تزوجت "أنعام" وهي في سن الثامنة عشرة من عمرها من "كمال" ابن الجيران الذي قضي أياماً طويلة ينتظر موافقة والد أنعام علي الزواج. فقد كانت تتمتع بجمال أخَّاذ جذب الكثير من العرسان إلي بيت والدها إلا أنها اختارت كمال لأخلاقه وطيبته وسمعة أهله الطيبة.. تم الزفاف وعاش الزوجان أياماً هنيئة. واكتشفت أنعام بعد الزواج أن كمال رجل نادر أحبها وأكرمها ولم يوجه لها أي إساءة ولو كانت بسيطة.. مرت الأيام في سلاسة ويسر ورزق الزوجان بياسر ثم يسرا وبذل الزوجان كل ما يستطيعان من أجل أولادهما. فتعلما أفضل تعليم ولم يبخل عليهما كمال وأنعام بالمال والرعاية والحنان. كانت يسرا أكثر شبهاً بوالدها ورغم جمالها إلا أنها لم تأخذ جمال أمها التي كانت تبدو وكأنها أخت يسرا الكبري وليست والدتها. تخرجت يسرا في كلية الحقوق وتقدم إليها "عاطف" زميلها في الجامعة.. لم تقتنع أنعام بخطيب ابنتها ورأت أنه شاب عابث لا يأخذ أمر الزواج علي محمل الجد. وبعد تشاور مع زوجها وافقت علي مضض بسبب تعلق نجلتها بهذا الشاب.. كانت أنعام تلاحظ علي خطيب ابنتها أنه دائم النظر إليها وكانت نظراته لا تريحها. لكنها قالت في نفسها إنه يحاول التودد إليها ليكسب ودها كأم لزوجته وله أيضاً. تم زواج يسرا وعاطف.. وانتهي شهر العسل سريعاً وكانت يسرا دائمة الوجود في بيت أبيها هي وزوجها وفرح كمال وأنعام لسعادة نجلتهما في زواجها من عاطف. وكانت أنعام تعامل زوج ابنتها كأنه ابنها تماماً وإن كانت في معاملتها معه تحرص علي الجدية والحزم بسبب قلقها من نظراته قديماً.. حملت الابنة وفرحت الأسرة جميعاً بهذا الخبر السعيد وتمنت أنعام أن يأتي اليوم الذي تري فيه حفيدها. وبالفعل مرت الشهور ورزقت يسرا بطفل جميل سماه أبوه عصام. وكان أسعد أوقات أنعام وكمال هي التي تكون بصحبة حفيدهما عصام. وكانا يضحكان بشدة عندما يذكران كيف أن أنعام أصبحت جدة رغم أنها مازالت كما يراها زوجها شابة في ريعان الشباب. بعد فترة وجيزة وقع حادث أصاب أنعام بالحزن فقد أصيب زوجها بسبب إرهاقه في عمله بأزمة قلبية ودخل علي إثرها المستشفي لإجراء عملية كبيرة بالقلب.. واكتشفت أنعام ساعتها مدي حبها لزوجها وخوفها علي حياته لأبعد الحدود. وكان عاطف ويسرا دائمي الوجود في بيت الأسرة.. وفي ليلة لن تنساها أنعام وأثناء عودتها من المستشفي بعد الاطمئنان علي زوجها دخلت المطبخ لتجهيز العشاء. لكنها فوجئت بزوج ابنتها يقترب منها ببطء وينظر لها نظرة ذئب حقير وجد فريسة سهلة أمامه. ولكن نظرة واحدة من أنعام جعلته يقف مكانه كالتمثال ولا يجسر علي النطق بكلمة. ثم ابتسم ابتسامة صفراء وعرض عليها مساعدتها في حمل أواني الطعام. وكان الرد بليغاً. فقد أشارت إليه بإصبعها بما معناه "أخرج برة". كانت أنعام تحب زوجها كمال كثيراً وكان هذا الحب يرجع إلي ما اكتشفته فيه من الصفات الجميلة التي نادراً ما تجتمع في رجل. لذلك لم تلتفت في يوم من الأيام إلي غيره ولو كان أكثر الرجال وسامة وجمالاً.. وبعد الموقف الأخير مع زوج ابنتها تحول شكها إلي يقين بأن عاطف شاب عابث لا يراعي الحرمات وأن نظرتها كانت في محلها. ولكن ما العمل وهي لا تستطيع أن تتكلم في هذا الأمر الشائك مع أحد خاصة كمال ويسرا فهي لا تضمن رد الفعل وقد يتحول الأمر لفضيحة للأسرة بأكملها.. لذلك قررت أن تتجنب هذا اللئيم ولا تتحدث معه إطلاقاً. بعد أيام عاد كمال من المستشفي بعد أن تعافي تماماً وكان هذا أسعد خبر في حياتها. فأحاطت زوجها بالدفء والحنان والرعاية أضعاف ما كانت تفعله من قبل لدرجة أنه قال لها ضاحكاً: "يا ريتني دخلت المستشفي من زمان".. مر عام كامل تناست فيه أنعام لسعادتها مع زوجها ما حدث من زوج ابنتها. خاصة بعد أن حملت يسرا للمرة الثانية. وبعد ولادة طفلها الثاني فكري اضطرت أنعام لاستضافة نجلتها في بيتها حتي تسترد قواها بعد آلام الولادة. أثناء وجود يسرا في شقة أمها كان عاطف شبه مقيم في المنزل. حتي كان اليوم المشئوم الذي خلا فيه البيت من "كمال" لوجوده في عمله. وياسر الابن في الجامعة. وأثناء إعداد أنعام للطعام دخل عليها الوغد مرة أخري وتحرش بها وحاول الاعتداء عليها إلا أنها أثناء دفاعها عن نفسها ضربته بسكين في ذراعه ضربة قوية غاصت في لحمه وأطلق معها صرخة مدوية. وترك البيت وخرج بسرعة. تسارعت دقات قلب المسكينة وقالت في نفسها إن الفضيحة التي كانت تتجنبها ستملأ الدنيا بعد قليل.. لكن لدهشتها البالغة فوجئت باتصال علي هاتفها المحمول. وكان المتصل هو عاطف زوج ابنتها وسمعته يبكي بحرارة وقال لها إن تسامحه فسوف ينتحر وأخبرها بندمه وطلب منها الصفح والغفران. رق قلب أنعام لكلامه وغفرت له زلته. ولما عاد للمنزل ورأت زوجته إصابته فزعت وسألته عن السبب. لكنه طمأنها وقال: "ذنب ارتكبته وعاقبني الله عليه ولن أعود له أبداً" وبعد خروجه من الغرفة أمسك بيد أنعام وقبلها وقال بلهجة صادقة "سامحيني يا أمي" فسامحته لكنها مازالت حتي هذه اللحظة تعامله بحرص زائد خوفاً من أن يزين له الشيطان السوء وعندها قد يكلفه الأمر حياته فكل ما في الدنيا يهون إلا الشرف فالموت أهون بكثير.