كانت آفة الخديو إسماعيل.. الاقتراض من البيوت المالية والمرابين الأجانب ولم يكن يحسب أي حساب ودون أي تفكير في العواقب حتي كبَّل البلاد حكومة وشعباً بأعباء مالية رهيبة. بدأت عملية القروض في العام التالي لتوليه عرش مصر فقام في عام 1864 بالحصول علي قرض قيمته خمسة ملايين و704 آلاف و200 جنيه من أحد البيوت المالية في لندن بفائدة 7% لمدة 15 سنة وقد بلغت الفائدة الحقيقية مع الاستهلاك كما ذكر عبدالرحمن الرافعي في كتابه عن الخديو إسماعيل بلغت 12% وذلك مقابل رهن ضرائب الأطيان بمديريات الدقهلية والشرقية والبحيرة.. لسداد الأقساط. وبعد عام أي في سنة 1865 حصل علي قرض آخر يقترب من أربعة ملايين جنيه بحجة الأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار القطن بعد أن عجز المزارعون عن سداد ديونهم فاعتزم إسماعيل أن تتدخل الحكومة وحصرت ديونهم وسددتها عنهم للدائنين والمرابين وقامت الحكومة بعد ذلك باسترداد هذه الديون من الدائنين. وبالفعل حصل الخديو علي هذا القرض من بنك انجلو الذي خصم قيمة الفائدة مقدماً ورهن في مقابله 365 ألف فدان من املاكه!! واستمر في الاقتراض وفي عام 1866 اقترض مبلغ ثلاثة ملايين جنيه بضمان إيرادات السكة الحديد. أما القرض الرابع فكانت قيمته 8.2 مليون جنيه وتم في عام 1867 بحجة سداد فوائد الديون التي لا يعرف لها أول ولا آخر.. ولكن الذي حدث أن الديون والفوائد بقيتا كما هما دون أي تسديد!! ويروي نوبار باشا الذي كان رئيساً للوزراء في عهد إسماعيل قصة قروض جديدة سنة 1868 والتي بلغت نحو 11 مليوناً و890 ألف جنيه قال: "اشترك الخديو في معرض أقيم بباريس سنة 1867 وظهر فيه بمظهر فخم وأسرف في الانفاق ليظهر بمظهر العظمة لكي يجذب ثقة البيوت المالية بالإضافة إلي قيامه بتقديم الهدايا والرشاوي التي دفعها في الاستانة ليحصل علي لقب خديو كل هذا وغيره جعل خزانة الحكومة خاوية تماماً وبالتالي اقترض من بنك "أوبنهايم" قرضاً بلغ نحو 12 مليون جنيه في حين أن الذي دخل الخزانة منه لم يزد علي 2.7 مليون جنيه وضمن سداد هذا المبلغ ايرادات الجمارك وعوائد الكباري وايرادات الملح ومصايد الأسماك وقدر دخل هذه الموارد بنحو مليون جنيه سنوياً..! ولم يكتف الخديو بذلك بل ظل يستدين ويستدين حتي رهن معظم. إن لم يكن كل الموارد المالية وبعض الأصول ورغم ذلك لم يستطع الوفاء بالأقساط المطلوبة وبالتالي اضطر في نوفمبر سنة 1875 إلي بيع حصة مصر في قناة السويس إلي انجلترا بمبلغ أربعة ملايين جنيه استرليني "أقل من الجنيه المصري" في 4 ابريل سنة 1876 توقفت مصر عن دفع الأقساط المطلوبة منها بعد أن زادت الضائقة المالية. ثم تقرر انشاء صندوق الدين وبداية الوصاية الأجنبية علي مصر.. لضمان تسديد القروض. ويقول عبدالرحمن الرافعي إن عصر إسماعيل هو أقرب العصور صلة بالعصر الحاضر أي عام 1932 لأن معظم القيود والنظم التي حلت بمصر علي عهده كانت لا تزال قائمة. والواقع أن مسألة الديون والقروض ظلت تكبل مصر علي مدي عهود كثيرة.. وكلما عانت الدولة تدهوراً مالياً لجأت علي الفور إلي الاقتراض.. وقد زادت قيمة الديون المصرية داخلياً وخارجياً في ظل النظام السابق بصورة خطيرة وقد ذكرت وسائل الإعلام في عام 2010 علي وجه الخصوص إلي أن شبح الافلاس يهدد مصر..!!