اتهامات عديدة وجهت في الفترة الأخيرة حول مدي فاعلية ودور جهاز التنسيق الحضاري الذي أنشئ عام 2004 بهدف المشاركة مع الجهات المعنية لمعالجة الخلل في أعمال التخطيط والعمران واضافة لمسة جمالية علي الميادين والشوارع التي دمرتها العشوائية. الكثيرون قالوا ان دوره مجرد ديكور وليس فاعلا ولم يقدم أي مشروعات حقيقية تستهدف التغيير والتطوير. "المساء الأسبوعية" التقت ب سمير غريب - رئيس جهاز التنسيق الحضاري - الذي كشف ان الجهاز لا يمتلك أية صلاحيات أو سلطة قوية تمكنه من مواجهة أعمال التشويه والتدمير وكافة العشوائيات التي اتسعت وانتشرت بشكل سافر بسبب توقف برامج الاسكان الشعبي. أضاف انه تم انفاق الأموال علي أعمال التطوير التي تتعلق بإجراء المسابقات بين المكاتب المصرية والأجنبية بهدف الوصول إلي أفضل المقترحات التي يمكن تنفيذها لتغيير الصورة القائمة في أكثر ميادين القاهرة ازدحاما لكن المشكلة ان المشروعات الفائزة ظلت حبيسة الأدراج علي الرغم من أن التأخير في تنفيذها يكبدنا خسائر باهظة. * صرح وزير التنمية المحلية اللواء عادل لبيب بأنه سيتم الاستعانة بخبير عالمي لإعادة تخطيط القاهرة.. فما رأيكم؟ ** من حيث المبدأ لست ضد التعرف علي الأفكار والرؤي الدولية لحل الأزمات أو المشاكل التي تواجهنا في الجهود المبذولة لاستعادة وجه القاهرة الحضاري والمشاركة في أية أعمال بهدف الإصلاح والتطوير أمر مستحب ومطلوب مع ضرورة الاستفادة بكل ما هو متقدم لصالح البلد. من المؤكد اننا جميعا نعطي الأولوية لتلك القضية التي شغلت جميع المسئولين وتم إعداد العديد من المخططات الاستراتيجية لكنها لاتزال حبيسة الأدراج ومجرد التفكير بالاستعانة بأي خبير دولي دون العودة إلي ما تم إنجازه من مخططات ومشروعات جاهزة لن يكون فاعلا خاصة في هذه الظروف الحرجة. مسابقات للتطوير * اذن لديكم دراسات عن التطوير لم يتم الاستفادة منها؟ ** بالفعل أقمنا عدة مسابقات خلال الأعوام الماضية بمشاركة المكاتب الدولية بهدف ظهور مشروعات جديدة وأفكار خلاقة لصالح التخطيط العمراني وذلك في إطار الخطة القومية للتنمية العمرانية التي تهدف إلي تحسين مستوي المعيشة بالنسبة للمكان والمسكن باعتباره من الحقوق الأساسية المستقرة في القانون الدولي لحقوق الانسان ومنذ عام 82 تم التصديق علي العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بكل أسف لم يتم الاستفادة بهذه الدراسات حتي يومنا هذا. * ما هي المشروعات التي اهتمت بها المسابقات؟ ** الجهاز أجري ثلاث مسابقات دولية واحدة تتعلق بتطوير ميدان رمسيس وأخري لتطوير ميدان الأوبرا والعتبة والثالثة بمنطقة صيدناوي والخازندار وقد أسفرت عن نتائج جيدة نتيجة لاشتراك المهندسين الأجانب مع نظرائهم من المصريين في إعداد مشروعات متكاملة للتطوير وقمنا بتسليمها إلي مجلس الوزراء ومحافظ القاهرة ووزير الاسكان ومنذ عام 2010 وبعد صدور قرار من رئيس الوزراء آنذاك د.أحمد نظيف بتنفيذ أعمال تطوير ميدان رمسيس لم يتم شيء علي أرض الواقع. ونتيجة لقيام الثورة وتوقف معظم الأعمال ستكون النتيجة هي ارتفاع التكاليف وتضاعفها إذا بدأنا في التنفيذ الآن وسيكون الأمر أكثر تعقيدا كلما تأخرنا في البدء. مشروعات بلا نتائج * يقال ان هذه المشروعات تكلفت مبالغ طائلة دون أية نتائج علي أرض الواقع؟ ** بالمناسبة ليست أموالا طائلة كما يردد البعض لكنها جوائز مالية تم توزيعها علي الفائزين ولكن انفاق أية أموال مهما كانت قليلة دون عائد أو مردود علي أرض الواقع يعد اهدارا للمال العام وعلي الرغم من أننا قدمنا حوالي 80% من أعمال التطوير العمراني لكن دون تفعيل فنحن لسنا المقصرين أو المسئولين حتي توجه إلينا الاتهامات بالتقصير وعدم الجدية علي مدار 9 سنوات طالبت العديد من المسئولين بتفعيل المشروعات التي نقوم بها في اطار الدور المحدد لنا ولكن بلا فائدة. قلب القاهرة * وماذا عن التعاون الذي قمتم به مع هيئة التخطيط العمراني؟ ** خلال عام 2010 نظمت الهيئة مسابقة عالمية مع التنسيق الحضاري لإعادة تقييم وتخطيط قلب القاهرة بداية من منطقة العتبة وصولا لمنطقة الزمالك ومن قصر العيني إلي ميدان رمسيس والفائز الأول في هذه المسابقة كان احد المكاتب الاستشارية الكبري بالقاهرة بالاشتراك مع مكتب أمريكي وتم صرف مئات الآلاف عليها ولم يتم استغلالها وتنفيذها كسائر الدراسات والمسابقات الأخري. لدينا الآن العديد من المشروعات الجاهزة ولسنا بحاجة إلي اللجوء للآخرين لأن هذه المشروعات تمت بالاستعانة والتعاون مع الكفاءات العالمية. * ما مصير هذه المشروعات المختلفة؟ ** هذا سؤال لابد ان يوجه للمسئولين في الحكومة لأن جهاز التنسيق الحضاري ليس جهة تنفيذية ولا نمتلك ميزانيات لاقامة المشروعات فدورنا هو التخطيط والاشراف والمتابعة والتعاون قائم ومستمر بيننا وبين وزارة الاسكان وهيئة التخطيط العمراني منذ عام 2004 وحتي يومنا هذا. أما المسئول عن التنفيذ فهي المحافظة ووزارة التنمية المحلية وعدم اعطاء صلاحيات للمحافظ يحد من آليات العمل في خطط التنمية والتطوير التي تضعها وتشرف عليها الأجهزة المعنية. لابد ان تتغير تلك المنظومة بالكامل حتي نستطيع تغيير الواقع القائم وينبغي أن تكون الأولوية لاعطاء الصلاحيات الكاملة للمحافظ ورصد الميزانيات المطلوبة وإلا فلا جدوي من وضع استراتيجيات لمشروعات جديدة تستهدف التطوير. نقل الوزارات * منذ سنوات ونحن نسمع عن نقل الوزارات خارج القاهرة ولكن دون تطبيق.. لماذا؟ ** هذا المشروع تحديدا بدأنا العمل فيه منذ حوالي عام مع هيئة التخطيط العمراني ولكنه توقف بعد تغيير وزير الاسكان وأناشد د.إبراهيم محلب بضرورة اللقاء والتوافق لإعادة الحياة إلي كافة المشروعات المتوقفة ومن ضمنها ضرورة تعديل القانون 144 لسنة 2006 الخاص بحماية التراث المعماري المتميز.. لأن القانون الحالي أغلق جميع المنافذ أمام ملاك المباني المتميزة وأصبح صاحب العقار لا يستطيع الاستفادة من المبني الذي يمتلكه ومن ثم يلجأ إلي هدمه. لقد انتهينا بواسطة لجنة من الخبراء من إعداد مشروع القانون الجديد وتم تشكيل لجنة من وزارة الاسكان لمراجعة التعديلات التي أجريناها ولكنها توقفت عن العمل مع الحكومة الانتقالية. العشوائيات * من الملاحظ انتشار البناء العشوائي علي الرغم من جهود التخطيط العمراني..كيف يمكنكم التخلص من هذه الاشكالية؟ ** لقد ساهمت الكثير من الأحداث في نشأة واتساع المناطق العشوائية في مصر ومنها وقف برامج الاسكان الشعبي والتحويلات الخارجية التي تسعي إلي الاستثمار والهجرة إلي المدن للبحث عن فرص عمل واعتقد انه طبقا للاحصائيات المعلنة ان نسبة العشوائيات تقدر ب60% في المدن و100% في القري وعلي والرغم من الجهود المبذولة في التخطيط العمراني لكنها لم تترجم إلي أثر واضح في تعديل النسيج العمراني القائم. والتخلص من العشوائيات أمر يتعلق بأعمال صندوق تطوير المناطق العشوائية ولا علاقة للتنسيق الحضاري بتلك القضية علي الرغم من أهمية