في وسط فيينا عاصمة الموسيقي قدمت فرقة "سينفونينا مصرية" عروضها ضمن جولتها التي تقوم بها في 4 دول أوروبية الحفل كان يجب ان يطلق عليه "مصري نمساوي" حيث شهده معظم الجالية المصرية هناك وانتصف الجمهور بين المصريين الذين شعروا بالفخر والنمساويين الذين ملكهم الاعجاب بهذا الفريق المصري المجتهد والذي يقدم الموسيقي العالمية بشكل احترافي متمكن.. الحفل اقيم في اطار التبادل الثقافي بين مصر والنمسا وتحت رعاية خالد شمعة سفير مصر في النمسا. وفرقة سينفونينا تتبع الجمعية الفلهارمونية المصرية التي تعد نموذجا جيدا للعمل الأهلي التطوعي حيث لها نشاط كبير في مجال الموسيقي سواء في مسابقة للهواة والمحترفين أو في إنشائها للفرق الموسيقية منها أوركسترا الحجرة الفلهارموني الذي لعب ومازال دورا حيويا في الحياة الموسيقية المصرية. وتعد سينفونينا أحدث فرق هذه الجمعية والتي أسسها المايسترو احمد الصعيدي في بداية هذا الموسم بالتعاون مع الأوبرا المصرية وتتكون من مجموعة من العازفين المتميزين في كل من اوركسترا الأوبرا وأوركسترا القاهرة السيمفوني واوركسترا مكتبة الاسكندرية. واجهة حضارية ورحلة الفرقة إلي أوروبا تأتي ضمن اهداف الجمعية وهي ان تكون فرقنا المصرية الواجهة الثقافية التي يتعرف عليها العالم لهذا البلد العريق حضاريا وايضا فرصة لابنائنا العازفين للاحتكاك بالوسط الموسيقي العالمي والنمسا تعد من أهم المحطات في هذه الرحلة فهي بحق بلد الموسيقي والتي تعتمد في معظم دخلها القومي علي السائحين والزائرين الذين يأتون إليها من أجل حفلاتها ومتاحفها ومزاراتها الموسيقية. والحفل اقيم في القاعة الموسيقية بمتحف العالم الذي يقع وسط مجمع المتاحف بوسط فيينا وتضمن برنامجه 4 مقطوعات اثنتين منهما سبق اداؤهما في باقي البلدان وسبق ان ألقينا الضوء عليهما من قبل وهما مقطوعة موسيقية مصرية من مؤلفات قائد الحفل الصعيدي وكانت في البداية والأخري كانت الختام وهي سيمفونية شوبرت الخامسة التي كلما تم عزفها في أحد البلدان تنال الاعجاب والتصفيق الحار كما حدث هنا ايضا في فيينا بلد الموسيقي وبين البداية والختام تضمن البرنامج مقطوعتين في صيغة الكونشرتو نجح المايسترو في اختيارهما لقيمتهما كما ان مهارة العازف المنفرد تتضح من خلالهما. نجم الرحلة العمل الأول والذي جاء عقب الافتتاحية مباشرة كان كونشرتو الكمان للمؤلف النمساوي الشهير فولفانج اماديوس موتسارت "1765- 1791" وهذا الكونشرتو من المقطوعات المحببة لدي الجماهير لما يتضمنه من الحان راقصة وناعمة ويعد من أعمال موتسارت المبكرة حيث ألفه في سالزبورج عام 1775 وهو يبلغ من العمر 19 عاما ويطلق عليه كونشرتو شتراسمبورج نسبة إلي لحن الكمان المسيطر في الحركة الثالثة وبشكل عام يعد هذا العمل من الأعمال التي كانت بداية لاعطاء الآلة المنفردة دورا بارزا في مقابل الأوركسترا وكان نجم الرحلة العازف المصري عبدالحميد الشويخ وهو عازف الكمان المنفرد "السوليست" في هذا العمل كما كان رائد الفريق في باقي الأعمال وقد استطاع