الحفل الذي أقامه أوركسترا القاهرة السيمفوني في المسرح الكبير بدار الأوبرا بقيادة المايسترو السويسري "اندرياس شابوري" وشارك فيه عازف الكمان د. حسن شرارة. كان يجب أن يطلق عليه عنوان "ليلة مع مندلسون" حيث تم تقديم عملين من أهم أعمال هذا المؤلف واختتم الحفل بعمل ليس من مؤلفاته. ولكن له الفضل في تقديمه وتعريف الناس به ورغم أن برنامج هذا الحفل ليس جديداً علي "ريبرتوار" الفريق إلا أن ما يميزه حُسن اختيار فقراته التي جمعت بين القيمة الموسيقية والمهارة الفردية والجماعية في أدائها. وفيليكس مندلسون بارثولدي "1809 - 1847" موسيقار ألماني ولد لعائلة ثرية ذائعة الصيت أتاحت له فرصة جيدة للتعليم. وكان مؤلفاً متميزاً ظهر في الفترة الرومانسية المبكرة وتضمنت أعماله عدداً من السيمفونيات. بالإضافة إلي الكونشرتو و"الأورتواريو" وأعمال للبيانو وموسيقي الحجرة وتعرض للتجاهل الشديد من النقاد خلال القرن التاسع عشر نتيجة لأسلوبه الموسيقي المتأثر بالكلاسيكية والذي لم يواكب التغيرات الكبيرة التي طرأت علي الموسيقي في هذا الوقت. ولكن إعادة تقييم أعماله في القرن الماضي والحيادية التي اتخذها معظم النقاد وأكدت علي أصالته الإبداعية. وإنه يعد واحداً من أهم وأكبر مؤلفي الفترة الرومانسية.. و"مندلسون" لم يكن مؤلفاً فقط بل كان قائدا موسيقياً اشتهر في إنجلترا التي عرفت قيمته في حياته واحتضنته وعن طريق القيادة كان له فضل في إحياء وتقديم موسيقي "يوهان سباستيان باخ" و"هاندل" كما انه يعد من الموسيقيين المثقفين وله علاقة بالأدباء من أشهرها صداقته بالشاعر الألماني جوته.. ومن فضائله أنه قدم سيمفونية "شوبرت" التاسعة التي اختتم بها هذا البرناج بعد وفاة مؤلفها ب11 عاماً حيث استجاب لرجاء صديقه الموسيقار "شومان" الذي اكتشف هذه السيمفونية وأرسلها من خلال الأوركسترا الذي يقوده وقدمها لأول مرة في 21 مارس سنة .1839 كانت بداية الحفل مع مقطوعة "كهف فنجال" التي ألفها مندلسون عام 1830 بعد زيارته لهذا الكهف الموجود في احدي جزر اسكتلندا وقد فرغ من تأليفها وكتبها في خطاب أرسله إلي وطنه في نفس الليلة التي زار فيها الكهف وتعد أول عمل للقالب الموسيقي المعروف. بالافتتاحية التصويرية وهي من حركة واحدة بها فقرات تتبادل وتتداخل فيها آلة الكمان الصولو مع الأوركسترا وتميز العمل بتلوين أوركسترالي هاديء وبه فخامة.. وقد استمتعنا بأداء الفريق الذي سبق له تقديم هذا العمل أكثر من مرة وتم عزفه بسلاسة وجمال وكان خير افتتاح لهذه الليلة. الكونشرتو أما الفقرة الثانية في هذا الحفل والتي تعد درة هذا البرنامج كان "كونشرتو الكمان والأوركسترا في سلم مي الصغير مصنف 64" ويعد من أشهر أعمال مندلسون وأكثرها جماهيرية ولا يخلو برنامج فرقة سيمفونية منه. بالإضافة إلي أنه دائماً يتم وضعه ضمن برامج المسابقات لآلة الكمان لأنه يجمع بين المهارة في التكنيك والصياغة المحكمة ويتميز بتداخل لحني وهارمونية وتلوين أوركسترالي. ويوصف دائماً بأنه من أكثر الكونشرتات الملائمة لآلة الكمان في التراث المكتوب لهذه الآلة. والكونشرتو ألفه لصديقه عازف الكمان المعروف في زمنه "فرديناند دافيد" وانتهي منه عام 1844ويختلف في صياغته عن الكونشرتو التقليدي حيث أن حركاته الثلاث موصولة تعزف بدون توقف. ويبدأ بعزف منفرد للكمان. و"الكاونسة" المكتوبة في ختام الحركة الأولي تعد جزءًا متكاملاً من الحركة كتبها مندلسون ولم يترك حرية فيها للعازف. وإذا كان هذا العمل يحتاج في أدائه لمهارة من العازف المنفرد فإنه أيضاً يحتاج لفريق أوركسترا متكامل وعازفون متميزون. خاصة في آلات النفخ والوتريات. ولهذا برز في هذا البرنامج عازف الفايوت تامر كمال وعازفا الأبوا طارق مهران ووسام أحمد ومجموعة الكمان بريادة ياسر الصيرفي. واختيار حسن شرارة هذا الكونشرتو ليؤديه جاء موفقاً لأننا منذ فترة لم نشاهده مع السيمفوني بل معظم نشاطه مع فرقته الخاصة وفي مجال القيادة أو كرائد لأوركسترا الحجرة الفلهارموني ولكن أن يبدأ موسمه مع السيمفوني فهذا يمثل عودة حميدة وخاصة انه كان واضحاً احساسه بقيمة العمل فجاء أداؤه بشكل متميز حافظ علي تفاصيله. وفسر لنا فكر "مندلسون" بشكل أمين. فكان هناك انسجاماً واضحاً بينه وبين المايسترو والفريق وقد تميز عزفه بميزات تخص شخصيته وتميز أدائه بشكل عام. منها إظهار الألحان بدقة والتعامل مع الآلة بحساسية ولهذا الكونشرتو قصة مع حسن شرارة حيث أنه عزفه لأول مرة عام 1969 مع السيمفوني في دار الأوبرا القديمة. وكان حاضرا الحفل السفير الروسي الذي أعجب به وقدم له منحة الدراسة في الاتحاد السوفيتي حينئذ. ورغم عدم حضوري للحفل الأول إلا أنني أعتقد أن عزفه الحالي أضيف له خبرة السنين مما جعل أداءه متميزاً واستحق التصفيق الذي حظي به من جمهور الأوبرا.. وأتمني أن تكون هذه بداية لأدائه كونشرتات عالمية أخري تتوج مشواره الفني الطويل. فرانز شوبرت اختتم الحفل كما سبق أن ذكرنا بالسيمفونية التاسعة لفرانز شوبرت "1797- 1828" والتي قدمت من خلال أوركسترا "الجفاندهاوس" بقيادة مندلسون وقد استطاع الأوركسترا المصري والمايسترو شابوري أن يجعل جمهور الأوبرا يستمتع بهذا العمل. وايضاح مميزاته من معالجة نموذجية للآلات المنفردة وللأوكسترا ككل والحوار بينهما وقد كان هذا خير ختام لهذه الليلة التي جعلتنا نعيش مع العبقريات الموسيقية شوبرت ومندلسون.