عزيزتي حُسْن شاه: أنا فتاة في العشرين من عمري.. خريجة احدي كليات القمة. توفي والدي وأنا في العاشرة وتركني أنا وشقيقي الأصغر في حضانة أمنا، وترك لنا ثروة كبيرة. وكانت أمي عند وفاة والدي في التاسعة والعشرين من عمرها أي في عز شبابها.. وكانت ومازالت امرأة رائعة الجمال حتي ان كل من يراها يقارن بين جمالها وجمال ممثلات هوليوود بل هي في الواقع أجمل لأنها تتمتع بجانب الجمال بخفة الظل المصرية. وقد كان جمال والدتي الباهر من أسباب تعاستي منذ الطفولة، ذلك ان كل من كان يراها من الرجال كان يقع أسيرا لجمالها ويتقدم للزواج منها في الحال. وقد كنت وأنا طفلة صغيرة أتصور ان والدتي لن توافق علي الزواج من رجل آخر بعد والدي ولكن اتضح ان أمي من نوعية النساء اللائي لا يستطعن الحياة بدون رجل. وقد اختارت بعد شهور قليلة من وفاة أبي الزواج من رجل شديد الثراء كان شرطه الوحيد أن تتفرغ والدتي للحياة معه وان تتركنا أنا وأخي نعيش مع جدتنا. ورغم ان هذه الجدة قد عاملتنا بكل حب وطيبة وأغرقتنا في حنانها إلا ان موافقة والدتي علي هجرنا تركت في قلبي جرحا لا يندمل واحساسا دائما باليتم من الأب والأم معا. ولا أعرف السر حتي اليوم في ان زواج والدتي من هذا الثري قد فشل.. وقد تصورت بعد طلاقها منه انها ربما ندمت علي تركها لنا وحدنا في بيت جدتنا.. لكنني فهمت بعد ذلك ان خلافها مع زوجها لم يكن له علاقة بنا وإنما لأن الرجل قد ضاق باحساسها المرضي بجمالها وبطلباتها التي لا تنتهي. وقد عادت والدتي بعد الطلاق لتعيش معنا وهو ما فرحت له كثيرا فقد تصورت ان أمي قد عادت لي ولشقيقي إلي الأبد ولكن الفرحة لم تدم أكثر من بضعة أشهر عادت والدتي بعدها لتتهامس مع جدتي وهو ما أثار قلقي رغم طفولتي وقد اتضح بعد ذلك أن قلقي في محله فقد كان هذا التهامس مقدمة لزواج والدتي من رجل يكبرها هذه المرة بعشرين عاما لكنه كان طبعا شديد الثراء. وتكررت القصة من جديد فبعد عامين من الحياة الزوجية تم طلاق والدتي لأسباب لم أعرفها حتي اليوم وعادت أمنا لتعيش معنا.. ثم تزوجت مرة أخري من زوج جديد ثم اختلفت معه وطلبت الطلاق ولم تستطع أن تتخلص منه إلا بعد ان رفعت عليه دعوي في المحكمة. كل هذه الزيجات تمت خلال عشر سنوات من رحيل والدي الحنون وكانت خلال الفترة الأخيرة التي رفعت فيها دعوي التطليق قد عادت للحياة معنا وأعلنت أنها قد تابت عن الزواج وانها سوف تكرس حياتها للاعتناء بنا بعد ان أهملتنا طويلا ولم تقم بواجباتها كأم لسنوات كثيرة، وكنت خلال هذه السنين العجفاء قد كبرت ودخلت الجامعة وتخرجت فيها بتفوق وعثرت علي وظيفة طيبة في أحد البنوك الاستثمارية. وفي البنك اختارني أحد المديرين الكبار لكي أعمل في سكرتيرياته ورغم ان هذا المدير كان يشغل مركزا مرموقا في البنك إلا ان عمره لم يكن