وقعت في ركن خفي بعيداً عن المعازيم الذين إكتظت بهم أركان شقتها البسيطة وأخذت تنظر لابنتها الكبري وفي يدها حفيدتها الأولي وإلي إبنها الثاني وهو يحمل صغيره الرضيع ثم ينتقل بصرها إلي ابنتها الصغري التي تجلس في الكوشة بجانب عريسها بعد أن تم عقد قرانها منذ لحظات. أخذت الدموع تجري من عينها مع ابتسامة رضا ورجعت زينب سيد عويس بذاكرتها سريعا 25 سنة مضت عندما أجبرها والدها علي الزواج من رجل قاس سييء السمعة بدعوي أنه لم يعد قادرا علي نفقاتها وزوجته ضاقت من خدمتها. لم تجد من يقف معها ويسمع رأيها فهي يتيمة الأم منذ سنوات وشقيقها الوحيد تزوج وعاش لأسرته الجديدة فقط. تزوجته في عشة لا يوجد بها سوي سرير قديم وبعض الأواني.. وبعد يومين فقط أجبرها زوجها علي الخروج للعمل لأنه لن ينفق عليها فبدأت بمسح السلالم ثم بالعمل في البيوت بعد أن اكتسبت ثقة وحب الجميع. صار لها دخلا مناسبا جعلها تحلم بأن تعيش مثل باقي الناس خاصة بعد أن رزقها الله بأولادها الثلاثة فتعلمت أن تدخر دون علم زوجها حتي دفعت مقدم شقة صغيرة انتقلوا إليها وبدأت تشتري أثاثها تدريجيا. ألحقت أولادها بالمدارس وحرصت علي أن ينتظموا بها رغم اعتراض زوجها وواصلت كفاحها عليهم حتي بدأت تشعر بالآم شديدة بصدرها وسعال لا يستجيب لأي علاج ليخبرها الطبيب بالحقيقة المرة وهي أنها تعاني من درن رئوي مزدوج تم حجزها بالمستشفي عدة شهور تكفل بها أهل الخير محمد خدمتهم بتفاني وإخلاص وعادت للعمل بمجرد أن استقرت حالتها. مضت بها السنوات وهي لا تكل ولا تشكو.. تردد دائما بكره تفرج رغم أنها تعرضت للعديد من الانتكاسات الصحية فتدخل المستشفي وتحصل علي جرعات العلاج المقررة ثم تستأنف كفاحها. تخرج أولادها الثلاثة وأعانها الله علي زواج الكبري بعد أن اشترت جهازها بالتقسيط وعندما انتهت من السداد استكملت رسالتها بالوقوف بجانب ابنها الوحيد في نفقات جهازه بنفس الطريقة. ولما كانت سعادتها عندما تمت خطبة ابنتها الصغري فيها تكتمل رسالتها ولكن كانت سعادة ناقصة فهي لم تنته بعد من سداد الاقساط السابقة وقد اشتد عليها المرض وتوقفت تماما عن العمل فمن اين ستشتري جهازها. ترددت علي أكثر من جمعية خيرية ورفض الجميع مساعدتها لأن زوجها حي يرزق وبصحة جيدة إلي أن بعث لها الله الفرج عن طريقنا عندما لجات الينا وبالتعاون مع أكثر من فاعل خير سددنا عنها باقي اقساط جهاز ابنها واشترينا لها كل جهاز ابنتها الصغري ثم رصدنا لها مساعدة منتظمة لشراء علاجها. فاقت "سيدة" من ذكرياتها علي ابنتها العروس وهي تقرب منها لتودعها قبل ان تذهب لبيت زوجها فاخذت تحتضنها وهي تردد حقاً إن بعد العسر يسر.