ان يؤدي العمل بحرفية واحساس عال وفهم لتفاصيله واتضح ذلك في حواره مع الأوركسترا في الحركة الأولي أما الحركة الثانية فنجد العازف اظهر لنا كل الجمال الابداعي فيها من محاكاة للأوركسترا في اللحن الرئيسي ثم عزفه اللحن عقب آلات النفخ وتطوره من خلال الكادنسة التي تختتم باعادة عزف هذا اللحن في ختام جميل أما الحركة الثالثة والتي تستهل بلحن من الفريق يطلق عليه شتراسبورج والتي تعزفه ايضا آلة الكمان في ختام الحركة فنجد العازف هنا جاء اداؤه متقنا بجانب احساس عال خاصة عندما عزف عقب اللحن الفردي لآلة الأبوا بلحن مغاير مع التنوع في المقامات واستطاع هنا ان يظهر لنا الجمال الابداعي لموتسارت بسهولة ويسر والتزام. العمل الثاني كان كونشرتو التشيللو للمؤلف فرانز جوزيف هايدن "1832- 1809" ابدعه عام 1761 ولكنه اختفي من الساحة ولم يتم اكتشافه إلا عام 1961 حيث عثر علي نسخة منه في متحف براغ القومي وعزف في حينها في اذاعة تشيكوسلوفاكيا وبعد حوالي 20 عاما أصبح من الأعمال الشهيرة لهذه الآلة خاصة حين عزفه كبار عازفي التشيللو في القرن العشرين مثل جاكلين ديبوريه وميستسلاف روستروبوفيتش وقد قدمته هنا العازفة فيكتوريا كابرالوفا وقد عزفته باجتهاد وفهم وحفظ وكل هذا كان واضحا تماما في عدة مواضع منها الاستخدام السريع للنغمات والتباين الشديد في النطاق النغمي في الحركة الأولي وفي الكادنسة التي تختتم بها الحركة الثانية أما الحركة الثالثة فكانت اختبارا حقيقيا اجتازته العازفة حيث ان هناك مقاطع تتبادل النطاق الصوتي المرتفع والمنخفض بطريقة سريعة علي الآلة وكأن هناك آلتين تعزفان في آن واحد. وإذا كان العازفان المنفردان أجادا في عزفهما فقد ساعدهما علي ذلك هذا الفريق المتناغم والمتميز وقائده المايسترو الصعيدي الذي استطاع ان يسيطر علي العازفين ويحدث التناسق والانسجام بين العازف المنفرد والفريق ويفسر لنا الأعمال بطريقة علمية دقيقة تتناسب تماما مع المكان الذي يعزف فيه ومع دراسته العميقة وثقافته وخبرته الكبيرة. محطات أخري مدينة فيينا كانت احدي المحطات في الرحلة ولا ننكر أهميتها ولكن كانت هناك حفلتان عزف فيهما نفس البرنامج وكانا علي درجة من الأهمية هما الحفل الذي أقيم في براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا تحت رعاية السفير المصري في سلوفاكيا ايهاب ناصر والذي اقيم في مسرح الاذاعة الوطنية وتم اذاعته علي الهواء مباشرة كما تم تسجيله ليذاع بشكل دوري.. والحفل الثاني الذي أقيم في العاصمة بودابست تحت رعاية سفير مصر في المجر أشرف نجل كاتبنا الكبير محسن محمد والذي كان حفلا رسميا حيث تم الاحتفال بعيد ثورة يوليو وفي ختام البرنامج تم عزف السلام الجمهوري لكل البلدين المجر ومصر وكان التوزيع الأوركسترالي لنشيدنا الوطني بديعا وأداه الجميع بجمال خاصة عازف الفلوت "بيتر اولادي" الذي يتم من خلاله سماع اللحن الغنائي الرئيسي بلادي بلادي والذي يعد خير ختام لهذه الرحلة التي كانت فيها الموسيقي خير سفير لمصر ومعبرا جيدا عن حضارتها.