يتجاوز الثانية والأربعين. واعترف لك بأنني مع مضي الأيام والشهور قد شعرت بعاطفة قوية نحو مديري وزاد من احساسي انه كان يعاملني برقة شديدة وانه كان يعاملني معاملة خاصة جعلتني أتصور انه يبادلني العاطفة وزاد من أملي في الارتباط بهذا المدير ان علمت بأنه مطلق وان كان عنده أبناء.. وانه قد ألمح لي بأنه يفكر في الزواج والاستقرار من جديد. وهكذا أخذت أبني الأماني حتي جاء اليوم الذي أعلمني فيه المدير بأنه يرغب في زيارتنا في البيت والتعرف علي أهلي. وأسرعت إلي جدتي أخبرها وأنا أكاد أطير من السعادة بأن المدير علي وشك أن يتقدم للزواج مني. ولا أعرف حقيقة لماذا ترددت في مصارحة والدتي بأنني أعقد علي هذه الزيارة آمالا كبيرة.. ربما لأنني كنت أعلم انها منذ طلاقها الأخير وهي لا تفكر إلا في نفسها وفي خيبة أملها. وجاء يوم الزيارة.. ووصل مديري ورجل أحلامي حاملا معه باقة زهور وعلبة حلوي.. وحاملا معه في نفس الوقت أكبر صدمة عرفتها في حياتي فما كاد بصره يقع علي والدتي حتي أصيب بما يشبه الصاعقة وظهرت علي وجهه آثار الدهشة الممزوجة بالاعجاب الشديد. فلم يكن يتصور أبدا ان والدتي بهذا الجمال الخارق وفي سن التاسعة والثلاثين. ولا أريد ان أطيل في التفاصيل فمنذ هذه اللحظة أدركت ان الرجل الذي أحبه قد وقع تحت التأثير المغناطيسي الذي تحدثه والدتي لكل رجل يراها لأول مرة، وقد صمت الرجل الذي أحبه في تلك الزيارة ولم يفتح أي حديث يدل علي رغبته في الارتباط بي وأصبح لا يحدثني في البنك إلا عن والدتي ولاحظت انه يتحدث في التليفون مكالمات غامضة وأيضا والدتي تتحدث في الليل أحاديث طويلة مع شخص مجهول. ثم بدأ الهمس بين جدتي ووالدتي منذرا بظهور عريس جديد. وقد لاحظت ان صوت جدتي الهامس فيه غضب وقد علمت فيما بعد أنها كانت تحاول اثناء والدتي عن فكرة الزواج من الرجل الذي كانت تعلم بأنني أحبه وأعلق عليه الآمال. لكن والدتي عندما ترغب في شيء فليس في مقدور أحد ان يوقفها عن الحصول عليه. وقد كان فقد أعلنت والدتي ان مديري قد تقدم للزواج منها وانها قد وافقت. ولم أستطع أن أتمالك نفسي من البكاء والصراخ واعلان انني أحب هذا الرجل وكنت أتصور انها عندما تسمع اعترافي سوف ترحمني وتتنازل عن فكرة الزواج منه علي الأقل حتي لا أتمزق عندما أراه زوجا لها.. ولكنها وبكل برود أكدت ان شيئا لن يمنعها من زواج المدير.. وانها للمرة الأولي في حياتها تشعر بأنها تحب وانها محبوبة.. وانها لن تتنازل عن سعادتها من أجل أوهام الحب التي أتصورها.. وان تعلقي بالمدير سببه انني حرمت من الأب في سن صغيرة.. وانه اذا كان عاملني برقة فلأنني في سن بناته.. وعموما كما قالت فإنه قد تقدم للزواج منها ولم يتقدم للزواج مني. كان هذا هو رأي وموقف والدتي.. وأنا الآن أكاد أتمزق من الغضب والرغبة في