مشاركتنا في أعمال سياسات التطوير وأسلوب التعامل الأمثل في وضع الخطة اللازمة للتخطيط العمراني لضمان مناطق سكنية آمنة علي امتداد المدن وعلي الرغم من اننا تقدمنا بدليل علمي قام بوضعه خبراء وأساتذة في تطوير العشوائيات للمجلس الأعلي للتخطيط والتنمية العمرانية لكن تم استبعاده بحجة ان الصندوق هو المعني بهذه القضية ولديه كل الدراسات عن تطوير المناطق العشوائية طبقا لدرجة الخطورة وعدم الأمان. * هل تعتقد أننا لا نمتلك الكوادر أو الخبرات التي تمكننا من تنفيذ كل خطط التطوير؟ ** غير حقيقي لدينا الخبرات والمكاتب الاستشارية المؤهلة لذلك ربما العائق يكون في نقص المعلومات المتاحة لدي الإدارة المحلية مما ينعكس علي تطوير مشروعات التطوير أو عدم تنفيذها .* في ظل الأوضاع التي نعيشها الآن ومع انتشار أعمال التخريب والفوضي في العديد من الأماكن.. هل من الممكن البدء في أعمال تستهدف تغيير الصورة القائمة؟ ** للأسف الآن نعيش حالة غريبة من الانحدار والتراجع في السلوكيات هناك قيم كثيرة انهارات في المجتمع وظهر الوجه القبيح الذي تمثل في انتهاك فاضح للقوانين وتجاوز في الاعتداء علي المنشآت والشوارع دون مبالاة أو خوف مما يشكل عقبة أمام الجهات المعنية في إنهاء كل ألوان وأشكال الفوضي والتعديات التي اجتاحت الشوارع والميادين وإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه.. المسألة ليست سهلة كما يعتقد البعض ولابد ان يولي الجانب الاجتماعي والأخلاقي اهتماما وعلاجا قبل أن نبدأ في تغيير البناء والعمران. نقطة البداية هي إصلاح البشر لذلك أعتقد ان المشروع القومي هو العمل مع الشباب وبالتحديد في العشوائيات والأماكن الفقيرة فهؤلاء من السهولة ان يتحولوا لطاقة مدمرة إذا لم يحسن توظيفها ورعايتها. المدن الجديدة * من الملاحظ ان المدن الجديدة تفتقر الطابع المتميز وهذا يعكس غياب دور التنسيق الحضاري.. فما رأيكم؟ ** لقد تم انشاء هذه المدن قبل انشاء الجهاز ولم يكن لنا أي دور في التعاون مع هيئة المجتمعات العمرانية باعتبارها المسئولة عن أعمال التصميم والبناء بصفة عامة أجد ان هذه المدن أحد أكبر مشاكل القاهرة لانها أصبحت بمثابة حزام يحيط ويضاف أعباء عليها. المفترض في المدن الجديدة ان تبتعد بمسافات عن العاصمة. وهذه التجمعات تعكس حالة الخلل المنتشرة في مصر. تعديلات قانونية * تقدمتم بطلب لتعديل القانون 119 لسنة 2008 ما أبرز التعديلات المطلوب اجراؤها؟ ** هذا القانون خاص بالتنظيم العمراني وأعمال جهاز التنسيق الحضاري وتقدمنا بمقترح يتعلق بمنح الضبطية القضائية للعاملين في الجهاز لمواجهة أي تخريب أو تعد علي المباني واحالة مرتكبي هذه المخالفات إلي النيابة فورا. كذلك هناك مقترح آخر بانشاء صندوق لتمويل مشروعات التنسيق الحضاري بواسطة التبرعات أو المنح التي تمكننا من تنفيذ الكثير من الأعمال. مشروع طموح * كيف تستعيد القاهرة وجهها الحضاري؟ ** نحن بحاجة إلي مشروع طموح يتطلب إعادة توزيع السكان وايقاف كل أعمال البناء العمراني مع انشاء عاصمة جديدة تستوعب الزيادة السكانية الموجودة في القاهرة لابد أيضا من تنمية المحافظات وحل مشاكلها بحيث لا تصبح أماكن طاردة للسكان. ومن الضروري تحقيق الاستدامة الاقتصادية وتوفير الاسكان والخدمات الاجتماعية والمرافق اللازمة مما لاشك فيه ان العمل علي التنمية الزراعية والصناعية لخلق مناطق عمرانية جديدة تستوعب الزيادة السكانية وتوفر فرص عمل جديدة أصبح ضرورة لا غني عنها.