إذا كان مشروع القراءة للجميع الذي يعاني الآن ما يشبه الاحتضار. قد اتجه إلي كل أفراد الأسرة ليصبح بعداً ثابتاً في تكوينهم المعرفي. فإن القراءة للجميع حالة في الدول المتقدمة. عادة يمارسونها دون مشروعات. لأنها بعض التقاليد التي نشأوا عليها. إنهم يقرأون كتب الجيب في وسائل المواصلات العامة "حاولنا تطبيق الفكرة دون أن نعني بدلالتها" والمكتبة معلم في كل بيت أوروبي. بل إن الدعوة إلي عرض فني. يقابلها إهداء كتاب يجد من أهداه أنه ربما يخاطب اهتمامات المهدي إليه. ظني أن المعني يختلف في حياتنا. المكتبة في معظم بيوتنا إن وجدت. مجرد ديكور يضاف إلي أثاث البيت. مثل اللوحة الفنية. والمقتنيات الثمينة. وأذكر أن المبني القديم لدار التحرير بشارع زكريا أحمد كان يضم مكتبة هائلة. بها آلاف الكتب. لكن غالبيتها كما تبينت مجرد كعوب عليها أسماء أعمال أدبية عالمية! لي صديق. كان قطع مشواراً ليقف أمام مكتبة بيتي. يتأمل الأرفف. يقلبها. يستعير ما يروقه. ثم ينصرف لمشاهدة أحد الأفلام. ذات يوم. سألته: لماذا تدعو نفسك إلي قراءة كتبي. ولا تدعوني إلي الأفلام التي تشاهدها؟ لا أذكر رد صديقي. وإن ظل في نفسي شعور بعدم الاقتناع. المثل صحيح. ويجب أن نناقشه: نحن ندفع عشرات الجنيهات في مشاهدة عرض مسرحي أو سينمائي. أو مباراة كرة.. لكننا نرفض شراء الكتاب بصرف النظر عن قيمته المعرفية والمادية ونفضل أن نقرأه استعارة من مكتبة عامة أو خاصة. المهم أن تكون القراءة بالمجان. مع أن ثمن الكتاب يقل أحيانا عن ثمن تذكرة المواصلات. عادة سيئة هل لديك وصف آخر؟ لا تفسير لها. حتي طلاب الدراسات العليا يفضلون استعارة المصادر والمراجع التي يلجأون إليها. باعتبار أن أوقات حاجتهم إليها محدودة. فهم ليسوا في حاجة إليها. يتناسون أن مكتبة المشتغل بالعمل الثقافي يجب أن تكون دوماً تحت تصرفه. يضيف إليها بقدر اتساع حصيلته المعرفية. أو حاجته للاستزادة من المعرفة. قد يبدو رأيي غريبا. لكنه يحتمل الصواب: إن باعة سور الأزبكية هم من يعرفون قيمة الكتاب جيداً. مجرد أن يلتقط الحرص في عينيك علي اقتناء كتاب ما. يرفع السعر إلي أضعاف ثمنه الأصلي. حتي كتب السلاسل والدوريات الزهيدة السعر. يشتريها باعة سور الأزبكية بالربطة. ثم يبيعونها بسعر أعلي. بل إن ارتفاع السعر قد نجده أحياناً في الكتب التي تم شراؤها بالجملة من باعة الروبابيكيا. وهي كتب استغني عنها أصحابها مجاناً. بعد أن رحل من كانوا يعنون باقتنائها. وللأسف. فإن ورثة الراحل الذي كان يمتلك مكتبة. متكاملة يستغنون بالتنازل أو البيع عما كانت تضمه من كتب. في حين يعلنون اعتزازهم بالأشرطة والسيديهات التي تحمل أعمالاً فنية! والأمثلة تدمي القلب!