الانتقام. فلم أكن أتصور ان تكون أمي التي ولدتني هي المرأة التي تخطف الرجل الذي أحبه. لقد أصبحت أكره وجهها وجمالها الباهر.. وأحلم ليل نهار بتشويه هذا الوجه الذي كان سببا في تعاستي منذ كنت طفلة صغيرة محرومة من حنان الأم.. وعذابي عندما صرت شابة أحلم بالحب والاستقرار. فتكون هذه الأم هي المنافسة التي تدمر أحلامي وسعادتي.. انني حائزة.. معذبة.. تملأ رأسي الأفكار الشريرة.. ويعذبني ضميري لأنني أصبحت أتمني في قرارة نفسي لو ان أمي اختفت تماما من حياتي بل لو انها اختفت تماما من الحياة.. لو أنها ماتت.. ماذا أفعل لكي أبعد هذه الأفكار الشيطانية التي تتملكني؟!
عزيزتي: لاشك ان والدتك نوعية نادرة من الأمهات.. فهي امرأة أنانية تفضل سعادتها الخاصة علي سعادة أبنائها.. ولعل السبب في هذه الأنانية يرجع إلي جمالها الباهر الذي تتحدثين عنه والذي جعلها تشعر بأنها مميزة وأنها تستحق حياة أفضل توازي هذا الجمال الباهر الذي ترفض أن يزوي دون أزواج يتعبدون فيه.. وهي قد تزوجت بعد والدك ثلاث مرات وفشلت.. ومع ذلك فهي تدخل في التجربة الرابعة دون أن يعنيها ان الرجل الذي سوف تتزوجه كان علي وشك التقدم لابنتها.. وان ابنتها تشعر نحوه بالعاطفة.. مع ذلك فإن والدتك رغم كل شيء سوف تظل هي أمك واذا كانت قد أخطأت في حقك فإنني أدعوك لكي تكوني أفضل منها وان تسامحي ضعفها. ومع ذلك دعينا نفكر بهدوء.. فهذا المدير الذي تعلقت به ليس هو أفضل الأزواج بالنسبة لك.. فهو لا يصلح زوجا أو حتي مجرد فتي أحلام.. فالفارق بين عمرك وعمره يمتد أكثر من عشرين عاما، وهو رجل مطلق وعنده أولاد وتاريخ وصدمات، في حين انك شابة صغيرة بريئة بدون تجارب سوي تجربة الحرمان من حنان الأب.. وهي تجربة صعبة وقاسية كل القسوة.. ومع ذلك فلا يجب علاجها بالمرور بتجربة قد تكون أشد مرارة وهي الارتباط برجل في سن والدك. حاولي ان تتصوري حالك بعد عشرين سنة.. سوف تكونين في قمة العمر أما هو فسوف يكون قد وصل إلي سن الشيخوخة والمرض وفي حاجة إلي امرأة في مثل عمر أمك. لا تتصوري ان ما حدث لك هو محنة وكارثة فغالبا هي نعمة وسوف تدركين بعد سنوات ان ما حدث هو الصالح وسوف تضحكين من أوهام حبك لهذا الرجل عندما تلتقين بالشاب الذي يماثلك في السن والفكر والحيوية. وابعدي عنك مشاعر الكراهية خاصة تجاه أمك وهي المرأة التي حملت فيك وجاءت بك إلي الدنيا وأرضعتك وراعتك في طفولتك. أما عن جمالها فانظري إليه باعتباره نعمة لا نقمة.. فكما فهمت من رسالتك فإنك قد ورثت عنها شيئا منه. تناسي مشاعرك الصبيانية وتمني لأمك هذه المرة أن ينجح زواجها. واذا كان ولابد فاطلبي نقلك من سكرتارية مديرك الذي أصبح زوجا لأمك. وذلك حتي تهدأ مشاعرك وتستقر وتدري ان مشاعرك نحو الرجل لم تكن كما ذكرت والدتك أكثر من تعويض عن فقدك للوالد.