أكد علماء الإسلام أن محاربة الفساد في أي مجتمع تبدأ من الخطاب الديني.. موضحين أنه لو أن الناس أدركوا صحيح الاسلام بمبادئه السمحة ومنهجه المعتدل.. لما اتجهوا للفساد والانحراف والتجاوزات. قالوا ل "المساء الديني" إنه يجب علي الدعاة إعادة ترتيب الأولويات في الخطاب الديني بحيث يتم التركيز علي جوهر الدين لا الشكليات وتناول القضايا العصرية. يؤكد د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو نقابة الأشراف أنه إذا ضاع العدل ظهر الفساد واستشري بين الناس فتجد الإنسان لا يحصل علي حقه إلا بالرشوة أو بالواسطة "المحسوبية" والعدل يوجب المساواة بين افراد المجتمع .. فإذا لم توجد مساواة استشري الفساد بين الناس. ومن أجل أن نحقق العدل في المجتمع فيجب أولا أن نصلح أمرين الأول ولي الأمر أو الحاكم فإذا لم يطبق ولي الأمر العدل علي نفسه وبيته والمحيطين به انتشر الفساد. الأمر الثاني إصلاح حال العلماء ففي القول المشهور أن صلاح هذه الأمة يتوقف علي صلاح ولي الأمر وصلاح العلماء.. فإذا كان ولي الأمر غير عادل والعلماء ينافقون ولي الأمر ويبررون كل أعماله ويكسونها بثوب الدين فإن الحاكم أو ولي الأمر يجد أن كل ما يفعله حلال وعدل ولا فساد فيه. ولذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم " ما من حاكم إلا وله بطانتان .. بطانة تأمره بالعدل وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه.. فإذا مال الحاكم إلي بطانة السوء كما هو الآن فسد الراعي وفسدت الرعية وأصيب المجتمع بالجهل والفقر والمرض لأن العدل أساس الملك فملك لا عدل فيه زائل ولا أساس له وهو ما نحن فيه الآن. فواجب علي الحاكم أن يتواضع أولا لله وأن يتواضع للرعية وأن يعلم علم اليقين أنه خادم للرعية. عامل عندها . يأخذ أجره من الرعية.. فيجب عليه أن ينزل علي رغباتها وأن يقيم العدل بينها ويقطع الطريق علي كل مفسد فيها. ولقد حدثنا التاريخ عن كثير من العلماء العاملين بعلمهم نصحوا الحاكم وجهروا بكلمة الحق ولا يخافون في الله لومة لائم وكانوا يفعلون ذلك ابتغاء مرضاة الله واقتداء بقول رسول الله. يري د.طه أن سبب فساد الحكام في هذا الزمان يرجع الي علماء السلطة وطلبة الدنيا الذين يبحثون عن الكراسي والمال فزينوا للحكام أعمالهم الفاسدة وبرروها ببعض الآيات والأحاديث مما جعل الحكام يظنون بأنهم علي نهج الدين سائرون حتي ضيعوا انفسهم وضيعوا الرعية. قال دكتور أحمد السايح أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعضو المجامع العلمية العالمية: الصلح من حال المجتمع .. بالتزام المنهج الإصلاحي في الإسلام بأن يكون الخطاب الديني عاما للجميع وخطابا إصلاحيا قائما علي العقلانية المستنيرة قال تعالي في سورة النساء "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس". وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ألا أدلكم علي أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلي يا رسول الله أي نعم دلنا علي ذلك قال "اصلحوا ذات البين" وإصلاح ذات البين أي إصلاح الفساد في المجتمع ويبدو لي من وجهة نظري أن الفساد في المجتمع راجع الي الخطاب الديني لأن الخطاب الديني مشغول بالروايات والأساطير والغيبيات والحكايات ولا شأن له بالواقع المعاش في حياة الناس من هنا استشري الفساد وعم وأصبح لا يطاق إذن بداية الإصلاح في المجتمع أن نصح المفاهيم وننقي كتب التراث ونوجه خطابنا الديني الي ما يصلح حركة المجتمع ونحاول جاهدين أن نبدأ بالصناعة والزراعة وأن نهتم بالانتاج لأن المجتمعات الإسلامية كلها تتجه الي الخطاب الذي هو بعيد عن حركة الحياة بدليل أن المجتمعات العربية والإسلامية عالة علي غيرها في حين قال تعالي "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم". وللأسف كما يقول د. السايح إن الإسلاميين حولوا عمل الصالحات الي صلاة التراويح وصلاة النافلة وقشور كصلاة الجنازة والمقابر وغيرهما.. أما العمل والإنتاج ليس لها في الخطاب الديني نصيب. الاستشعار بالله أكد الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف الأسبق أنه من المعروف أن شعب مصر شعب طيب فيه أصالة وخلق وعنده استشعار بالله الواحد القهار ولقد نبت ذلك في ذهن المصري لأن الأزهر علي أرضه وعلماء الأزهر يتسمون بالوسطية والاعتدال وهم ينتشرون في المساجد. قال الشيخ منصور إن أرض مصر حفظها الله بها أكثر من 100 ألف مسجد علاوة علي 50 ألف زاوية فهذه الأعداد وتمتليء يوم الجمعة بالمصلين وكل إنسان يذهب الي المسجد لصلاة الجمعة يستمع إلي الموعظة الحسنة وهنا مكمن الدواء.. فالموعظة الحسنة علاج للقلوب وطاردة للشيطان وداعية إلي الوحدة والتآخي والترابط وكل ما من شأنه تقوية الصف.. والعلاج إذن يحتاج الي مهارة وطبيب ناصح.. والطبيب هنا هو الإمام لأنه يعالج بالقرآن وقد قال الله تعالي "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" ولكن هذا الطبيب يحتاج الي صيدلي ماهر ليقدم الدواء بجرعات متناسبة حسبما وصف الطبيب .. والصيدلي هنا هو رجل الإعلام المقروء والمسموع علاوة علي المؤسسة الثقافية متمثلة في بيوت الثقافة وفي وزارتها فهذه الأجهزة الثلاثة إذا ما تعاونت مع بعضها وكانت هناك خطة موحدة يتم رسمها أكد الشيخ منصور أن الدين دعوة الي العمل فالله يحب العبد المحترف.. وإذا كان الإنسان يعمل ويتقن ويجود مع حسن المعاملة للناس فهو ملاك يمشي علي الأرض تبشره الملائكة بالرحمة والسعادة والخير الكثير وصدق الله العظيم " «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون".