلمة ليست لفظة مجردةً تؤخذ بمنأى عن هيئة قائلها، فإن المخاطب يقرأ في تقاسيم وجه المتحدث ما يستنتج منه رضاه أو غضبه.
ثالثاً: إتقان مهارات التخاطب الجيد:
الخطاب المؤثر، هو الذي يحدث أثراً محموداً في نفس السامع، ولا يكون للخطاب ذلك الأثر إلا إذا اقترن بالمهارات التي تزيده فاعليةً، وهذه المهارات تتعدد وتتنوع بحسب قدرات المتحدث وفطنته، ومراعاته للأحوال الزمانية والمكانية، وإليك بعضاً من تلك المهارات المستفادة من هدي النبي«صلى الله عليه وسلم»:
إثارة نفس المخاطب وتحفيزه لسماع ما يقال له: وهذا المسلك يأخذ أشكالاً متعددة، فمن ذلك: طرح الأسئلة على المخاطب لتهيئته لما يقال له، وهو مسلك كان يفعله النبي «صلى الله عليه وسلم» كثيراً. وقد يكون القصد من السؤال تحفيز السائل لاستنباط العلم بنفسه.
تقريب الأمور المعنوية في قوالب حسية. فكان«صلى الله عليه وسلم» يكثر من ضرب المثل لتقريب الأمر المعنوي في صورة المحسوس، فقد شبه حال المذنب بحال المغتسل في نهر غمر جار، بجامع أنَّ كلاً منها تزال عنه الأقذار.
ضبط المشاعر: المحاور الجيد هو الذي يملك السيطرة على مشاعره وانفعالاته، مهما أُلقي إليه من أقوال لا يقبلها.
مراعاة الزمان والمكان. من تمام حكمة المتحدث، أن يعرف التمايزَ والتفاضلَ بين الأمكنة والأزمنة، وأن لكل منها اعتباره، فقد نهى«صلى الله عليه وسلم» عن نشدان الضالة في المسجد لخصوصية المكان، وإن كان جائزاً في غيره. ونهى الصائم عن الجهل وعن مقابلة الساب بمثل قوله، لخصوصية الزمان.
جعل المحاور يستدل على الحق بنفسه. فالمحاور الراغب في ظهور الحق وبيانه، لا يبالي أنْ يظهر الحق على لسانه، أو أن يهتدي إليه خصمه بنفسه. فيثير أسئلةً يكون جوابها مؤدياً إلى الحق.
الفصل الثالث: الآداب المرعية في حق المخاطب:
أولاً: حفظ الحق المعنوي للمُخَاطب: ويمكن ملاحظة هذا الأمر في الجوانب التالية:
حفظ النبي «صلى الله عليه وسلم» الألقاب لأصحابها: فكان«صلى الله عليه وسلم» يحفظ للناس أقدارهم، وينزلهم منازلهم، فلما اعترض سعد بن عبادة على قول النبي «صلى الله عليه وسلم» في شأن من يجد مع امرأته رجلاً قال«صلى الله عليه وسلم»: (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) فوصفه بوصف السيادة في قومه، ولم يكن اعتراضه مسقطاً لحقه. وكان«صلى الله عليه وسلم» يحفظ لملوك الأرض ألقابهم وإن كانوا كفاراً.
النهي عن مناداة المخاطَب بألفاظٍ تدل على احتقاره. وقد جاء تأكد هذا المعنى في حق الضعفة من الناس.
تقدير اجتهاد المجتهد، وعدم التقليل من شأنه: فالإنسان إذا بذل جهداً واستفرغ وسعه في البحث، فإنَّه يتطلع إلى من يقدر هذا الجهد.
النهي عن السخرية بالمخاطب. فالسخرية أمر محرم في جميع الأحوال، ومن ذلك السخرية أثناء التحاور.
معاتبته باللطف واللين. تتنوع الأخطاء التي تقع من الناس، ويتنوع تبعاً لذلك أسلوب معالجة الخطأ والمعاتبة على فعله. فمن الأخطاء ما يقتضي مساءلة المخطئ لما يترتب على الخطأ من أحكام، ومنها يكفي فيه المعاتبة.
فلما أفشى حاطب بن بلتعة سراً من الأسرار، وطلب بعض الصحابة الإذن في قتله، فتلطَّف النبي «صلى الله عليه وسلم» معه، وسأله عن سبب فعله، فلما سمع اعتذاره قال: «صدق، ولا تقولوا له إلا خيراً».
عدم التشهير به عند معاتبته: فالستر على المخطئ، من أعظم أسباب قبوله النصح، حتى باتت كلمة (ما بال أقوام)، (ما بال رجال) وصفاً غالباً لمعاتبة النبي «صلى الله عليه وسلم» لمن يقع في الخطأ من أصحابه.
الإقبال على المخاطب والإصغاء لقوله. وهذا خلق كريم ينبغي للمتحدث أن يمتثله سلوكاً عملياً عند حديثه، فكان «صلى الله عليه وسلم» يقبل على من يحدثه، وقد اعتنى الصحابة بذكر الأحوال التي أعرض فيها النبي «صلى الله عليه وسلم» عن المخاطب؛ لأنها خلاف الأصل الذي كان عليه«صلى الله عليه وسلم».
ثانياً: مراعاة الفروق الفردية بين المخاطبين:
وهذا جانب متألقٌ من جوانب عناية السنة بشأن التخاطب، وهو الاهتمام بشأن الفروق الفردية بين المخاطبين، ومخاطبة كل أحدٍ بما يناسبه. ويمكن استجلاء هذا الأدب في الأمور التالية:
الأول: مخاطبة الإنسان على قدر علمه: فكان«صلى الله عليه وسلم» يخاطب العالم بما يناسب ما عنده من العلم، فقد أخبر النبي «صلى الله عليه وسلم» معاذاً بحديثٍ وأمره ألا يخبر به أحداً غيره، لأن معاذاً عنده من العلم ما يعصمه من حمل الحديث على غير وجهه.
الثاني: التفريق بين الناس عند معالجة أخطائهم: فإن الناس تتباين أحوالهم عند ارتكاب الأخطاء، وكان الأسلوب النبوي في معالجة الخطأ متناسباً وحال المخطئ. وإليك هذه الأمثلة.
1: مخاطبة المعاند: المعاند قد أجمع أمره على عدم الاستجابة لمحاوره، فالاسترسال معه والحالة تلك، مضيعة للجهد والوقت، ولما امتنع الرجل الذي أكل بشماله من الاستجابة لأمر النبي «صلى الله عليه وسلم»، وظهر للنبي«صلى الله عليه وسلم» أنَّ الذي حمله على ذلك هو العناد والكبر، أعرض عن الاسترسال في محاورته.
2: مخاطبة المقر بخطئه: ففي حديث المسيء صلاته، كان الرجل ممتثلاً الأمر بالإعادة، ولكنه يقع في الخطأ جهلاً، مع إقراره بأنَّ هذا غاية جهده، فقد ترفق النبي «صلى الله عليه وسلم» في محاورته، وعلمه صلاته.
3: مخاطبة الواقع في الخطأ اجتهاداً: فقد سأل بعض الصحابة النبي «صلى الله عليه وسلم» أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها، وكان ذلك الخطأ ناشئاً عن اجتهادٍ منهم، فلم يزد على ذكر استغرابه من مقالتهم، وأنها كمقالة الأمم قبلهم، ولم يعنف القائلين بها.
4: مخاطبة من كان ضرر خطئه متعدياً إلى غيره: وقد كان خطاب النبي «صلى الله عليه وسلم» في مثل هذه الحال خطاباً متسماً بالحزم؛ لأن الضرر متعدٍ إلى الآخرين، فلما شكا بعض الصحابة إطالة معاذ في صلاته، قال له«صلى الله عليه وسلم»: (أفتانٌ أنت يا معاذ؟!). وبالمقابل: نجد أنَّ النبي «صلى الله عليه وسلم» يحلم على من يقع في خطأ فردي، كحال الرجل الذي أصاب من امرأة قبله، فجاء نادماً معتذراً فقبل منه. لم يعنفه.
الثالث تنوع وصايا النبي «صلى الله عليه وسلم» التي يسديها لأصحابه: فمن تأمل تباين الوصايا النبوية التي كان يسديها النبي «صلى الله عليه وسلم» لأصحابه تبيَّن أنَّه«صلى الله عليه وسلم» كان يخاطب كل أحدٍ يما يلائم حاله، فأوصى رجلاً بترك الغضب، وأوصى آخر بالاستقامة، وأوصى الأمير برعيته، وأوصى المسافر بما يلائم حاله.
ثالثاً: مراعاة الحال النفسية للمخاطب: النفس مجبولة على محبة التأنيس والتيسير، وقد أمر النبي «صلى الله عليه وسلم» أصحابه أن يكون خطابهم خطاب تيسير وتبشير، ومع هذا الأصل، فإن النبي «صلى الله عليه وسلم» يراعي أحوال المخاطبين النفسية:
مراعاة حال الملل والسآمة: فإنَّ للنفس إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً واسترواحاً، وقد كان«صلى الله عليه وسلم» يباسط أصحابه ويمازحهم، ويتخولهم بالموعظة، ولم يطغ جانب على آخر.
