أبسط قواعد الوعي السياسي تقول إن مصر الآن في حاجة إلي أن تهدأ وتضبط أعصابها لكي تفكر بشكل أفضل في حل مشاكلها بعيداً عن التوتر والانفلات.. تكفينا جداً حالة الاضطراب والاحتقان التي تفجرت عقب جريمة رأس السنة والتي مازلنا نعاني من توابعها.. وعلي هواة إشعال الحرائق أن يمسكوا عليهم ألسنتهم قليلا.. وأن يتركوا للوطن فرصة كي يلملم شتاته ويضمد جراحه. وإذا كنا نلوم بعضاً من هؤلاء الهواة.. ممن لا خبرة ولا علم لهم بأحوال المصريين وأحوال مصر ومشاكلها المتداخلة.. وممن ربطوا أنفسهم بأجندات خاصة.. وممن اختاروا أن يكونوا وكلاء للخارج.. فماذا نقول عن بعض الوزراء وبعض السياسيين الذين يطلقون لألسنتهم العنان باستفزازات مثيرة.. دون أدني مراعاة لما يعرف ب"المواءمة السياسية" .. عندما لا يكون الكلام مناسباً لمقتضيات الحال.. ولا يكون المناخ العام قادراً علي تقبل هذه الاستفزازات .. حتي ولو كانت مجرد بالونات اختبار. في الأسبوع الماضي.. ووسط أجواء الحزن التي تلف البلاد والعباد.. فاجأنا الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية بطلبه سرعة اتخاذ قرار حاسم بإلغاء الدعم عن المواد البترولية والطاقة.. وقال خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب انه سيأتي يوم يكون لزاماً علي المجلس أن يختار ما بين دعم البنزين لنحو 16 مليون مواطن يركبون السيارات الخاصة علي حساب 64 مليون مواطن. وبين تطوير التعليم والصحة. وفي إشارة واضحة المغزي أضاف قائلاً: إن كل بنود الانفاق في الموازنة حتمية ولا يمكن اللعب فيها وان الشيء الوحيد الذي يمكن التصرف فيه أموال دعم الطاقة والوقود. ما معني هذا الكلام يا د. يوسف بطرس غالي؟! أليس معناه أن النية تتجه إلي زيادة أسعار البنزين؟! و.. ألا تعلم أن زيادة أسعار البنزين تحت أي مسمي ستتبعها موجة شاملة من ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات؟! .. فالبنزين كما تعلم ونعلم هو قاطرة الأسعار.. بل إن الأسعار ترتفع مباشرة بمعدلات أكبر من معدلات ارتفاع أسعار البنزين إذا تحقق ما طالبت به. هل مصر مستعدة الآن لموجة جديدة من ارتفاع الأسعار. وما قد يصاحبها من توترات فوق التوترات التي نعيشها؟!.. ثم لماذا هذا الاستفزاز اليوم؟! والغريب في الأمر أن يكون إلغاء الدعم عن البنزين والطاقة بدعوي حماية محدودي الدخل ومراعاة مصالحهم في مواجهة الذين يركبون السيارات الخاصة.. والوزير أول من يعلم أن الذين يدفعون فاتورة أي زيادة في الأسعار هم محدودو الدخل.. وسيقال لهم إن تعريفة الركوب والنقل قد ارتفع بسبب أسعار البنزين. ولن تفعل لهم الحكومة شيئا. أما الذين يقصدهم من الطبقة العليا.. أصحاب السيارات الخاصة.. فهؤلاء يعرفون كيف يدبرون أمورهم. ويستردون فارق الزيادة وأكثر. من أجل ذلك رد المهندس أحمد عز علي الوزير غالي بأنه لابد من إصلاح النظام الضريبي أولاً لضمان توفير موارد سيادية أكبر.. مشيراً إلي أن 99.9% من ممولي الضرائب في الصعيد لا يمسكون دفاتر ولا يدفعون الضرائب.. وهو ما يتطلب إجراءً حاسماً من جانب مصلحة الضرائب.. كما أن الايرادات المحققة حالياً من حصيلة الضرائب أقل بكثير من المطلوب لأن كثيرا من الأنشطة التجارية والصناعية لا يتم تحصيل ضرائب عنها. وحسناً فعل المهندس عز أن نبه الوزير إلي خطورة ما يقول .. فالبلد ليس في حاجة إلي ارتفاع أسعار.. وليس في حاجة إلي هزات جديدة.. وإنما