حفل "أوركسترا براعم النور والأمل" الذي أقيم في قاعة إيوارت التابعة للجامعة الأمريكية في وسط القاهرة من الأحداث الفنية المهمة لأن فيه الدليل القوي علي تحدي الإعاقة وعلي احترام الإنسان وآدميته وبالتالي علي حضارتنا حيث نجد حوالي 24 فتاة كفيفة تتراوح أعمارهن من 9 إلي 14 سنة يؤدين برنامجاً متميزاً من الموسيقي العالمية والمحلية بدون نوتة موسيقية وبدون عصا القائد.. الأوركسترا تابع لجمعية النور والأمل المصرية لرعاية الكفيفات والتي تأسست عام 1954 بدعم من بعض سيدات المجتمع المتطوعات تحت رئاسة الراحلة استقلال راضي.. وفي عام 1961 وبمبادرة من الراحلة د.سمحة الخولي وتحت إشرافها أنشأت الجمعية معهد الموسيقي علي أسس أكاديمية والذي منه تكون أوركسترا النور والأمل السيمفوني الذي أسسه المايسترو الراحل أحمد أبو العيد والذي ظل يرعاه لمدة عشرين عاماً ثم تولي القيادة بعده المؤلف الموسيقي المايسترو ود.علي عثمان وقد نجح الفريق وطاف معظم دول العالم وأطلقت عليه الصحف الأجنبية معجزة القرن ثم هذه الأيام تأتي المعجزة الثانية علي يد المؤلف الشاب المايسترو محمد سعد باشا حيث تم تكوين أوركسترا من تلميذات المعهد الصغار ليكونوا هم النواة للأوركسترا السيمفوني الكبير. والمايسترو محمد سعد باشا من الأكاديميين الواعدين له نشاط بارز في مجالي التأليف والقيادة حيث نشرت وعزفت مؤلفاته في أوروبا كما أنه مؤسس أوركسترا الساقية الوتري وشاهدناه خلال هذين الموسمين كقائد لأوركسترا القاهرة السيمفوني. تضمن الحفل الذي نحن بصدده ثلاث عشرة مقطوعة موسيقية جاءت معظمها من رصيد الفريق السيمفوني الخاص بالكبار مما يؤكد أن هناك تنسيقاً إيجابياً بين الفريقين والذي يعود بالفائدة علي كل منهما. البرنامج يؤكد أن قائد الحفل لديه روية ووجهة نظر تحترم المؤلفات المصرية وتري أن الحضارة لا تكمن فقط في الأداء وإنما أيضاً في الابداع كما أنه كان من الذكاء أن قدم أعمالاً سهلة تناسب المرحلة السنية والتعليمية للفتيات كما أنه راعي الجمهور الذي غالباً في هذه الحفلات لا يكون متخصصاً وأيضاً يتضمن الكثير من الضيوف الأجانب حيث قدم مقطوعات مستساغة للأذن ومشهورة بالإضافة بعض الألحان من الدول الأخري وهذا التنوع أعطي الحفل شكلاً احتفالياً "جالا كونسرت". أدي الفريق للمؤلفين المصريين ست مقطوعات وهذا ليس بجديد علي فرق هذا المعهد حيث تقدم دائماً مؤلفات مصرية تسبق بها الأوركسترات الرسمية.. وكانت البداية مع مقطعة لونجا رياض من ألحان السنباطي ولكن بصياغة للأوركسترا عقب ذلك عزف الفريق مقطوعة أبو بكر خيرت إيه العبارة والتي صاغها خيرت علي لحن شهير لسيد درويش والذي عزفوا له أيضاً لحن زوروني كل سنة مرة وقد تفوقت عازفة الفلوت بسمة أحمد صابر في العزف المنفرد الذي تتضمنه المقطوعة الأولي كما أدي الأوركسترا مقطوعة "شط النيل" للمايسترو الراحل أحمد أبو العيد والتي عزفت فيها صولو علي آلة الكمان العازفة مريم كمال سلامة وعزف الأوركسترا أيضاً من المؤلفات المحلية مقطوعة طريق النور لأحمد عبيد ومقطوعة لونجا شحاتة للمؤلف محمد عبدالوهاب عبدالفتاح أما المؤلفات الأجنبية كانت مقطوعة بسكاتو من مؤلفات المؤلف الفرنسي ليو ديليب وبولكا لجوهان شتراوس والرقصة النابوليتانية ورقصة البجعات لتشايكوفسكي وأغنية هندية بعنوان شتكر وكان الختام مع مقطوعتين من أكثر الموسيقات نشاطاً وحيوية وهما رقصة الهابانيرا من أوبرا كارمن لجورج بيزيه وموسيقي زوربا للمؤلف اليوناني تيودراكس وكانت هذه المقطوعات الراقصة ذات الألحان الجميلة والجذابة كفيلة بأن تجعل الجمهور يواكب النغمات بالتصفيق والتحية. عزف منفرد المقطوعات في مجملها تميزت بالإتقان الجماعي في الأداء وحُسن التدريب وقد اتضح ذلك جلياً في الانسجام الهارموني والتوازن بين أعضاء الفريق بالإضافة أن هناك عدداً من الأعمال تظهر فيها براعة مجموعة آلية بعينها كما في مقطع "بسكاتو" التي يؤديها مجموعة الوتريات بالنبر وتفوق في أدائها عازفات المجموعة الوترية منهم رائدات المجمعات مريم كمال "كمان أول" وهبة أحمد "كمان ثان" وكوثر ناصر "فيولا" ورانيا أبو السعود "تشيللو" وراندا فؤاد "كونترباص" وفي باقي المجموعات كان هناك تفوق لمجموعة آلات النفخ في لونجارياض ومنهم هايدي أحمد أنور "فلوت" ونور عبدالحميد "أبوا" ونوريهان رفعت كلارينت وحبيبة محمد محمود "كورنو" ودينا ثابت "ترومبيت" كما كان هناك اعتماد علي الإيقاع الذي تحملت مسئوليته أسماء رضا ونوال علي محمد. وأخيراً.. السهرة جاءت متميزة رغم أنها اقتصرت علي مختارات من الرصيد الفني لفريق الكبار ولكن لأن المسئول عن هذا الفريق مؤلف موسيقي متخصص نتمني أن تظهر إبداعاته وبصمته الخاصة في هذا الفريق ولن يتثني ذلك إلا بتقدم حفلات منتظمة لهذا الفريق ولا يقتصر نشاطه علي المناسبات فقط.