مراعاة حال السرور: فالنفس ترغب من يشاركها فرحتها، ولما أنزل الله توبة كعب بن مالك«رضي الله عنه» استقبله النبي «صلى الله عليه وسلم» ووجه يبرق بالسرور، وبشّره بتوبة الله عليه.
مراعاته في حالة الحزن: فالمصاب محتاج إلى تسليته، وتخفيف لوعته، وعدم مؤاخذته على ما يبدر منه لغلبة الحزن عليه، ولذا لم يعاتب النبي «صلى الله عليه وسلم» المرأة التي كانت تبكي عند قبر ابنها.
مراعاته في حالة الغضب: فمن الغضب ما يفقد الإنسان فيه سيطرته على تصرفاته، فالتعامل معه يحتاج إلى حكمة وروية، ومجانبة ما يهيج الغضب، ولما كان أبو مسعود يضرب غلامه وهو مغضب، فتعامل معه النبي «صلى الله عليه وسلم» بالرفق واللين، مما كان سببا عجله يكف عن ضربه.
مراعاته في حال المشقة والنصب: فاللحظات التي تتلو تعب النفس ونصبها، لحظاتٌ يحتاج فيها العامل إلى عبارات تخفف عنه آلامه وتزيح عنه همومه، ولذا كان«صلى الله عليه وسلم» يستقبل المسافر بعبارات تنسيه وعثاء سفره وتزيل عنه نصبه، فقد قال لوفد عبد القيس: (مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى).
الفصل الرابع: الآداب التي ينبغي مراعاتها أثناء المحاورة.
الحوار لمن أخذ بآدابه سبيل من سبل تحصيل العلم، وإظهار الحق ودحض الباطل، وترغيب الناس في الخير، ومن الآداب التي ينبغي مراعاتها:
أولاً: الإخلاص، ووضوح الهدف. فالأعمال لا تزكو عند الله إلا بالإخلاص، وأما وضوح الغاية فإنَّه من أنفع الأسباب لجعل الحوار مثمراً، ولا يذهب به في متاهات الحوار، ولما بعث النبي «صلى الله عليه وسلم» معاذاً إلى اليمن حدد له الغاية من محاورته له، وبيّن له مراحل الحوار معهم.
ثانياً: العناية بالمقدمات المتفق عليه بين المتحاورين: وهذه من أنفع الوسائل التي تضييق مساحة الخلاف، ومن التطبيقات لهذا الأدب في سنة النبي «صلى الله عليه وسلم»:
تقرير المحاور بصحة المعلومة: بأن يقرر المحاور صاحبه بصحة ما يقوله، والمثال التطبيقي في حياة النبي «صلى الله عليه وسلم» قصة الفتى القرشي الذي استأذن النبي «صلى الله عليه وسلم» في الزنا، فعرض عليه النبي «صلى الله عليه وسلم» أنواعاً من الأقيسة التي أقر بها هذا الفتى، وكان سبباً في طهارة قلبه من حب هذه الفاحشة.
تقرير المحَاور بصدق المتحدث: وهي مقدمة مهمة يحسن بالمحاور أن يسلكها في حواره، وهي خطوة في طريق الإقناع، ولما أراد النبي «صلى الله عليه وسلم» إنذار قريش، سألهم عن حاله، فقالوا: ما جربنا عليك إلا صدقا، عند ذلك أخبرهم بالحق الذي عنده.
ثالثاً: مراعاة حال المحيطين بالمخاطب: فمن اللائق بالمحاور أن يراعي أحوال المحيطين بالمخاطب، وأن يحترم مشاعرهم، ومن الأمثلة على ذلك: أنَّ النبي «صلى الله عليه وسلم» نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث، وعلل ذلك بأنه يحزنه.
رابعاً: حسن إدارة الحوار: ويقصد به: أن يعرف المحاور متى يبدأ؟، ومتى ينتهي؟، وكيف تساق الحجج؟ وأنت راءٍ في حوارات النبي «صلى الله عليه وسلم» إجابةً لهذه الأسئلة كلها وأكثرها منها:
فنهى النبي «صلى الله عليه وسلم» أصحابه أن يدخلوا في حوار مع أبي سفيان لما كان يخاطبهم شامتاً متشفياً. وأما كيف ينتهي الحوار، فإنك تجد في الحوارات النبوية أن الكلمة الأخيرة تكون للنبي«صلى الله عليه وسلم» حيث ينتهي الحوار عندها، وربما انتهى الحوار على لسان محاوره بلفظة تدل على قبوله ورضاه
الصمدر : جريدة " البيان " الإماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.