في حاجة إلي إصلاح ضريبي حقيقي لا يركز علي الفئات الأدني من الموظفين ومحدودي الدخل. وإنما يركز علي أصحاب الأنشطة التجارية والصناعية ممن يلعبون بالمليارات وينفقون فائض ثرواتهم علي الفنانات والسهرات والأندية الرياضية.. بعضهم تبرع بمرتب مدرب النادي الأجنبي بعدة ملايين لبضعة أشهر. لكن المشكلة أن المهندس عز قد شارك هو الآخر في حملة الاستفزاز من خلال حديثه أمام لجنة الخطة والموازنة التي يرأسها عن أن الحزب الوطني طالب بالدعم النقدي بدلاً من الدعم العيني للسلع الذي لا يصل إلي مستحقيه ولكن الوزير مصيلحي خاف أن يطبقه. والحقيقة أن الحوار المجتمعي الموسع الذي دار حول الدعم النقدي والدعم العيني نبه إلي التخوف من أن يكون التحول إلي الدعم النقدي مقدمة لإلغاء الدعم أو تخفيضه.. والتخوف من أن يكون الدعم النقدي سببا مباشراً في ارتفاع الأسعار إلي معدلات فلكية يصعب السيطرة عليها.. ولذلك تم إرجاء التطبيق والاتجاه إلي بحث سبل ترشيد الدعم حتي يصل فعلاً إلي مستحقيه وبمعدلات مؤثرة ترفع مستواهم المعيشي. من هنا فإن الحديث اليوم عن التحول إلي الدعم النقدي ووسط الظروف الراهنة من شأنه أن يثير حفيظة المواطن وتخوفه.. خصوصاً أن الحكومة تشكو مر الشكوي من أموال الدعم وتبحث عن وسيلة للخروج الآمن من ربقته.. وهذا ما حذر منه النائب د. زكريا عزمي تحت قبة البرلمان عندما أشار إلي أزمة أنابيب البوتاجاز محذراً من أن يقتل الناس بعضهم بعضاً في طوابير البوتاجاز مثلما يحدث في طوابير الخبز. إن الخطاب السياسي الواعي يجب أن يحاذر ألف مرة قبل أي حديث عن الدعم أو ارتفاع الأسعار.. اللهم إلا إذا كان هذا الخطاب يصدر عن أناس في غيبوبة عما يدور حولهم في الداخل والخارج.. فأسعار عشرات السلع سجلت زيادات مركبة من يناير 2010 إلي يناير 2011 .. والناس لم تعد قادرة علي احتمال زيادات أخري. انظروا إلي ما حدث في أسعار السكر والزيت والأرز والحبوب واللحوم الحمراء والدواجن ومنتجات الألبان والدقيق والمواد الغذائية.. وانظروا إلي ما حدث في فواتير الكهرباء وفي حديد التسليح والأسمنت. يجب أن يتوقف الجميع عن سياسة إشعال الحرائق واستفزاز مشاعر الناس.. ويكفي أن الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات التي خرجت العام الماضي كانت كلها بسبب الاستفزازات الحكومية.. إما بقرارات مباغتة أو امتناع عن اعطاء الحقوق لأصحابها.. أو امتناع عن تنفيذ أحكام القضاء. كفاية يا حكومة.. وكفاية جدا يا وزير المالية ويا وزير التربية والتعليم.. كفاية استفزاز للناس. إشارات * عشنا لحظة فرح حقيقية عندما كان الرئيس مبارك يضع قلادة النيل العظمي علي صدر المصري الأصيل د. مجدي يعقوب .. إنه عالم وطني يستحق التكريم بكل جدارة. * قال المهندس نجيب ساويرس: "محاولة بعض الأقباط الاستقواء بالخارج خيانة". صراحة جارحة لكنها مطلوبة جدا اليوم. * من اعترافات الجاسوس الإسرائيلي: "الموساد طلب مني اختراق الجماعات الإسلامية وتجنيد عناصرها". ومن أجل ذلك نقول: إن الموساد هو المتهم الأول في جريمة كنيسة القديسين حتي لو تمت بأيدي جماعات إسلامية مأجورة. * من يقرأ تصريحات الأمريكيين والإسرائيليين حول استفتاء جنوب السودان يدرك أنهم قد حققوا هدفهم ويعيشون زهو الانتصار. * اقتراح "بيت العائلة" يمكن أن يلعب دوراً مهما في حياتنا بشرط ألا يسقط في الروتين الحكومي والمجاملات الكلامية التي لا تحل مشكلة.