عرفت مصر القروض في عام 1862 عندما استدان سعيد باشا قرضا قدره ثلاثة ملايين وربع المليون جنيه تقريبا واستدان مبالغ اخري من الديون السائرة فبلغ الدين العام عند وفاته 16.11 مليون جنيه. الغريب ان الخديو إسماعيل عندما تولي عرش مصر عام 1863 أبدي استنكاره لهذه الديون وقطع علي نفسه عهداً بالا يقترض أبداً قائلا في خطاب له أمام وكلاء الدول أن أساس الإدارة هو النظام والاقتصاد في المالية.. ولكن لم يمر سوي عام واحد.. حتي عقد أول قرض وكانت قيمته 704.5 مليون جنيه بفائدة 7% لمدة 15 سنة وبلغت الفائدة الحقيقية مع الاستهلاك 12% وهي فائدة فاحشة!! وظل يقترض ويقترض بفوائد ربوية عالية حتي بلغ الدين العام عام 1876 نحو 126 مليوناً و355 الف جنيه تقريباً وكان يرهن في مقابل هذه الديون وفوائدها.. كل ما يمكن رهنة فجعل مقابل كل قرض رهنه.. الضرائب التي تجبي وآلاف الافدنة الخاصة والعامة بالاضافة إلي ايرادات السكة الحديد والجمارك وعوائد الكباري وكان عبورها يتم بتحصيل رسوم معينة وإيراد الملح ومصايد الاسماك.. وغيرها. وفي جميع الأحوال كان ما يصل الخزانة من القروض لا يزيد علي 70% من أصلها والباقي يضيع كفوائد وسمسرة ومصروفات أخري. وكان الخديو إسماعيل يتذرع بأسباب وهمية للحصول علي القروض ويذكر عبدالرحمن الرافعي المؤرخ الكبير في كتابه "عصر اسماعيل الجزء الثاني" نقلا عن مدام أو لعب إدوار في كتابها "كشف الستار عن أسرار مصر".. أن الخديو اسماعيل كان يعقد القرض تلو الفرص لاجل طويلة تاركا لمن يخلفه في الحكم تسديدها وكأنه يقصد تعقيد مهمة الحكم لمن يأتي بعده.. وكانت مدام أولب قد كتبت هذا الكلام في ديسمبر 1864. ولم يكن مضي عامان علي تولي الخديو اسماعيل مقاليد الحكم.. ولم يكن قد استدان إلا أول قرض. وذكر المسيو جابربيل شارم وهو أحد الكتاب الفرنسيين وعاصر عهد الخديو اسماعيل ان اسماعيل باشا قد اقترض في الثمانية عشر عاما التي تولي فيها الحكم نحو 120 مليون جنيه تقريبا "ثلاثة مليارات من الفرنكات" والواقع ان نصف هذا المبلغ علي الاقل بقي في أيدي الماليين وأصحاب البنوك والمضاربين من مختلف الاجناس وهذا هو الخراب بعينه.. هذا ما ذكرته مجلة العالمين عدد 15 أغسطس ..1879 نقلاً عن كتاب عصر اسماعيل. وفي تقرير الخبير البريطاني مستر كيف والذي استعان به الخديو اسماعيل بفحص مالية مصر كتب يقول "استنفدت فوائد الديون معظم دخل الخزانة فقد كانت إيرادات الحكومة عام 1877 تسعة ملايين و589 الف جنيه خصص منها لحملة الاسهم ستة ملايين جنيه أي أن مخصصات الديون ابتعلت معظم الميزانية.. ومن الطبيعي ان تجر كل هذه القروض- المشاكل علي مصر وأدت إلي تدخل الانجليز في كل شئون مصر.. وكان لهذا التدخل طرق عديدة واساليب مختلفة ولهذا فإن القروض التي تسعي إليها مصر حاليا تتم بحذر شديد.. ولها حكايات أخري.